ما الدليل على غرق فرعون؟

من الناس من زعم أنَّ القرءان به تناقض؛ وذلك بين قول الله تعالى: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ﴾ و قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ ﴾؛ فظنوُّا أنَّ نجاة بدن فرعون هي نجاة لفرعون من الموت!

كذلك ظهر في السنين الأخيرة من زعم نجاة فرعون من الغرق، وقال: إنَّ فرعون مات مُؤمنًا؛ بل وسيدخل الجنة!

وللرد على تلك الشبهات؛ أورد الحقائق التي جاءت في القرءان..

كانت البداية حين طارد فرعون وجنوده، موسى (عليه السلام) ومن معه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) ﴾ يونس.

لفظ: (حتى) يدل على إصرار فرعون الذي لم ينقطع لحظة واحدة؛ لكي يدرك موسى فيقتله.

فرعون حين رأى البحر ينشق أمام عينيه؛ لم يؤمن أنَّ موسى رسول الله؛ بل ودخل خلفه البحر مُصرًا على قتله!

متى أعلن فرعون إيمانه، ولمن؟

ءامن لحظة أن أدركه الغرق: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ في

الوقت الذي رأى فيه ملائكة الموت، وتكشفت له الحقائق؛ حينها تبين له (لحظة الموت): أنَّ وعد الله حق؛ لأنَّ في تلك اللحظة تجلت الحقائق بقدرة الله أمام فرعون، ولم يعد له من فرصة ليُكذب بوعد الله؛ إنها لحظة النهاية التي تظهر فيها الحقائق.

ما الدقة البيانية في لفظ: ﴿ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ﴾؟

يعني أنَّ الغرق تمكن من فرعون، وحين تمكن الغرق من فرعون فإن ذلك يعني أنه سيموت لا محالة، لم يعد له فرصة للنجاة، والاختبار من جديد..

وكيف يتم اختباره وفرعون رأى الملائكة عين اليقين، وبدا له من الله ما كان يحذر؟!

ماذا قالت له الملائكة حين أعلن إيمانه؟

قالت له مستنكرة اللحظة التي أعلن فيها إيمانه: ﴿ ءَآلۡـَٰٔنَ ﴾؟

إنَّها لحظة الموت التي لا تُقبل فيها توبة، ولا ينفع نفسًا إيمانها وقد رأت الحقائق، وأيقنت المصير.

لقد كان بين فرعون، والملائكة حوارًا شأن كل ظالم يأتيه الموت؛ فيصف الله تعالى ذلك بقوله: ﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ (١٠٠) ﴾ المؤمنون.

كلا إنَّها كلمة هو قائلها، فهي لم تكن مشاعر إيمان؛ بل مُجرد قول، تمامًا كما قال الله تعالى عن فرعون: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ قال ءامنت!

ومتى قالها؟

بعد أن أصبح لا يملك من أمره شيئًا!

إنَّ الإيمان (الحق) هو مشاعر في النفس (وليس شيئًا ظاهرًا يُمكن رؤيته) لا يكون وقت الموت.

ولكن ماذا عن قول الله تعالى: ﴿ فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ ﴾ ألم ينجو بدن فرعون؛ أليس ذلك نجاة لفرعون من الغرق؟

لقد بيَّنت من قبل – في موضوع سابق – الفرق بين: (الجسم، والجسد، والبدن) وتبين لنا معنى البدن.

ما هو البدن؟

هو الجسم بعد أن خرجت منه النفس بالموت؛ أي البدن هو الجسم بعد موته (هيكل الإنسان الذي يتم دفنه ويتحلل).

وهذا يُؤكد أنَّه لا يُوجد اختلاف في القرءان حين يُبين لنا: أنَّ فرعون غرق ومات كافرًا؛ لأنَّ البدن هو الجسم بعد الموت.

إذًا لفظ: (البدن) في الآية أكد موت فرعون، وليس نجاته من الغرق.

هل في القرءان دليل ءاخر يُبين موت فرعون؟

من تلك الأدلة؛ ما جاء في قول الله تعالى: ﴿ فَأَرَادَ أَن يَسۡتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ فَأَغۡرَقۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِيعٗا (١٠٣) ﴾ الإسراء؛ الآية تُبين لنا أنَّ فرعون غرق بالفعل: ﴿ فَأَغۡرَقۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِيعٗا ﴾.

وما الدليل على أنَّ فرعون مات كافرًا، وسيدخل جهنم؟

في موضوع سابق؛ بيَّنت معنى: (ورود جهنم) و (ورود النار)..

قلت فيه: ورود جهنم لا يعني دخولها (وذلك بالنسبة للمؤمنين الذين سيردون جهنم، ولا يدخلونها؛ لأنَّهم سيُشاهدون جهنم من خارجها، ولن يردوا النار التي بداخل جهنم).

لذلك لا يسمع المؤمن حسيسها (أي حسيس النار) لأنَّه لن يدخل جهنم.

إذًا لكي يستقيم المعنى؛ علينا أن نُفرق بين ورود جهنم، ودخولها.

وضربت مثل على ذلك بقول الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ (٢٣) ﴾ القصص.

موسى (عليه السلام) لم يدخل ماء مدين، ولكن ورد ماء مدين؛ أي أصبح لدى البئر.

قول الله تعالى: ﴿ يَقۡدُمُ قَوۡمَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَأَوۡرَدَهُمُ ٱلنَّارَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡوِرۡدُ ٱلۡمَوۡرُودُ (٩٨) ﴾ هود،

وكيف نستدل بذلك على دخول فرعون جهنم؟

جهنم هي أبواب، وسور، وبداخلها النار؛ ولأنَّ الكافرين سيردون النار، فهم حتمًا سيدخلون جهنم؛ ولأنَّ فرعون سيُورد قومه النار؛ فهذا دليل على أنَّ فرعون سيدخل معهم جهنم، ولا يدخل جهنم إلَّا من كفر، وحقَّ عليه العذاب.

وبذلك لا تناقض بين ءايات القرءان.

1 فكرة عن “ما الدليل على غرق فرعون؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart