المراد بلفظ: (القرءان).
القرءان من فعل القراءة، والفعل هو قرأ؛ لذلك فإن القرءان هو وصف لآيات الكتاب في وقت قراءتها.
لكن من الناس من يقول: إنَّ القرءان من فعل: (قرن) حيث يرى أنَّ القرءان يتكون من جزئين هما: (الَّوح المحفوظ، والإمام المبين)
واستدل على ذلك بقول الله ـ تعالى ـ : ﴿ إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ (١٢) ﴾ يس.
وهل القرءان يحوي أعمال الناس إلى أن تأتي الساعة؟!
بالتأكيد لا.
ما هو الإمام المبين؟
الإمام المبين حسب الآية الكريمة ﴿ إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ (١٢) ﴾.
هو كتاب يسجل كل أحداث البشر، مثل: حياتهم بكل ما فيها من أحداث، وما قدموه، و ءاثارهم قال الله: ﴿ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ ﴾.
الإمام المبين كتاب عن أعمال البشر.
أمَّا القرءان (كما نعلم) هو كلام الله الذي احتوى أحكامه، ووصفه لبعض الأحداث الماضية، والقادمة..
القرءان الكريم احتوي على بعض تلك الأحداث، وليس الأحداث كلها؛ ليأخذ الناس منها العبرة، والموعظة.
وما يُؤكد خطأ قولهم: إنَّ القرءان من فعل: (قرن) لأنه قرن بين جزئين هما: (الَّوح المحفوظ، والإمام المبين).
قولهم هذا يُخالف قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ بَلۡ هُوَ قُرۡءَانٞ مَّجِيدٞ (٢١) فِي لَوۡحٖ مَّحۡفُوظِۭ (٢٢) ﴾ البروج؛ فالقرءان كله في الَّوح المحفوظ، ولم يذكر الله ـ تعالى ـ بأنه: (في لوح محفوظ وإمام مبين).
بل القرءان من قرأ وليس قرن؛ فنحن لا نستطيع أن نتدبر الكتاب إلَّا بعد أن نقرأه ليتحول لقول يمكن تدبره (أي يتحول لقرءان).
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا (٨٢) ﴾ النساء.
قالوا: إنَّ القرءان لا يحوي الأحكام، والشرائع (أفعل ولا تفعل) ولكن يحويها الكتاب فقط!
ولقد رددنا على ذلك القول في موضوع ءاخر..
وبشكل عام قولهم لا يتوافق مع قول الحق: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ
ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ (١٠١) ﴾ المائدة؛ لأنَّ الإنسان لن يعلم ما أُنزل من ءايات مكتوبة؛ إلَّا بعد أن يقرأها. ومن ضمن ما كانو يسألوا عنه: الأحكام، والشرائع التي عفا الله ـ تعالى ـ عنها أي لن يلزمهم بها لذلك لم ينزلها.
ما الذي أريده من ذلك؟
ألا تلاحظون أنَّ الآية تُبين أنَّ الشرائع نزلت في القرءان؟
ألا يُخالف قولهم: القرءان لا يحوى الآيات الخاصة بالأحكام، والشرائع، بل هي من ءايات الكتاب، وليست من ءايات القرءان!
بلى، إذًا لافرق بين ءايات الكتاب، وءايات القرءان كما يظنون.
لأن الفرق فقط بين أنَّ الآيات مكتوبة، أو مقروءة.
قال الله – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ (٢٠٤) ﴾ الأعراف؛ لأنَّ القرءان هو قراءة ءايات الكتاب، تقرأ الآيات المكتوبة (ءايات الكتاب) فصارت ءايات مقروءة (ءايات القرءان) أي يتم وصفها حين يتم قراءتها بالقرءان.
قال الله ـ عز وجل ـ : ﴿ قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا (٨٨) ﴾ الإسراء.
تلك الآية الكريمة واحدة من الآيات التي تثبت أن ءايات الكتاب هي ءايات القرءان.
فلو كان (حسب ظنهم) الكتاب ليس هو القرءان؛ فإن الله قال: ﴿ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ﴾
فهل ذلك يعني أنهم يمكنهم أن يأتوا بمثل الكتاب؟!
أو أنَّ الله تحداهم في أن يأتوا بمثل القرءان، ولم يتحداهم في أنَّ يأتوا بمثل الكتاب؟!
بالتأكيد لا.
فالله يتحداهم حين يقرأون الكتاب؛ أي حين تصير الآيات المكتوبة إلى ءايات مقروءة يمكنهم أن يفقهوا منها القول.
ولكن لماذا يتحداهم الخالق ـ عز وجل ـ بأن يأتوا بمثل القرءان، ولم يتحداهم بأن يأتوا بمثل الكتاب؟
ذلك من بلاغة البيان، وكمال القول، ودقة ألفاظه.. الذي يبين لمن يتدبرون القرءان أنه كلام الله وليس كلام بشر.
لأنه لا يُمكنهم فقه الآيات المكتوبة إلَّا بقراءتها؛ لذلك جاء: ﴿ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ ﴾ حيث دلَّ لفظ: (هذا) على الآيات التي يدركوها الآن بالقراءة؛ فيمكنهم أن يفقهوا القول، ويستنبطوا ما فيه من معجزات علمية، وبيانية.
لا يمكن أن يأتي: (بمثل هذا الكتاب) لأنهم لن يعلموا شيئًا عما في الكتاب إلَّا بقراءة ءاياته فيكون الوصف الحق: ﴿ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ ﴾ ذلك من بلاغة البيان في القرءان الكريم.
مما سبق ءايات الكتاب هي ءايات القرءان.
﴿ وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيّٗا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥٓۖ ءَا۬عۡجَمِيّٞ وَعَرَبِيّٞۗ قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٞ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًىۚ أُوْلَٰٓئِكَ يُنَادَوۡنَ مِن مَّكَانِۢ بَعِيدٖ (٤٤) ﴾ فصلت؛ القول هنا لا شك عائد على الكتاب؛ فهو الذي جعله الله ـ تعالى ـ قرءانًا عربيًا.
وليس مثل ما ظن البعض: أنَّ لفظ: (جعلنا) بمعنى حولنا القرءان إلى صيغة صوتية منطوقة فقط (وصفوها بالذكر)!
فالقراءة ليست شرطًا أن تكون بقول منطوق فقط؛ ولكن يمكن أن تكون (دون صوت) وذلك يحدث كثيرًا.
كذلك القراءة لا تعني قراءة ما على الورق فقط؛ بل من يقرأ ءايات الله التي حفظها؛ يوصف فعله بلفظ: يقرأ (وليس يسمع).
قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ (١) إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (٢) ﴾ يوسف؛ أي أنزلنا الكتاب؛ أنزلناه قرءانًا عربيا؛ أي يُقرأ عربيًا.
وذلك يُؤكد أنَّ الكتاب هو ءايات الله المكتوبة، والقرءان هو ذات الآيات ولكن حين يتم قراءتها.
ولأنه القراءة تتكرر (تقرأ كثيرًا، وتعاد قراءتها دائمًا) وصفه الله ـ تعالى ـ بلفظ: (القرءان) أنزله اللهُ – سبحانه وتعالى – لنقرأه دائمًا؛ فهو قرءان.
والله أعلم.