الرد على:من يرى أنَّ الطلاق مرتان، وليس ثلاث مرات!

من ظن أنَّ الطلاق مرتان، وليس ثلاث مرات؛ اتخذ من قول الله -تعالى – : ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ ﴾ من الآية (٢٢٩) البقرة؛ دليلًا على صواب رأيه؟!

ما الخطأ الذي وقع فيه؟

إنه لم يُدرك وجود حرف الفاء الذي دوره هو أن يفصل بين ما جاء قبله، وما جاء بعده من حيث الترتيب، والزمن..

لو كان القول: (الطلاق مرتان إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) أي دون ذكر حرف الفاء؛ سنفقه من القول: أنَّ الطلاق مرتان، وليس ثلاث مرات.

لكن من دقة البيان في القرءان الكريم التي تدل على إحكام الله لآياته؛ أنَّ الله – عز وجل – قال: ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ ﴾، ماذا نستنبط من ذلك؟

لقد دلَّ حرف الفاء في الآية الكريمة على أنَّ الإمساك بمعروف، أو التسريح بإحسان هو حكم يأتي (من حيث الترتيب والزمن) بعد الطلاق مرتان (للمرة الثانية).

أليست الآية احتوت على حكم يسبق حرف الفاء وهو: (الطلاق مرتان)؟

إذًا ما يلي الفاء هو حكم ثالث..

ذلك الحكم يبين لنا: إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان.

وما دام بعد الطلاق مرتان يمكن الإمساك بمعروف، أو قد لا يرغب الرجل، وامرأته فيكون التسريح بإحسان.

نتبين من بلاغة القرءان أنَّ للبعل إمكانية أن يرد امرأته بالمعروف (بموافقتها، وبما لا يخل بشرع الله) ذلك إذا تم الطلاق مرتان.

وإن لم يكن هناك رغبة في الرجوع؛ فإنه بعد إنقضاء العدة يتم التسريح بإحسان؛ أي ترك البعل لامرأته دون أن يظلمها.

هل أشار القرءان إلى الطلاق للمرة الثالثة؟

قال الله – تعالى – : ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ (٢٣٠) ﴾ البقرة؛ هذه الآية تحوي حكم الطلاق للمرة الثالثة بشكل لا يقبل الجدل.

كيف علمنا أنَّ الطلاق هنا يعنى للمرة الثالثة، وليس للمرة الثانية؟

علمنا ذلك من وجود حرف الفاء في الآية: ﴿ فإن طلقها ﴾ لأنَّ حرف الفاء (هنا) يلي كل ما سبقه بما في ذلك: ﴿ الطلاق مرتان ﴾.

ويُمكن التأكد من ذلك حين نقرأ الآيات كاملة كما جاءت في كتاب الله (أي بذات الترتيب):

قال الله – تعالى – : ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ (٢٢٩) ﴾ وما نتبينه من الآية التي جاءت بعدها؛ قم: (٢٣٠) هو التالي:

﴿ فَإِن طَلَّقَهَا﴾ لاحظوا: ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا ﴾ التي جاءت بعد ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ ﴾ من حيث الترتيب.. ما يحدث إن طلقها للمرة الثالثة؟

﴿ فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ ﴾ ذلك بعد الطلاق للمرة الثالثة.

﴿ فَإِن طَلَّقَهَا ﴾ أي زوجها الجديد ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ ﴾ هي وزوجها الذي طلقها من قبل ثلاث مرات.

ذلك ﴿ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ (٢٣٠) ﴾ البقرة.

فكما نلاحظ؛ قول الله تعالى: ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ ﴾ يأتي من حيث الترتيب بعد قوله: ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ ﴾، وهذا دليل على تتابع الأحكام من حيث الترتيب، والزمن (حسب ما نتبينه من حرف الفاء) والذي يدل على إمكانية التراجع للمرة الثالثة بعد الطلاق للمرة الثانية.

أي أنَّ قول الله – تعالى – : ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ ﴾ كان حكمًا، تبعه قول الله – تعالى – : ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا

لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ﴾ وهو حكم ءاخرًا انفصل عما قبله من حيث الترتيب، والزمن.

وذلك يُبين لنا أنه لا يحل للزوج أن يُرجع امرأته السابقة (إن طلقها للمرة الثالثة) حتى تنكح زوجًا غيره ( فكما نلاحظ: الحكمان مختلفان).

لكن هل للمرأة أن تتزوج، ويتم طلاقها بغرض أن تعود لزوجها السابق؟

هذا مخالف لما جاء في كتاب الله؛ لأنَّ الله – عز وجل – قال: ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا ﴾ أي طلقها زوجها الجديد ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ ﴾ أي تعود لزوجها السابق الذي طلقها من قبل ثلاث مرات.

﴿ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ﴾.

لأنَّ لفظ: (إن) الذي يُفيد الشك أي طلاقها من زوجها الجديد؛ هو محل شك، وليس أمرًا مؤكدًا؛ مما يعني أنه: زواج شرعي لإنشاء أسرة مستقرة، وليس للتحايل على شرع الله.

إذًا الآيتان: (٢٢٩) و (٢٣٠) بدأت إحداهما وهي الآية رقم (٢٢٩) بقول الله – تعالى – : ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ ﴾ فتلاه قوله – سبحانه وتعالى – : ﴿ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ ﴾ أي بعد الطلاق مرتان يمكن أن يتراجعا بالمعروف، أو يتم التسريح (أي الإنفصال) بإحسان؛ فتلا

جميع ما سبق؛ قول الله – تعالى – : ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ ﴾ وهو الطلاق للمرة الثالثة، وهذا يكون بعد التراجع عقب الطلاق للمرة الثانية.

فإن طلقها للمرة الثالثة (كما نستنبط من كلام الله) يكون الحكم هو: لا يحل للزوج أن يُراجع زوجه السابقة (بعد أن طلقها للمرة الثالثة) إلَّا بعد أن تنكح زوجًا غيره ( لاحظوا أن الطلاق للمرة الأولى، والثانية كان يمكنه أن يُراجع امرأته).

لكن اختلف الحكم بعد الطلاق للمرة الثالثة؛ حيث اُشترط لرجوعهما أن تنكح زوجًا غيره.

ذلك الزواج يكون برغبة إنشاء أسرة مستقرة (وليس للتحايل على شرع الله ـ تعالى ـ) والدليل هو قول الله – سبحانه وتعالى – : ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ

يُبَيِّنُهَا لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ﴾ تكررت: ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا ﴾ مرتان في الآية (٢٣٠) إحداهما عادت على زوجها في حال طلقها للمرة الثالثة، أما الأخرى التي تلتها؛ فقد عادت على الزوج الجديد؛ لأن طلاقها منه أمر وارد في حال استحالت بينهما الحياة.

فإن طلقها زوجها الجديد يمكنها العودة إلى زوجها السابق الذي طلقها من قبل ثلاث مرات، إن ظنا أن يقيمان حدود الله.

ما نستنبطه من بلاغة بيانية

لماذا فصل الله – تعالى – الطلاق للمرة الثالثة عن أول طلقتين؟

لأنه (كما تبين لنا) حُكم ما بعد الطلاق للمرة الثالثة اختلف عن حُكم ما بعد الطلاق للمرتين: الأولى، والثانية.

وذلك من بلاغة البيان في القرءان التي فيها كل لفظ يأتي في موضعه بدقة بالغة.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart