﴿ هَـٰذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ (٣٥) ﴾ المرسلات.
﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) ﴾ المؤمنون.
الله – تعالى – لم ينفِ أنَّ المجرمين لا يتكلمون يوم القيامة، ولكن نفى أنهم ينطقون (صوت، وحروف) وأثبت لهم باقي وسائل القول؛ وأثبت لهم الكلام..
فما هو الكلام؟
الكلام لا يعني القول، أو النطق، ولكن الكلام هو ما ينشأ داخل النفس، ويتم نقله إلى الآخرين من خلال وسيلة من وسائل القول.
ومن بين وسائل القول (وليس الكلام) التي نعرف بعضها: (النطق، الوحي، الرموز، الإشارة، وغيرها من الوسائل التي يعلمها الله).
كتاب الله نفى أنَّ المجرمين ينطقون يوم القيامة، ولكن لم ينفِ عنهم القول بوسيلة أخرى، مثل: (الوحي) .
ولمن يظن أنَّ الكلام هو النطق؛ فإن الله – تعالى – منع الظالمين من أن ينطقوا يوم القيامة؛ ﴿ هَـٰذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ (٣٥) ﴾ .
ولو قالوا: الله يأمرهم بألَّا يُكلموه: ﴿ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) ﴾ إذًا هم لا يتكلمون يوم القيامة؟!
نقول لهم: بل العكس هو الصحيح؛ فلا تجعلوا القول على مطلق صفة التكلم.
نعلم أنَّ الظالمين لا ينطقون يوم القيامة، وذلك ليس بإرادتهم؛ فلو كانوا لا يتكلمون يوم القيامة؛ كيف سيأمرهم الله فيقول لهم: ﴿ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) ﴾؟!
بل ذلك أثبت أنهم يتكلمون وهم في نار جهنم؛ وفي الآية بلاغة:
لو قال لهم الله: (ولا تتكلمون) لصار أمرًا بالتوقف عن الكلام بشكل مطلق بما في ذلك بين الإنسان، ونفسه..
لكن الظالمون يُكلمون بعضهم في جهنم كما نتبين من سورة ص: ﴿ هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ۚ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (٥٩) قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ (٦٠) ﴾ .
﴿ إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤) ﴾.
ولئلا يحدث اختلاف بين الآيات؛ جاء الأمر بالنهي عن مخاطبة الله وحده، وليس بالنهي عن الكلام بشكل مطلق.
وبالعودة إلى قول الله – تعالى – : ﴿ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) ﴾ أراه قد أثبت أنهم يتكلمون؛ حيث يطلبون الخروج من جهنم؛ لذلك أمرهم الله بألَّا يُكلموه ﴿ وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ ونتبين ذلك من وجود (كسرة) على حرف النون في لفظ: ﴿ تُكَلِّمُونِ ﴾ حيث عادت
على المتكلم وهو: الله – عز وجل – فهم يُكلمون الله ليُخرجهم من جهنم، أو يطلبون من ربهم زيادة عذاب من قدموا لهم هذا: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (٦١) ﴾ ص.
لكن الله يأمرهم بأن يخسئُوا فيها
﴿ وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾.
إذًا الله يأمرهم بألَّا يُكلموه، وليس بألَّا ينطقون، فهم ممنوعون من النطق قصرًا، وليس بإرادتهم.
وهذا يثبت أنَّ النطق ليس هو الكلام..
ما هو الفرق بين: (الكلام، والنطق)؟
لقد تداخل معنى لفظي: (النطق، والكلام) ومن الناس من يظنون أنَّ النطق هو الكلام!
النطق ليس هو الكلام؛ إنَّما هو وسيلة من وسائل القول؛ يتم بها إخراج الكلام من النفس إلى خارجها بصوت يتكون من حروف، وألفاظ.
النطق هو نقل الكلام باللسان، والشفتين، والنطق هو وسيلة من وسائل القول..
(التفريق بين الألفاظ الثلاثة: الكلام، القول، النطق؛ بالتفصيل مع ذكر الآيات؛ موجود على الموقع الإلكتروني).
دقة معاني الألفاظ في كتاب الله نتبينها حين نجد أنَّ القرءان الكريم فرق بين الألفاظ التي تبدو متشابهة، أو ذات دلالة واحدة.
ومن تلك الألفاظ: (الكلام، القول، النطق) حيث لكل لفظ منهم معناه الخاص به، والذي لا يكون لغيره.
وحين نتيقن من ذلك مع كل الألفاظ الأخرى؛ فإننا لن نجد في كتاب الله أي اختلاف بين ءاياته.
المجرمون لن يتكلمون باللسان والشفتين؛ أي لن ينطقوا بصوت وحروف.
ولكن سيُكلمون الملائكة، وسيُكلمون بعضهم من خلال وسائل قول أخرى مثل: الوحي، والإشارة.
إذًا نفي النطق عن المجرمين يوم القيامة؛ ليس معناه أنهم لن يتكلموا يوم القيامة؛ بل الآية ﴿ هَـٰذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ (٣٥) ﴾ نفت النطق الذي يكون باللسان، والشفتين، وهو من وسائل القول، ولم تنفِ الكلام الذي يعبر عما في أنفسهم.
والله أعلم.