كيف نصحح مفهوم البعض الخاطئ لقول الله – تعالى – : ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾؟

ما الذي نستنبطه حين نتدبر الآيات: ﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩) ﴾ سورة يوسف؟

جاء الفهم الخاطئ حين ظن بعض الناس أنَّ قول: ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ هو قول الله الذي وصف به جميع النساء!

ولكن إذا تدبروا الآيات؛ سيتبين لهم بإذن الله؛ أنَّ وصف الله للنساء بأن كيدهن عظيم؛ ما هو إلَّا ظن من أنفسهم، وليس هو الحق الذي بينته الآيات.

نعلم أنَّ القرءان هو كلام الله، يحوي كلام الله، وكلامه الذي وصف به كلام البشر، وغيرهم من المخلوقات.

وبالعودة إلى الآيات الكريمة؛ ماذا نتبين منها حين نتدبرها؟

أولًا: اللهُ – سبحانه وتعالى – لا يمر عليه زمن، وهذا أول شئ ينفي أنَّ القائل هو الله.

لماذا؟

لنتبين بلاغة الآية: ﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ ﴾ نلاحظ مرور زمن مُتمثلًا في لفظ (فَلَمَّا رَأَىٰ)؛ لقد دلت (فلمَّا) على مرور الزمن الذي أعقب الرؤية.

الذي مر عليم زمن حتى تبين له أنَّ القميص قد من دبر هو الذي قال: ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ هذا ما نتبينه من الآية.

كيف يكون القائل هو اللهُ؛ وقد أتت الرؤية بعد مرور زمن تجسد في لفظ: (فَلَمَّا رَأَىٰ)؟

وإلَّا يكون فهمهم الخاطئ وكأن الآية تقول: (فلما رأى اللهُ) وهذا ليس مراد الآية، ولا ينبغي في حق الخالق؛ لأن الله – عز وجل – لا ينتظر مرور الزمن حتى يرى.

كذلك نلاحظ من سياق الآيات؛ أنَّ القائل كان يُكلم امرأت العزيز؛ أي كان يوجه كلامه إلى امرأت العزيز مباشرة، بعد أن تحققت له رؤية قميص يوسف – عليه السلام – أنَّه قُدَّ من دبر.

ثم نراه وهو يُكمل كلامه بقوله: ﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩) ﴾ أي وجه كلامه إلى يوسف – عليه السلام – بأن يعرض عما حدث (لا يذكره ابدًا).

بعد ذلك ووجه كلامه إلى امرأت العزيز ناصحًا لها بأن تستغفر لذنبها؛ لأنَّها كانت من الخاطئين.

من ذلك يتبين لنا أنَّ قول: ﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) ﴾ لم يكن قول الله – تعالى – بل كان قول عزيز مصر لزوجته بعد أن اكتشف أنَّها هي التي راودت يوسف عن نفسه؛ وأنَّ يوسف – عليه السلام – برئ من اتهامها له.

وما جاء في القرءان هو كلام الله الذي وصف كلام العزيز أثناء الحدث.

ماذا نستنبط مما سبق؟

أنَّ الله – سبحانه وتعالى – لم يصف النساء بأنَّ: (كيدهن عظيم) إنَّما اللهُ وصفَ بكلامه ما قاله عزيز مصر.

ومن يظنون أنَّ كيد النساء جميعهنَّ عظيم؛ ليتذكروا أنَّ من النساء من يتقين الله؛ كالسيدة مريم ابنت عمران التي صَدَّقت بكلمات ربها.

فهي بلا شك (ولا ريب كذلك)؛ ليست من النساء اللائي يكدن الشر.

ذلك لأن مراد القول في الآية جاء وصفًا لشر امرأة العزيز؛ ولم يكن كيدًا في الخير.

ليس كل كيد هو كيد مذموم؛ بل من الكيد ما هو حسن يُراد به الخير، أو يُمنع به شر؛ مثل كيد الله – تعالى – وهو كيد حق، وخير يواجه كيد الشر.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ إِنَّهُمۡ يَكِيدُونَ كَيۡدٗا (١٥) وَأَكِيدُ كَيۡدٗا (١٦) فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا (١٧) ﴾ الطارق.

لقد احتوت الآيات على كيد مذموم وهو كيد الكفار؛ حيث يكيدون الشر، وكيد حسن وهو كيد الله – تعالى – الذي يواجه كيد الكفار، والظالمين.

وفي النهاية

يجب تصحيح المفهوم الخاطئ الذي يقول: إنَّ الله وصف كيد النساء بأنه عظيم.

بل الذي قال ذلك هو عزيز مصر حين وصف كيد امرأته بعد أن علم أنها هي من راودت يوسف – عليه السلام -.

ودقة البيان في الآية الكريمة هي التي تبين لنا الفهم الصائب: هذا ما نتبينه من الآية: ﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) ﴾.

فمن قال: ﴿ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ هو من رأى بعد مرور الزمن.

فحين يتدبر الناس الآية الكريمة: ﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) ﴾.

سيتبين لهم أنَّ كلام الله – تعالى – كان وصفًا لكلام العزيز الذي وصف النساء بأن كيدهن عظيم.

إذًا من رأى ﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ ﴾ هو من قال: ﴿ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ لأن القول ترتب على الرؤية، وتلاها زمنيًا.

وكان كلام الله وصفًا للحدث.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart