ما المراد بالمشرقين، والمغربين في القرءان؟

اختلفت الرؤى حول المراد من لفظي: (المشرقين، والمغربين) ..

جاء لفظ المشرق والمغرب في كتاب الله في صيغة المفرد، والمثنى والجمع..

صيغة المفرد أشارت إلى المشرق الذي تطلع منه الشمس، وأشارت إلى المغرب الذي تغرب منه.

قال الله – تعالى – : ﴿ قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ (٢٨) ﴾ الشعراء.

الَّفظ المفرد للمشرق يبين لنا أنَّ الشمس تطلع من المشرق فقط، ولا تطلع من المغرب، أو من الشمال، أو من الجنوب..

قال الله – تعالى – : ﴿ فَلَآ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَٰرِقِ وَٱلۡمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ (٤٠) عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِينَ (٤١) ﴾ المعارج.

لماذا جاءت في الآية الكريمة صيغة الجمع: (المشارق، المغارب)؟

إنها تُشير إلى أنَّ الشمس لا تطلع من المشرق من مكان ثابت كل يوم؛ بل تطلع من أماكن مختلفة.. وذلك دليل على كروية الأرض التي يتغير موضعها كل يوم عن اليوم الذي قبله.

هل يُوجد أدلة على طلوع الشمس من أماكن مختلفة خلال السنة؟

من أدلة طلوع الشمس من أماكن مختلفة من جهة المشرق؛ فصول السنة..

حيث نجد أنَّ الأماكن التي يتواجد فيها ضوء الشمس تختلف من فصل لآخر.

ولو كان لدينا القدرة البصرية بالعين على مراقبة مكان ضوء الشمس كل يوم؛ لوجدنا المكان يختلف من يوم لآخر مقدارًا قليلًا.

ولكن يمكن الحكم على تغير مواضع ضوء الشمس من خلال فصول السنة؛ لأنها تساوي أربعة أشهر؛ وهي فترة كافية لملاحظة تغير مواضع ضوء الشمس على المباني مثلًا..

في فصل الصيف؛ يتواجد ضوء الشمس في أماكن لا يتواجد فيها في فصل الشتاء..

ذلك يثبت أنَّ الشمس لا تطلع من مكان ثابت خلال السنة؛ ولكن تطلع من أماكن مختلفة من جهة المشرق.. والذي يتسبب في تغير مطلع الشمس وتتابع فصول السنة هو: دوران الأرض حول الشمس.

نصل إلى السؤال الذي طرحناه في بداية الموضوع: ما المراد بالمشرقين، والمغربين في القرءان؟

قول الله – تعالى – : ﴿ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ (١٧) ﴾ الرحمن؛ اختلفت حوله الآراء، وكان من بينها:

أنَّه يُراد به مشرق الإنس ومشرق الجن.. لكن ذلك أراه تأويلًا، ولا يُوجد عليه أي دليل من القرءان الكريم.

وهناك من ظن أنَّ ﴿ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ (١٧) ﴾ هو مشرق الشمس، ومشرق القمر..

لكن الشروق يكون من الفجر (في بداية طرف النهار)، وليس بالَّيل.

ونعود من جديد إلى التساؤل: ما المراد من قول الله – تعالى – : ﴿ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ (١٧) ﴾ ؟

تبين المراد يعتمد على تفسير ءاية كونية..

نعلم أنَّ الأرض تحتوي على قطبين هما: القطب الشمالي، والقطب الجنوبي..

تطلع الشمس من مشرق القطب الشمالي مرة واحدة في السنة (وليس مرتين) وبالتالي: يكون الغروب مرة واحدة في السنة..

لماذا تطلع الشمس من مشرق القطب الشمالي مرة واحدة في السنة؟

لأن الشمس حين تطلع من مشرق القطب الشمالي؛ فإن القطب يكون مواجهًا للشمس مدة ستة أشهر متتابعة؛ لذلك يستمر النهار مدة ستة أشهر متواصلة ( لا تغرب الشمس خلالها) .

والسبب في ذلك؛ هو: دوران الأرض حول الشمس، وكذلك دورانها حول محورها بزاوية ميل ٢٣ درجة تقريبًا؛ فتظهر الشمس على القطب الشمالي مائلة (أي مائلة على أطراف القطب الشمالي، وكأنها في لحظات الغروب) ولا تظهر عمودية (كأنها في منتصف النهار).

في نهار القطب الشمالي يصير القطب الجنوبي في ليل يستمر ستة أشهر متواصلة؛ لأنَّ القطب الجنوبي في تلك الحالة لا يكون مواجهًا للشمس؛ لأنها تكون مواجهة للقطب الشمالي.

وحين تغرب الشمس من القطب الشمالي، بعد ست أشهر من النهار المتواصل؛ يصير القطب الشمالي في الجانب الذي لا يكون مواجهًا للشمس؛ فيدخل القطب في ليل يستمر مدة ستة أشهر متتابعة.

في المقابل يصير القطب الجنوبي مواجهًا للشمس فتطلع الشمس من مشرقه مرة واحدة في السنة، ويستمر النهار في القطب الجنوبي مدة ستة أشهر متتابعة بعد أن استمر الَّيل فيه مدة ستة أشهر متواصلة من قبل.

أي ماحدث للقطب الشمالي يحدث كذلك للقطب الجنوبي: تطلع الشمس مرة واحدة من مشرق القطب الجنوبي، وكذلك تغرب مروة واحدة في السنة..

هنا يظهر لنا مكانين على الأرض تطلع الشمس من مشرق كل مكان منهما مرة واحدة في السنة، وتغرب مرة واحدة في السنة؛ وهما: القطب الشمالي، والقطب الجنوبي.

إذًا صار لدينا مشرق القطب الشمالي ومشرق القطب الجنوبي؛ ويالتالي: صار لدينا مغرب القطب الشمالي، ومغرب القطب لجنوبي.. أي صار لدينا مشرقين، ومغربين أشار إليهما القرءان كونهما من ءايات الله التي سيكتشفها الإنسان.

وفي النهاية نستنبط ما يلي

المراد بقول الله – تعالى – : ﴿ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ ﴾؛ هو: مشرق القطب الشمالي، ومشرق القطب الجنوبي؛ أي مشرقي القطبين: (الشمالي، و الجنوبي) .

لأنَّ الشمس تطلع مرة واحدة في السنة من مشرق القطب الشمالي، وتطلع مرة واحدة في السنة من مشرق القطب الجنوبي..

والمراد بقوله سبحانه و ـ تعالى ـ : ﴿ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ ﴾ هو: مغرب القطب الشمالي، ومغرب القطب الجنوبي؛ أي مغربي القطبين: (الشمالي، والجنوبي) .

والله أعلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart