قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال:
((احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، أغويت الناس، وأخرجتهم من الجنة)).
قال: فقال آدم: وأنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، تلومني على عمل أعمله كتبه الله علي، قبل أن يخلق السموات والأرض)).
ثم تأتي الرواية بصيفة أخرى:
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال حفظناه من عمرو عن طاوس سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((احتج آدم وموسى فقال له موسى يا آدم
أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة قال له آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى ثلاثا)).
اختلافات في متن الروايتين:
مرة جاء القول على لسان سيدنا ءادم: ((تلومني على عمل أعمله كتبه الله علي، قبل أن يخلق السموات والأرض)) ومرة أخرى جاء القول: ((أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة))
هل قدره الله على ءادم قبل أن يخلق السموات والأرض؛ أم قبل أن يخلق ءادم بأربعين سنة؟!
وفي رواية ثالثة: ((احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى؛ فَقالَ له مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الجَنَّةِ؟! فَقالَ له آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذي اصْطَفَاكَ اللَّهُ برِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي علَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟! فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، مَرَّتَيْنِ)).
نتوقف هنا عند القول: ((فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، مَرَّتَيْنِ)) حيث جاء في رواية أخرى: ((فحج آدم موسى ثلاثا)) هل: مرتين؛ أم ثلاثًا؟!
ومن الملاحظات الأخرى أنَّ الروايات جعلت الزمن يمر على الخالق قبل أن يُقدر الشئ!
ولأننا نعلم أنَّ الله لا ينتظر مرور الزمن ليقدر الشئ فكيف جاء مرة: ((قبل أن يخلق السموات والأرض)) وأخرى: ((قبل أن يخلقني بأربعين سنة))؟!
فهل يعقل أنَّ الخالق انتظر مرور أربعون سنة دون أن يقدر خروج سيدنا ءادم من الجنة؟!
بل كل شئ قدره الله دون زمن يمر عليه فسبحانه وتعالى هو خالق الزمن، وكل شئ حدث بالنسبة لنا وسيحدث في المستقبل هو في علم الله قبل أن يكون بالنسبة لنا..
ومن الاختلافات الأخرى في الروايات:
((أتى كلٌّ منهما بحُجَّةٍ على ما يقولُ؛ وذلك عندَما الْتقَتْ أرواحُهما في السَّماءِ، فوقَعَ الحِجاجُ بيْنهما، ويَحتمِلُ أنَّ ذلك جَرى في حَياةِ مُوسى عليه السَّلامُ، حيث سَأَلَ اللهَ تعالَى أنْ يُرِيَه آدَمَ عليه السَّلامُ، والأوْلى تَفويضُ كَيفيَّةِ ذلك إلى اللهِ سُبحانَه)).
(فيما أخرجه أبو داود من حديث عمر قال ” قال موسى يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة فأراه الله آدم فقال أنت أبونا ” الحديث، قال وهذا ظاهره أنه وقع في الدنيا، انتهى وفيه نظر فليس قول البخاري ” عند الله ” صريحًا في أن ذلك يقع يوم القيامة).
كيف موسى يحاجج ءادم سواء في الدنياُ أو يوم القيامة عند ربه وهو يعلم أنَّ ما حدث قدره الله تعالى؟!
وإذا كان أهل جهنم لا يحاجون ءادم بعد أن تبين لهم الحق؛ فكيف يحاججه موسى (عليه السلام)؟!
سيدنا موسى يعلم أنَّ ءادم (عليه السلام) لو قُدر له أن يعيش في الجنة لن ينجب ذرية فيها؛ فكيف تزعم الروايات أنَّ معصية ءادم كانت السبب في خروج الناس من الجنة، والله خلق الناس ليبتليهم في الأرض؟!
ومن الأدلة على أنَّ الروايات ليست صحيحة؛ لا يوجد يوم القيامة تخاصم أو تلاوم بين المتقين؛ فكيف تنسب الروايات حدوث تخاصم بين موسى وءادم (عليهما السلام)؟!
﴿ يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ
جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (12) ﴾ سورة الحديد؛ الملائكة تبشرهم بالجنة فكيف موسى يحاجج ءادم وهو في رضوان الله، ويرى جلال ربه وعظمته (التي لا يضاهيها أي شئ)؟!