ثراء اللسان العربي المُبين، وعدم وجود ترادف بين الألفاظ المختلفة التي تبدو متشابهة في القرآن.

إنَّ ثراء اللسان العربي المبين (الذي نزل به القرآن)، ليس في كثرة ألفاظه المختلفة التي تشترك مع بعضها في معنى واحد؛ كقول: أرسل هي ابعث لا فرق بينهما.

فالقول باشتراك أكثر من لفظ في معنى واحد؛ مثل: أنَّ (كما)، هي ذاتها (مثل ما)، وأنَّ الطود معناه الجبل العظيم؛ ولا فرق بين ألفاظ: الجسد، الجسم، البدن؛ سنجده يَحول بيننا وبين اكتشاف دقة ألفاظ القرآن، والمراد من آياته الكريمة، وتبين مُعجزاته.

في القرآن؛ كل لفظ له معنى خاص به؛ لا ينبغي لباقي الألفاظ الأخرى.

سأورد بإذن الله من موضوعات سابقة بعض الأمثلة من آيات الله تعالى التي احتوت على ألفاظ تبدو مُتشابهة؛ حتى يمكن الرجوع إليها، ومعرفة ما أحدثه القول بترادف تلك الألفاظ من اختلاف في تفسيرها.

من أمثلة عدم وجود ترادف بين الألفاظ المختلفة التي تبدو متشابهة في القرآن؛ قول الله تعالى: ﴿ وَأَرۡسِلۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ ﴾ سورة الأعراف من الآية (111) ﴿ قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَٱبۡعَثۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ (٣٦) ﴾ سورة الشعراء.

والتي تم ذكرها في أحداث جمع سحرة فرعون.

لقد أحدث الظن بوجود ترادف بين لفظي (ابعث، أرسل) إشكاليات لدى البعض ممن يظنون بترادف الألفاظ وتوحد معانيها في القرآن.

ومن بعض ما قيل: أنَّ ابعث هي أرسل؛ مُعتبرين أنَّ هذا دليلًا على ثراء اللسان العربي؛ لأنَّه يحوي ألفاظ كثيرة لها معنى واحد (تنوع لفظي في الآيات لوصف حدث واحد) عكس باقي الألسنة الأخرى.

بينما أنتقض أعداء الإسلام اختلاف اللفظين، وقالوا: أنَّ الكاتب أخطأ فمرة كتب ابعث ومرة أُخرى كتب أرسل!

ولكن من خلال تدبر القرآن؛ نتبين أن من أسباب ثراء اللسان العربي المبين؛ أنَّه يحتوي على معاني كثيرة لها دقة على وصف الأحداث لا تتوافر لباقي الألسنة الأُخرى.

لقد تبيَّن لنا من قبل أنَّ (أرسل) تعني رسول يحمل رسالة يبلغها لمن أرسل إليهم دون أن يجبرهم على تنفيذها (فالرسول لا يزيد ولا ينتقص من الرسالة شئيا)؛ بينما (ابعث) دلت على أنَّ من يتم بعثه؛ معه صلاحيات وحرية (ربما في أحيان تكون مشروطة) تمكنه من تحقيق الهدف الذي بُعث من أجله؛ فالمبعوث ليس رسول يتوقف دوره عند التبليغ.

ابعث كانت موجهة لجنود فرعون لجمع كل ساحر متميز (سحَّار) ممن تحت حكم فرعون وسيطرته، ولو تم جمعهم من قبل الجنود بالقوة؛ وهذا ليس من مهمة الرسول، لذلك لفظ (أرسل) قيل بهدف تبليغ رسالة فرعون لسحرة أغراب (أي من خارج البلاد التي يحكمها فرعون) عبر رسل فرعون؛ فلا يمكن للرسل أن يجمعوا السحرة الأغراب بالقوة.

من الاستشهاد السابق وكي نتبين دقة كلام الله تعالى؛ ودقة وصفة للأحداث بشكل معجز لا يقدر عليه بشر أو جن؛ أرى أنَّه لا يجوز تبديل لفظ (ابعث) بلفظ (أرسل) أو العكس؛ أو إعطاء معنى واحد للفظين تحت مسمى: الترادف في القرآن.

حين نتدبر الآيات التي تحتوي على ألفاظ (الجسم، الجسد، البدن)

وجدنا أنَّ لفظ (الجسم) في القرآن وصف المخلوق الحي الذي يأكل الطعام، مثل: قول الله تعالى في وصف طالوت: ﴿ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ ﴾ من الآية (247) سورة البقرة. لم يصفه بالجسد لأنَّ الجسد لا يأكل الطعام، قال الله تعالى ﴿ وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ (٨) ﴾ سورة الأنبياء.

فالجسد يأتي ليصف الشئ الذي لا حياة به مطلقًا، لذلك تم وصف عجل السامري الذي صنعه من حلي القوم.بأنه : ﴿ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ ﴾ سورة طه من الآية (88).

وماذا عن البدن؟

البدن لم يصف طالوت ولم يصف عجل السامري، لكنه وصف فرعون بعد الموت قال الله تعالى: ﴿ فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ )سورة يونس من الآية 92.

أي أنَّ البدن هو الجسم بعد أن غادرته النفس بالموت.

ومن خلال هذه الدقة اللفظية في القرآن وتفرد كل لفظ بمعناه الذي لا يختلط مع معنى اللفظ الآخر؛ يستيقن الناس أنَّ نجاة بدن فرعون لم تعنِ نجاة فرعون من الغرق (عكس ما ادعى البعض)؛ فلفظ بدن في الآية ومن خلال معناه الذي يميزه عن معنى الجسم والجسد؛ بيَّن أنَّ فرعون مات بالفعل؛ أما نجاة البدن؛ فمعناه أنَّ بدن فرعون لم يهلك في ماء البحر؛ حيث ألقي به على الشاطئ ليكون آية لمن كانوا خلفه فيستيقنوا أن فرعون لم يكن إله كما كان يزعم، ولم يكن له الخلد.

وبذلك تُنهي دقة معنى كل لفظ من الألفاظ الثلاثة وتفرده عن اللفظ الآخر في القرآن ما ظهر من لغو حول موت فرعون.

هل جال في خاطرنا أن نفرق بين جسد يرتفع فوق سطح الأرض وله امتداد تحت سطحها، وبين جسد يرتفع فوق سطح الأرض دون ان يكون له امتداد تحت سطحها؟!

تلك من الإشارات التي لم نلتفت إليها تحت شعار ترادف الألفاظ في القرآن.

لكن دقة الوصف القائمة على تفرد المعنى في القرآن، وعدم تشابه الألفاظ فيما بينها، فرقت بينهما بدقة؛ وذلك حين وصف الله تعالى الجسد الذي له امتداد تحت سطح الأرض بالجبال قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا (٧) ﴾ سورة النبأ.

بينما وصف سبحانه وتعالى الجسد الذي يرتفع فوق سطح الأرض دون أن يكون له امتداد تحت سطحها بالطود.

إنَّها دقة في التفريق بين الألفاظ ومعانيها لا يقدر عليها إلَّا اللهُ تعالى الذي أحكم آياته.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart