الرواية التي تقول: إنَّ الله خلق ءادم على صورته.. أصلها في سِفر التكوين من العهد القديم!

من الناس من أراد أن ينفي التشبيه عن الله – تعالى – فقال: معنى الرواية لا يعني أنَّ الله – تعالى – خلق ءادم على صورته، ولكن معناها هو: أنَّ الله خلق الإنسانَ على صورة ءادم.

ولكن من جعلوا لله الأصابع، والقدم والساق، والعينين (مثنى عين)! والجلوس، والقيام يُصرون على أنَّ ءادم خُلق على صورة الله؟!

ثم يزيدون: صورة تليق بجلاله!

ولكن أقول لهم: لقد جعلتوها (في كل الأحوال) صورة يُدركها البصر؛ وبالتالي: يُدركها المخلوق، ويحيط بها!

كيف يستدلون برواية نجد أصلها في سفر التكوين، ولا نجد ما يتوافق معها في القرءان الكريم الذي يُهيمن على كل ما جاء قبله؟!

في موضوع سابق؛ بينت المراد بقول الله – تعالى – : ﴿ كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ (٢٦) وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ (٢٧) ﴾ الرحمن؛

فقلت: لا يُراد به الوجه الذي له عينين، ولكن المراد من الآية الكريمة: أنَّ الوجوه التي تتوجه إليها المخلوقات في الحياة الدنيا، مثل: من يتوجه إلى المال، أو الناس، أو الأصنام؛ كل هذه الوجوه ستفنى؛ فلا يبقى إلَّا وجه الله لتتوجه إليه الخلق جميعًا.

أي أنَّ الوجه من التوجه، ووجه الله من التوجه إليه الذي يواجه الخلق حين تتوجه إليه.

من أمثلة ذلك في الحياة الدنيا: من يتوجه في صلاته إلى الله – تعالى – أو كمن يفعل الخير، ويُريد به وجه الله؛ فهل يعقل أن يكون المراد هنا هو: وجه لله له عينين؟!

إنما وجه الله؛ هو من الوجهة والتوجه؛ ولا وجود للوجه إلَّا بعد وجود مُتوجه؛ فكيف يتوقف وجود وجه الله (لو كان يُراد به وجه له عينين!) على وجود توجه المخلوق ليكون؟!

ذُكر في القرءان: وجه النهار؛ فهل للنهار وجه له عينان؟!

أم أنه من التوجه، والوجهة؟

قال الله – تعالى – : ﴿ وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ (٧٢) ﴾ آل عمران؛ إنَّها تقدم الدليل القاطع على أنَّ لفظ: (وجه) في القرءان حين يُنسب لله – تعالى – لا يُراد به وجهًا له عينين.

وفي موضوع سابق بينت أنَّ الصورة لا تُطلق إلَّا على ما هو مخلوق (ومنهم الملائكة) كل من له مظهر خارجي يُدركه البصر.

من نزهوا الله عن التشبيه بخلقه؛ ورؤيته بالبصر؛ هم من استيقنوا الحق؛ لأنَّ الله – سبحان وتعالى – لا يمكن أن يكون له صورة يُدركها البصر.

وذلك ليس من أنفسنا، ولكن هو كما قال الله – عز وجل – عن نفسه في كتابه: ﴿ لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ (١٠٣) ﴾ الأنعام.

تلك الآية الكريمة نتبين منها بلاغة البيان في القرءان الكريم وأنه لا اختلاف أبدًا بين الآيات أو في الآية الواحدة..

لقد جمعت بدقة بالغة بين قول الحق: ﴿ لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ ﴾ و وقوله: ﴿ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ﴾ .

كيف ذلك؟

ما المراد بقول الله: ﴿ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ﴾؟ من دقة الوصف البالغة التي يتبين منها الناس الحق دون اختلاف إذا تدبروا القرءان، وأدركوا دلالة كل لفظ فيه..

قول الله – تعالى – : ﴿ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ﴾ يعني الذي ليس له صورة أبدًا، وبالتالي لا يمكن أن يُدركه البصر، أو الحواس..

لفظ: ﴿ اللطيف ﴾ من صفات الله – تعالى – وصفات الله لا تتغير، أو تتبدل؛ لا في الدنيا، ولا في الآخرة؛ فكيف وهو اللطيف يمكن أن يُدركه البصر؟! وويخالفون قول الحق: ﴿ لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ ﴾!

بل الله لا يُدركه البصر كما قال في كتابه، وليس له صوت ليسمعه الناس؛ وليس لنفسه – سبحانه وتعالى – أي تأثير على الحس أبدًا؛ ذلك ما نتبينه من صفة: (اللطيف) التي وصف الله بها نفسه أي بعد كل وهم ظن صاحبه أنَّ المؤمنين سيرون الله بالعين كمن يرى القمر.

فجعلوا له حدود وصورة يحيط بها البصر (ـ تعالى ـ الله عما يصفون) .

لا يمكن أن نُدرك نفس الله – عز وجل – وهو خالق كل شئ.

كذلك لفظ: (اللطيف) يرد قول من جعلوا لله – تعالى – ثقلًا تحس به الملائكة التي تحمل العرش!

قال الله – تعالى – : ﴿ قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِۦٓ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ فَلۡيَنظُرۡ أَيُّهَآ أَزۡكَىٰ طَعَامٗا فَلۡيَأۡتِكُم بِرِزۡقٖ مِّنۡهُ وَلۡيَتَلَطَّفۡ وَلَا يُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا ﴾ من الآية (١٩) الكهف؛ فليتلطف معناها: ليكن حريصًا على ألَّا يراه أحد (وهي نفي: للبصر، والسمع، وكذلك الحس بالجلود) أي لا يُحدث شيئًا قد ينتج عنه توالد مشاعر في نفس إنسان؛ فيرتاب في أمره، وحينها قد ينكشف أمرهم.

إنها نفت كل وسائل الإدراك الحسي التي قد تُؤدي إلى شعور أحد من الناس بهم.

قال الله – تعالى – : ﴿ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ (١١) ﴾ الشورى.

الآية الكريمة تُبين الخطأ الذي يقع فيه من يقولون: إنَّ لله وجه له عينان، ولكن ليس كوجه المخلوق!

ذلك الخطأ هو: أنهم أحدثوا مقارنة بين الخالق، والمخلوق دون أن يدروا..

لأنَّ قول الله – تعالى – : ﴿ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ ﴾ يُبين المعنى التالي: أنَّه لا يمكن إحداث مقارنة بين الخالق، والمخلوق من الأصل (هذا هو معناها) .

فلو كان له وجهًا له عينين؛ فإنَّهم أحدثوا بذلك الوصف التشبيه الذي نفاه الله – تعالى – في الآية؟!

ولو قالوا: ليس كوجه البشر، أو قالوا: وجه يليق بجلاله!

وكيف استنبطنا ذلك؟

من وجود حرف: (الكاف) في لفظ: ﴿ كَمِثۡلِهِ ﴾ فهو ليس زائدًا يمكن حذفه (ليس في القرءان حرف زائد) إنَّما حرف: (الكاف) في لفظ: ﴿ كَمِثۡلِهِ ﴾ جاء ليُبين لنا المعنى التالي: أنه لا يمكن المقارنة بين الخالق – عز وجل – وبين المخلوق أبدًا، لا تنبغي من الأصل..

لأنَّها (أي المقارنة ذاتها) غير موجودة من الأصل؛ فكيف يقولون: وجه له عينان، ولكن ليس كوجه البشر؟!

و الله – تعالى – يقول: ﴿ لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ (١٠٣) ﴾ وهم يقولون: ستدركه الأبصار؟!

إنَّهم إذًا أحدثوا مقارنة؛ فخالفوا المراد من قول الله – تعالى – : ﴿ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ﴾ .

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart