عدد أيام خلق السموات والأرض، من الأمور التي توجهت إليها حملات المُشككين في مختلف الأزمنة، وزعموا أنها معضلة لا يمكن حلها!

ذلك ليضلوا الناس عن سبيل الحق؛ ذلك حين قالوا: إنها كلام بشر؟!

في القرءان الكريم كل الآيات ذكرت أنَّ الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام.

ومنها قول الله – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ (٣٨) ﴾ ق.

يزعم المبطلون أنَّ مجموع عدد أيام خلق السموات والأرض في القرءان ثمانية أيام!

كيف حسبوا أنَّها ثمانية أيام؟!

نذكر أولًا قول الله – عز وجل – : ﴿ قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ (١٠) ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ (١١) فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ (١٢) ﴾ فصلت.

قالوا: تم خلق الأرض في يومين؛ ثم جعل فيها رواسي، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام؛ ثم خلق السماء في يومين؛ فقالوا: المجموع ثمانية أيام، وليس ستة أيام!

وقالوا: هذا دليل على وجود اختلاف بين الآيات!

إنَّ تدبر القرءان، ومعرفة تفصيل الآيات؛ لهو السبيل الحق الذي نستنبط منه بلاغة البيان في القرءان، ونرد به على المبطلون الذين يزعمون أنَّ القرءان كلام بشر.

من زعموا وجود اختلاف في القرءان أقحموا في الآيات الكريمة ما ليس فيها!

كيف ذلك؟

أولًا لم يذكر القرءان أنَّ الله خلق السموات والأرض في ثمانية أيام، هذا لم يرد إطلاقًا؛ بل دائمًا يذكر سبحانه وتعالى أنَّه خلق السموات والأرض في ستة أيام كما ذكرنا.

الأمر الآخر هو ما يتعلق بالأربعة أيام التي حدث فيها ما يخص الرواسي، وتقدير الأقوات؛ حيث جاءت مصحوبة بلفظ (وجعل).

إنَّ بلاغة البيان في القرءان تدل على أنه ليس كلام بشر.

كيف نتدبر القرءان، ونتبين بلاغة ءاياته؟

علينا أن ننظر إلى كل لفظ على أنه ذو دلالة خاصة به لا تكون لغيره.

و أن نتبين دقة موضعه في الآية.

إنَّ الآية التي ذَكرت عدد أيام خلق السموات والأرض، احتوت على دقة بالغة؛ لكي نتبينها يجب أن نفعل ما يأتي:

أولًا أن نركز في حرف (الواو)، فكما نُلاحظ لفظ (جعل) لم يسبقه (الفاء) أو (ثم) وهما من أدلة الترتيب الزمني؛ بل سبقه كما رأينا حرف (الواو) الذي يدل على السرد، والتعدد فقط، ولا يدل على الترتيب الزمني؛ وهذا من بلاغة البيان في الآية الكريمة.

(الواو) ليست للترتيب الزمني في الآية؛ بل جاءت للسرد والتعدد؛ فلا يُشترط مع ذكر حرف (الواو) ترتيب زمني للأحداث كما ذكرنا.

لهذا قيامهم بفصل أول يومين الخاصة بخلق الأرض، عن الأربعة أيام (كلها) أحدث خللًا في فقه الآيات.

اللهُ – سبحانه وتعالى – لم يقل: (فجعل) أو (ثم جعل)؛ بل قال:

﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾ ليبين لنا أنَّ الأربعة أيام بدأت مع خلق الأرض منذ اليوم الأول؛ أي أنَّ اليومين الذين تم فيهما خلق الأرضِ هما من ضمن الأربعة أيام، وليسا قبلهم.

وبقول ءاخر: الأربعة أيام بدأت منذ اليوم الأول من خلق الأرض وليست بعد أول يومين.

ولِمَا لا؟!

أليست مكونات الرواسي، والأقوات كالعناصر الغذائية هي من مادة الأرض التي خلقها الله في أول يومين؟!

ما نتبينه هو أنَّ الله خلق الأرض في يومين بما تحتاجه من مكونات شيئية (مادية) أساسية يمكن أن يتشكل منها فيما بعد باقي المخلوقات.

فلا شك أنَّ مكونات الرواسي، والأقوات هي من مادة الأرض التي تم خلقها في أول يومين، ولا عجب في هذا.

شيئًا ءاخر أود توضيحه؛ وهو الفرق بين لفظي: (خلق، وجعل):

لفظ (خلق) أي أوجد المكون المادي، سواء من عدم، أو من أشياء خلقها الله من قبل؛ فتشكلت منها أشياء أخري.

مثل: خلق الجنين؛ حيث يبدأ خلق جسمه من نطفة، وتلك النطفة تتكون من ماء وتراب؛ فهي أشياء موجودة خلقها اللهُ من قبل أن يخلق الجنين.

معنى ذلك أنَّ عملية الخلق هنا كانت تعني تكوين شئ جديد من مادة موجودة (مادة أولية كالماء، والتراب) أوجدها اللهُ – تعالى – من قبل.

(علما بأن الإطار الزمني ينطبق علينا وعلى الملائكة، وليس على الله تعالى).

ما المراد من لفظ: (جعل)؟

لفظ (جعل) معناه أعطى الشئ دوره، أو مهمته (وظيفته) وليس خلقه.

لماذا؟

لأن خلق الشئ يكون قبل إعطائه دوره، أو وظيفته.

ويمكن أن نستنبط دلالة لفظ (جعل) من قول الله – تعالى – : ﴿ قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ (٥٥) ﴾ يوسف.

يوسف خُلق بالفعل، ولفظ اجعلني هنا كان يعني الدور الذي يريد أن يقوم به يوسف – عليه السلام – وهو أن يجعله الملكُ على خزائن الأرض؛ ليقوم بتوزيع الحبوب على الناس.

لفظ جعل ليس معناه خلق، وفي هذه الحالة الجبال من ضمن أدوارها أنها رواسي حتى لا تميد الأرض بمن عليها. ومن الأدلة التي تُبين لنا دلالة لفظ (جعل) من القرءان؛ قول الله – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (١٦) ﴾ نوح.

ذلك من بلاغة القرءان ودقة ألفاظه التي تجعل كل لفظ في موضعه..

اللهُ لم يقل: وخلق القمر فيهن نورًا، ولكن من بلاغة البيان قال: ﴿ وجعل القمر فيهن نورًا ﴾ لأن الله يكلمنا عن دور القمر بعد أن خلقه اللهُ – عز وجل – ولا يكلمنا في الآية الكريمة عن عملية خلق القمر ذاتها.

كذلك الأمر مع الشمس؛ أنَّ الشمس خُلقت بالفعل؛ ثم جاء زمن إعطائها الأدوار التي خُلقت من أجلها؛ ومن بين تلك الأدوار أنَّ الله جعلها: سراجًا (شئ ينبعث منه حرارة إلى المخلوقات على الأرض).

فالجعل يكون بعد الخلق، أو نقول: خلق الشئ يكون أولًا، بعد ذلك يأتي دوره.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ (١١) ﴾ فصلت.

اللهُ – تعالى – يبين لنا أنَّ السماء (وهي دخان) كانت موجودة بالفعل مع بداية خلق الأرض؛ كانت دخان؛ أي كانت في بداية خلق الأرض فالقرءان لم يقل: إن السماء خلقت بعد الأرض عكس ما يزعم المبطلون.

وإلَّا فليأتوا ببرهانهم إن كانوا صادقين.

القرءان ببلاغة شديدة بين لنا أنَّ السماء كانت دخان حين سواها اللهُ سبع سموات؛ فهي كما يتبين لنا من بلاغة القرءان خُلقت من قبل.

فاللهُ لم يقل: ثم خلق السماء؛ بل قال: (ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ) إنه دليل على وجود السماء مع الأرض؛ أي موجودة منذ اللحظة الأولى من بداية خلق الأرض؛ حيث كانت السماء على صورة دخان؛ ولم تكن عدمًا.

والدليل من كتاب الله: ﴿ أَوَ لَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ (٣٠) ﴾ الأنبياء.

وما حدث بعد أن خلق اللهُ الأرض وجعل فيها رواسي، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام؛ هو أنَّ الله استوى إلى السماء وهي دخان فقضاهن سبع سموات.

فقول الله: ﴿ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ ﴾ إلى قوله – عز وجل- : ﴿ فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ ﴾ نتبين منه أنَّ السماء كانت موجودة بالفعل على صورة دخان قبل اليومين الخامس والسادس.

والدليل لفظ (ثم) الذي يدل على الترتيب الزمني؛ فيكون قضاء السماء وهي دخان سبع سموات هو ما حدث في اليومين الخامس والسادس وهما اليومان الذان كان فيهما تسوية السماء إلى سبع سموات.

وهذا رد على من يقولون: أيهما تم خلقه أولًا؛ هل السماء؛ أم الأرض؟!

فنقول لهم: قبل أن تطرحوا الأسئلة؛ تدبروا القرءان – بحق – ليتبين لكم أنه لا اختلاف فيه.

من بلاغة البيان في القرءان تبين لنا أنَّ الله – تعالى – لم يخلق السماء في ءاخر يومين، بل قضاهن في اليومين الخامس والسادس سبع سموات بعد أن كانت السماء دخان.

وبذلك يكون المجموع ستة أيام، وليس ثمانية أيام.

كالتالي

كانت الأرض والسموات رتقًا..

وفي أول يومين خلق الله الأرض بما فيها من مواد اولية.

وجعل في الأرض الرواسي، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام؛ ولأن مادة الرواسي هي من الأرض؛ فهذا يعني أنَّ الأربعة أيام التي جعل فيها اللهُ الرواسي، وقدر في الأرض أقواتها بدأت من اليوم الأول من خلق الأرض؛ لأن مادة الجبال والأقوات هي من الأرض فهي تُخلق مع خلق الأرض منذ اليوم الأول.

ومن دقة البيان في القرءان جاء: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا ﴾ لم يقل: وخلق فيها رواسي؛ ذلك قول بليغ؛ لأن مادة الرواسي والأقوات خُلقت في أول يومين لأنهما من ذات مكونات الأرض التي خلقها اللهُ في أول يومين.

ويكون بذلك أول يومين هما ضمن الأربعة أيام، وليسا منفصلين عنها.

بعد ذلك استوى اللهُ إلى السماء التي كانت موجودة على شكل دخان فقضاهن سبع سموات، أي جعل السماء وهي دخان سبع سموات في اليومين الخامس والسادس.

وبذلك يكون عدد أيام خلق السموات والأرض هو: ستة أيام، وليس ثمانية أيام.

ذلك من دقة البيان الذي جاء فيه: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ ﴾ وليس: (وخلق فيها رواسي) لأن الراوسي خُلقت من مكونات الأرض التي خلقها اللهُ – تعالى – في أول يومين.

واستمر تشكل الرواسي وظهور دورها، وتقدير الأقوات حتى اليوم الرابع.

وفي النهاية

حين نتدبر القرءان؛ يتبين للناس ما به من معجزات بيانية تُثبت أنَّ القرءان هو كلام الله الذي لا اختلاف فيه.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart