الفرق بين: (الفواحش، الفحشاء، فاحشة، الفاحشة) وبلاغة كلام الله التي تعلو على كلام البشر..

لماذا جاءت: الفواحش في صيغة الجمع، وجاءت: الفحشاء بحرف: (التاء) وجاءت: فاحشة نكرة، وجاءت: الفاحشة مفردة، ومُعرفة بالألف واللام؟!

إنَّ التفريق بين تلك الألفاظ يُساعدنا في تبين الحدود التي جاءت في كتاب الله التي تختص بالفواحش فلا يقربها الإنسان.

وقد بينا في موضوعات أخرى المراد بلفظي: (فاحشة، الفاحشة).

وهنا سنركز القول إن شاءالله على لفظي: (الفواحش، الفحشاء).

ماذا عن الفواحش؟

إنَّها اللفظ الذي يخرج منه باقي الألفاظ: (الفحشاء، فاحشة، الفاحشة).

وهي كل ما يتعلق بالغريزة الجسمية (الجنسية) حين تخرج عن حدودها التي وضعها الله تعالى بين زوج، وزوجه.

هل الفواحش تشمل: أكل المال بالباطل، وشهادة الزور، والزنى، وكل المحرمات الأخرى؟

الفواحش ليست لها صلة بأكل المال بالباطل، أو بشهادة الزور، أو بقتل النفس بغير حق..فلتلك المحرمات مُسميات أخرى، مثل: الإثم، البغي..

قال الله تعالى: ﴿ قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ ﴾ من الآية (١٥١) الأنعام.

﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ ﴾ لو كان الشرك بالله، أو قتل الأولاد من إملاق هما من الفواحش؛ لما جاء ذِكر لفظ الفواحش منفصلًا عنهما في ذات الآية.

﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ ﴾ تمثل نهي عن مجرد الاقتراب من مقدمات من شأنها أن تُوقع الإنسان في الفواحش؛ سواء يعلم بوجودها، مثل: فاحشة الزنى، أو باطنة لم تظهر بعد.

وسواء كان الفعل في العلن: كنشر، أو مشاهدة صور خادشة للحياء مثل التي يتم عرضها عبر بعض وسائل الإعلام (وهو ما ظهر منها)، أو ما يتم فعله في الخفاء (ما بطن).

قال الله تعالى: ﴿ قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ من الآية (٣٣) الأعراف.

هنا يظهر لنا التحريم، وليس مجرد النهي؛ لأنَّ الآية تُحدثنا عن الفعل ذاته، مثل: وقوع الزنى بالفعل، وليس مجرد التفكير فيه، والأفعال في الفواحش كلها مُحرمة ما ظهر منها وما بطن.

أما النهي: فهو نهي الإنسان عن مجرد التفكير في فعل الزنى؛ لئلا يقع في الفعل ذاته، أو التفكير في مشاهدة صور خادشة للحياء..ذلك هو المراد بقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ ﴾ وبالتالي يكون الاقتراب؛ أي التفكير في فعل الفواحش درجة أقل من التحريم.

لماذا درجة أقل؟

لأنَّ التفكير في فعل شئ من الفواحش لا شك أنَّه درجة أقل من الفعل ذاته؛ أي أقل مثلًا من مشاهدة صور خادشة للحياء بالفعل.

فمن تجاوز التفكير، وفعل الفواحش يكون خرج من دائرة النهي عن الاقتراب من الفواحش، ودخل في دائرة الفعل ذاته أي دخل في دائرة فعل المحرمات.

لأنَّ فعل الزنى أكبر من مجرد التفكير فيه؛ لذلك فالزنى (كفعل) يخرج من دائرة المنهي عنه (التفكير فيه) إلى الفعل ذاته الذي حرمه الله؛ لأن الزنى فعل محرم بين رجل، وامرأة.

ويعتبر التفكير أو التخيل في فعل شئ من الفواحش للحظة ويعقبه استغفار الإنسان لربه هو من اللمم الذي يغفره الله تعالى لأن الإنسان قاوم لحظة الضعف، ورجع إلى الله، ولم يفعل الفواحش، ونهي نفسه عن التفكير فيها.

قال الله تعالى: ﴿ ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ ﴾ من الآية (٣٢) النجم.

أولًا: نجد أنَّ الله فرق بين الإثم، والفواحش، ولم يجعلهما شيئًا واحدًا.

وهذا من الأدلة على أنَّ الفواحش هي ما يتعلق بالشهوات الجنسية غير المشروعة، و كل ما يخدش الحياء.

ثانيًا: من فكر في أن يزني ولم يفعل إتقاءً لله تعالى؛ ذلك يُعتبر من تَجنب كبائر الفواحش؛ فلا شك أنَّه أقل سوء ممن وقع (بالفعل) في الزنى.

لفظ: (يجتنبون) معناه أنَّ الفواحش موجودة حول الإنسان، يُمكن أن تظهر أمامه دون أن يذهب هو إليها؛ لذلك عليه أن يتجنبها لئلا يضعف فيقع فيها.

ومن أمثلة ذلك: من يرى تبرج في الطريق، أو في سائل إعلامية تعرض صورًا خادشة للحياء..فعليه أن يتجنبه لئلا يضعف.

ما هو اللمم؟

اللمم هو: المُنهي عنه، وهو من الفحشاء (التي سيأتي ذكرها فيما بعد) لا يصل إلى درجة الكبائر المُحرمة التي تكون بتلامس المحرم للجسم سواء عن طريق فاحشة بين رجل، وامرأة، مثل فاحشة الزنى، أو الفاحشة (المثلية).

اللمم: أقصاه نظرة بالعين يرجع صاحبها سريعًا (لا تلامس بالجسم)، يعقبها مباشرة (دون تمادي النظر) توبة صادقة من الإنسان.

ويعتبر اللمم من صغائر الذنوب؛ لأنَّه لا يصل إلى حد الفعل ذاته، فهو ليس من الكبائر (المحرمة)؛ لكن الله نهى عنه، والتمادي فيه مُحرم.

إذًا الله تعالى ينهى الناس عن التفكير في فعل الزنى؛ حتى لا يقع أحدهم في فعل الزنى الذي حرمه الله تعالى، وينهاهم عن النظر إلى ما حرمه اللهُ تعالى.

ما هي الفاحشة؟

كما بيناها من قبل: هي علاقة محرمة بالجسم بين امرأتين، أو بين رجلين، وليست مجرد تفكير مما نهى الله تعالى عنه.

الفاحشة لا تكون بالنظر فقط، أو بالقول فقط، أو بالتخيل، والتفكير

إنما الفاحشة تكون بتلامس محرم بالجسم.

أما النظر، والقول، وكذلك التفكير فهم من الفحشاء، وليسوا من الفاحشة. ولكن الفحشاء هي كذلك من الفواحش التي حرمها الله.

كيف نتبين أنَّ الفاحشة بالتعبير الدارج هي: المثلية؟

قال الله تعالى: ﴿ وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ (٢٨) ﴾ العنكبوت.

الفاحشة هنا كانت بين رجال من قوم لوط (وكانوا هم الأكثرية)، ولم يُراد بها العلاقة غير الشرعية بين رجل، وامرأة أبدًا التي تُسمى: فاحشة.

وما هو المراد بلفظ: (فاحشة)؟

فاحشة تنقسم إلى: فاحشة الزنى، وهي: علاقة كاملة غير شرعية بين رجل وامرأة.

وفاحشة ما دون الزنى؛ حين تصل إلى حد التلامس فقط، ولا تصل إلى علاقة كاملة، وكلاهما يعنيان الفعل (أي التلامس).

قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا (٣٢) ﴾ الإسراء.

الزنى تم إسناده إلى لفظ فاحشة؛ وفاحشة أتت بدون (ألف، ولام التعريف) وهو ما يعني أنَّ: فاحشة تُشير إلى أكثر من فعل.

فاحشة تعني الفعل ذاته بالتلامس، وليس (مجرد) التفكير فيه، أو التزيين له (أي ليست هي الفحشاء التي لا تصل إلى حد التلامس بين جسمين).

قال الله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ (١٣٥) ﴾ آل عمران.

لاحظوا: (فعلوا فاحشة) دليل على أنَّها هي الفعل ذاته الذي يكون بالتلامس.

أما التفكير في الفعل، أو التخيل، أو النظر، أو القول، أو التزيين؛ فكل ذلك هو: الفحشاء، وليس فاحشة، وهي كذلك محرمة.

إذا التفكير في الفعل، أو التزيين للوقوع فيه سواء كان فعل فاحشة، أو فعل الفاحشة؛ يُسمى:(الفحشاء).

والفحشاء من الفواحش؛ لأنَّها تدل على الغريزة الجسمية (الجنسية) فقط.

قال الله تعالى عن الشيطان: ﴿ إِنَّمَا يَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلۡفَحۡشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (١٦٩) ﴾ البقرة، الآية تتحدث عن الشيطان الذي يأمر بالفحشاء.

نلاحظ أنَّ لفظ: (الفحشاء) سُبق بلفظ: (يأمركم)؛ لأنَّ من الفحشاء: النظر، أو القول، أو التزيين الذي هو أشد ما في الفحشاء؛ لأنَّه سعي (مادي) يهدف إلى فعل (فاحشة، الفاحشة) أو سعي يهدف إلى إشاعة الفواحش بين الناس عن طريق نشر مواد غير لائقة، وغير ذلك من الفواحش..

قال الله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ ﴾ من الآية (٢١) النور.

مثل: النظر ، والقول المحرم..

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (٢٨) ﴾ الأعراف.

فاحشة هنا خاصة بعلاقة غير شرعية بين رجل، وامرأة (تلامس محرم بين جسمين بشهوة).

قالوا وجدنا عليها ءاباءنا..مثل ما كان منتشر من سبي النساء، وملامستهن دون عقد نكاح، لكن الله لا يأمر بالفحشاء أبدًا، أي لا يأمر ولو بمجرد التفكير في فعل فاحشة، أو غيرها من الفواحش الأخرى؛ فكيف يأمركم بما هو أكبر من الفحشاء؛ أي كيف يأمركم بالفعل ذاته؟!

نلاحظ دقة القرءان في قول الله تعالى : ﴿ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ ﴾ لم يقل: لم يأمر بفاحشة، أو بالفاحشة؛ وذلك من بلاغة القرءان.

إنهم يفعلون فاحشة، وهي تلامس بين رجل، وامرأة.

فجاء القول البليغ لله تعالى الذي نستنبط منه ما يلي:

الله يُنكر أنه يأمر بالأدنى وهو: (الفحشاء) لينفي الأكبر منها وهو: (فاحشة).

وهذا من بلاغة الآية

لو نفى الأكبر وهو: (فاحشة) التي لا تكون إلَّا بتلامس محرم بين رجل وامرأة؛ لترك الأدنى وهو: (الفحشاء) التي لا تصل إلى حد التلامس أصلًا؛ لأنها قد تكون بالقول، أو بالنظر، أو بالتخيل، أو بغير ذلك مما لا يكون بتلامس جسمين بشكل محرم.

وذلك من بلاغة القرءان (كلام الله) المُعجز بالغ الدقة، والكمال.

إذا كان الله لا يأمر بالفحشاء التي لا تصل إلى التلامس المحرم بين رجل وامرأة؛ فكيف يأمرهم بفعل (فاحشة) التي تعبر عن التلامس المحرم بين رجل وامرأة؟!

ذلك نستنبطه من القول البليغ: ﴿ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ ﴾ الذي يدل على أنَّ القرءان هو كلام الله.

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ (٩٠) ﴾ النحل.

بل الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء (أي ينهى عن أن يفكر إنسان في الفواحش، أو يأمر غيره من الناس بفعل الفواحش، أو أن يُزين لهم فعلها)..

قال الله تعالى: ﴿ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ (٢٦٨) ﴾ البقرة.

فعل التزيين الذي يلي (التفكير في فعل فاحشة مثلًا) هو من الفحشاء؛ لكنه خرج من اللمم، لأنَّ صاحبه سعى (بالفعل) ودخل في مرحلة التهيؤ (الفعلية) أي مرحلة التنفيذ المراد به إقناع الطرف الآخر لفعل فاحشة الزنى مثلًا.

قال الله تعالى: ﴿ وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ (٢٣) وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ (٢٤) ﴾ يوسف.

أولًا: هذه الآية قاطعة في إظهار أنَّ الفحشاء هي التي تسبق الفعل ذاته (ولا تعني الوقوع فيه) لأنَّ يوسف (عليه السلام) لم يستجب لامرأة العزيز.

ثانيًا: بينت معنى التزيين (وليس مجرد التفكير فقط) لأنَّ امرأة العزيز تهيئت بالفعل، وراودت يوسف عن نفسه.

أي أنَّ التزيين (الذي يكون من الفحشاء) هو شئ مادي (أي خطوات فعلية حتى لو كان بالقول) وليس مجرد تفكير يسبق فعل فاحشة الزنى، ولم يصاحبه السعى.

لذلك فإن التزيين لفعل الفواحش هو أشد من التفكير فيها؛ مما يخرجه من دائرة: اللمم إلى كونه ذنب يحتاج صاحبه إلى أن يتوب إلى الله ويستغفره.

وما الدليل على أنَّ تزيين امرأة العزيز لفعل فاحشة الزنى كان ذنبًا، ولم يكن من اللمم؟

الدليل قول الله تعالى: ﴿ يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ وَٱسۡتَغۡفِرِي لِذَنۢبِكِۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلۡخَاطِـِٔينَ (٢٩) ﴾ يوسف؛ لأنَّها زينت (ماديًا) لفعل فاحشة الزنى، وسعت إلى ذلك فأصبح ذلك ذنبًا، وليس من اللمم.

لنصرف عنه السوء والفحشاء : لنصرف عنه ما نشأ في نفسه من مشاعر سيئة مما شاهده (أي جعلته يشعر بسوء مما حدث).

والفحشاء (أي ما كانت تقوم به امرأة العزيز من محاولات تزيين فعل فاحشة الزنى ليوسف).

وفي النهاية

الفواحش هي وصف لما هو محرم من أمور تتعلق بغريزة الجسم الجنسية فقط.

والفواحش يخرج منها كل ما يتعلق بغريزة الجسم بين طرفين بطريقة غير شرعية، مثل: الفحشاء: (أمر، تفكير، تخيل، تزيين..)، أو الوقوع (بالفعل) في فاحشة، أو في الفاحشة (تلامس غير شرعي بين جسمين).

قال الله تعالى: ﴿ ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ (٤٥) ﴾ العنكبوت.

تنهى: أي لا تجعله يُفكر فيها، أو يتخيل ما هو محرم، أو يُزينها للآخرين، أو يفعل ما يُسئ إليهم من قول، أو فعل؛ يكون من الفواحش..

الفحشاء إذا خرجت من دائرة اللمم (التفكير، التخيل، أو النظر) الذي لا يتمادى فيه صاحبه إلى النظر، أو القول، والتمادي في ذلك؛ أصبح الفعل ذنبًا من المحرمات، لكن أقل من فعل الكبائر (فاحشة، الفاحشة).

التفكير في الفواحش هو فحشاء، وهو ما قبل التهيؤ لفعل فاحشة الزنى مثلًا.

أمَّا التزيين لفعل فاحشة الزنى: فهو التهيؤ لها (بخطوات فعلية) وهو من أشد ما في الفحشاء.

بينما الأمر يأتي دون تزيين عن طريق ما يوسوس به الشيطان إلى النفس؛ لأنَّ الأمر (ذاته): مجرد تخيل، وتفكير لم يصل إلى مرحلة التنفيذ، أو التزيين، والسعي للفعل ذاته.

الجانب المعنوي من الفحشاء هو التفكير، التخيل، أما الجانب المادي من الفحشاء فهو النظر، القول، التبرج، التزيين..

أي أن الفحشاء هي كل شئ يتجاوز الحد الطبيعي فيما يخص غريزة الجسم (الجنسية)، ولكن دون (تلامس محرم بين اثنين) سواء كان بالتفكير، التخيل، أو ما هو أشد من ذلك: النظر، القول، الأمر، التزيين، السعى لفعل فاحشة الزنى، أو ما دون الزنى بالتلامس، الفاحشة..

فالفحشاء قد تكون: تفكير في الفواحش: نظرة محرمة، قول محرم، تبرج، خضوع بالقول، خضوع بالمشي، فعل فحشاء في الشارع، أو تزيين لفعل (فاحشة، الفاحشة)، وغير ذلك..

وإذا تجاوزت الفحشاء الدرجة الضيقة للفرد (اللمم) إلى حد الأمر بها مثلًا؛ لتشيع الفواحش بين الناس؛ أو فعل شئ من الفواحش أمام الناس؛ فإنَّ ذلك هو الفساد في الأرض، وهو من البغي بغير الحق الذي حرمه الله تعالى؛ لأنَّه من (الكبائر).

لماذا تم تسميتها بالفحشاء؟

تم تسميتها بالفحشاء من كثرة حدوثها في الحياة، وتعرض الإنسان لها (ولو دون إرادته).

وأبسط مثال على ذلك: الصور غير اللائقة (الخادشة للحياء) التي يتم عرضها على بعض وسائل الإعلام لنساء متبرجات، ورجال.

هذا الشئ قد يتعرض له الإنسان دون إرادته؛ الأمر الذي قد يُثير الغرائز لدى البعض منهم، لكنه لا يتمادى، ويستغفر الله، ويتوب إليه.

إذًا الفرق بين: (الفواحش، الفحشاء، فاحشة، الفاحشة) قد دلَّ على دقة الألفاظ في القرءان الكريم كما تبيَّن لنا، و يُمكن إيجاز ذلك فيما يلي:

الفواحش جاءت جمعًا؛ لأنها تشمل كل ما له علاقة بالغريزة الجنسية حين تكون غير مشروعة.

والفحشاء جاءت بحرف (التاء): ليدل ذلك على أنَّها تُحيط بالإنسان، حيث يتعرض لها بشكل شبه مُستمر، ولو دون إرادته؛ كمن يرى شيئًا خادشًا للحياء دون أن يتعمد ذلك.

وفاحشة جاءت نكرة: لأنها تُعبر عن شيئين، وليس شيئًا واحدًا.. فهي تُعبر عن الزنى الذي يعني: علاقة كاملة غير مشروعة بين رجل، وامرأة، وكذلك تُعبر عن علاقة غير مشروعة بالجسم (فقط) لم تصل إلى حد العلاقة الكاملة بين رجل، وامرأة.

أما لو كان بالقول الخادش للحياء، أو بالبصر المحرم؛ بين رجل، وامرأة، وليس تلامس بالجسم غير مشروع؛ فذلك هو: (الفحشاء) وليس: (فاحشة).

وماذا عن الفاحشة؛ لماذا جاءت معرفة بالألف واللام، وكذلك جاءت مُفرده؟

ذلك من بلاغة البيان في القرءان، والتعبير باللفظ المناسب الذي يأتي في موضعه بدقة بالغة.

الفاحشة تعني شيئًا واحدًا وهو: تلامس غير مشروع بالجسم بين رجل، وءاخر، أو بين امرأة، وأخرى، وهو في التعبير الدارج: (المثلية).

الفاحشة لا تكون إلَّا بتلامس محرم بين رجلين، أو بين امرأتين.

ولو كانت بالقول الخادش للحياء، أو بالبصر المحرم دون تلامس بالجسم؛ فذلك هو: الفحشاء، وليس الفاحشة.

إنه تفريق مُحكم من الله ـ تعالى ـ نتبينه بتدبر القرءان الكريم.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart