قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) ﴾ آل عمران.
وقال – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ﴾ مريم.
ظهر لدينا لفظ: (وَارِدُهَا) فاعتبر المُشككون أنَّ معناه هو ذاته (يَدخُلُها) حيث قالوا: إنَّ الشهداء سيدخلون الجنة؛ فلماذا جاء أنَّ الجميع سيدخلون النار بدون استثناء؟!
لقد جعلوا لفظ: (وَارِدُهَا) هو ذاته (يَدُخُلها) لا اختلاف بينهما في المعنى؛ وهذا شئ عجيب!
حين يتم الخلط بين معنى (وَارِدُهَا) ومعنى (يَدخُلُها) وهما لفظان مختلفان؛ فلا شك أنَّ هذا يُؤدي إلى خلل كبير في فقه الآيات، وفهم المُراد منها.
كيف ذلك؛ أليس ورود الشئ هو ذاته الدخول فيه؟!
بالتأكيد لا؛ فلكل لفظ في القرءان دلالته الخاصة به..
وحين يتم استبدال لفظ: (وَرَدَ) بلفظ: (دَخَلَ) فإنَّ هذا حتمًا سيُغير المعنى تمامًا؛ لأنَّ كلام الله قائم على ثبات اللفظ، ودقة معناه.
كما أنَّ ما فعله المبطلون الذين يشككون في القرءان؛ ليس من باب الأمانة العلمية التي يزعمون أنهم يتمسكون بها؛ بل أرادوا أن يضلوا الناس بزعمهم أنَّهم يتمسكون بالاسلوب العلمي في النقض، وأنهم يقولون الحق، ولا يفترون الكذب؟!
ولكن هم ليسوا كذلك.
لماذا؟
إنَّهم يستخدمون اسلوب الخداع، وتبديل الألفظ عن بعض مواضعها في الآيات المتشابهة، وتأويل كلام الله ليُعطي معاني غير حقيقية لا تُعبر عن مراد كلام الله، ابتغاء الفتنة.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) ﴾ آل عمران.
كيف نتبين دقة الألفاظ في الآيات ونثبت أنَّ (وردَ جهنَّم) ليس معناه أنَّه دخلها؟
لا بد أن نستيقن أنه لا تطابق بين الألفاظ المختلفة؛ وهذا يعني أنَّ (الورود) ليس هو (الدخول).
مثل: وَرَدَ البئر، ليس معناها دخَلَ البئر، ولكن هو بجوار البئر بعد أن قصد الذهاب إليه، وليس معناه أنَّه دخل البئر كمن يدخل البيت مثلًا.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ (٢٣) ﴾ القصص.
أي وصل إلى مكان الماء فتواجد بجواره، وليس المقصود أنَّه دخل في ماء البئر.
إنَّهم افتروا على الله الكذب؛ ذلك حين خلطوا بين لفظ: (يَرِد) وبين لفظ: (يدخل).
فورود جهنم كما تَبيَّن ليس معناه الدخول فيها، ولكن هو الذهاب إلى جهنَّم دون دخولها.
أمَّا الدخول فهو دخول جهنَّم فعليًا، وليس التواجد بجوارها فقط.
ومن خلال تَبيّن الفرق بين معنى كل لفظ منهما سيكون وُرود جهنَّم لكل الناس الظالمين، والمُتقين، ولكن من سيتم إدخالهم جهنم هم الظالمين.
أما من اتقوا الله؛ فسيتم إبعادهم عنها؛ فلن يدخلوها برحمة الله – تعالى -.
نتبين ذلك من قول الله – عز وجل – : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (١٨٥) ﴾ آل عمران.
هذا معناه أنَّه يتم إبعاده عن النَّار؛ وهذا دليل على أنَّه لم يدخلها وإلَّا سيكون القول (ولله المثل الأعلى) : (من يُخرج من النَّار) لأنَّ لفظ (زُحزح عن النَّار) معناه أُبعد عن النَّار، وليس أُخرج منها.
إنَّ المتقين لن يدخلوا النَّار مُطلقًا عكس ما يزعم أصحاب الشُبهة.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (١٠٢) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) ﴾ الأنبياء.
والله أعلم.