قال اللهُ – تعالى – : ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (٢) ﴾ البلد.
وقال سبحانه وتعالى في سورة التين: ﴿ وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) ﴾.
قال المبطلون: يُوجد تعارض بين الآيات، وتناقض واضح؛ فمرة جاء: لا أقسم بهذا البلد، ومرة أخرى يقسم بهذا البلد؟!
حين نتدبر القرءان يتبين لنا أنَّ البلد ليست واحدة في الآيتين..
نعلم أنَّ المقصود بالبلد الأمين في القرءان مكة.
وهذا يمكن أن نستدل عليه من قول الله – تعالى – : ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ۖ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) ﴾ إبراهيم.
لقد جاء لفظ: (ءامنًا) على لسان إبراهيم – عليه السلام – وهو يدعو ربه حين كان في مكة، وهي البلد التي بها البيت الحرام.
ماذا نستنبط من هذا؟
نستنبط من هذا أنَّ قول الله – عز وجل – : ﴿ وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) ﴾ المراد به مكة المكرمة.
وقد أوحى اللهُ – تعالى – بهذه الآية الكريمة وقت وجود النبي – عليه الصلاة والسلام – بمكة؛ أي قبل الهجرة.
وكيف نستدل على ذلك؟
لقد جاء في الآية لفظ: (هذا) في قول الله – تعالى – : ﴿ وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) ﴾ فلفظ: (هذا) يدل على المكان القريب، أو الذي يُوجد فيه النبي وقت الوحي إليه بهذه الآية الكريمة.
أما في قول الله – تعالى – : ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (٢) ﴾ البلد.
فإنَّ المراد بها هي: البلد التي هاجرَ إليها النبي – عليه الصلاة والسلام – والتي عُرفت بعد هجرة النبي إليها بالمدينة المنورة.
ما الدليل على أنَّ البلد هنا هي المدينة التي هاجر إليها نبي الله؟
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (٢﴾ ﴾ البلد.
يَدلُ لفظُ: ﴿ حِلٌّ بِهَٰذَا ﴾ على أنَّها ليست بلده التي وُلدَ بها ولكن هي البلد التي حل بها بعد الهجرة، وكان فيها حين أوحيت إليه هذه الآيات الكريمة.
ما معنى: (حل)؟
حل تأتي للإشارة إلى المكان الذي يحل به الإنسان بعد أن جاء إليه من مكان ءاخر..
ونعلم أنَّ النبي – عليه الصلاة والسلام – هاجر من مكة، وحل بالمدينة المنورة.
ماذا يتبين لنا مما سبق؟
أنَّ البلد في الآيتين ليستا بلدًا واحدًا.
فحين قال اللهُ – عز وجل – : ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (٢) ﴾ البلد؛ فإننا نستنبط أنَّ المراد هنا بالبلد، هي: المدينة المنورة التي حل بها بعد هجرته من مكة المكرمة.
وبالتالي: ليست هي ذات البلد التي أقسم اللهُ بها والتي عرفت بمكة، والبلد الأمين.
وبذلك لا يُوجد تعارض، أو تناقض بين الآيات الكريمة؛ لأن ءايات كان المراد بها مكة التي أقسم بها اللهُ – تعالى -.
وءايات أخرى كان المراد بها المدينة المنورة التي قال اللهُ – تعالى – عنها: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (٢) ﴾.
والله أعلم.