البعض أتخذ من المثنى: (يداه) دليلًا على صحة قولهم: إنَّ لله يدان حقيقيتان (لهما أصابع) تليق بجلاله! ونفوا (في ذات الوقت) أنَّهم يُشبهون الله بخلقه!
لكنهم في التشبيه وقعوا؛ لأنَّهم خالفوا قول الله تعالى: ﴿ ليس كمثله شئ ﴾؛ فلا ينبغِ في حق الله تعالى التجزئ، والعدد، أو أن تُنسب له الأعضاء.
ما المراد بلفظ: ﴿ يَدَاهُ ﴾؟
في قول الله تعالى: ﴿ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ ﴾؟
ولكن لنتبين معنى اليد
هي التي تتحقق بها أوامر الله؛ فهي دليل على الاستطاعة والقدرة.
واليد التي تدل على القدرة هي أصل وصف اليد التي لها أصابع كيد الإنسان.
ذلك يعني أنَّ يد الإنسان التي لها أصابع استمدت صفتها من كونها تدل على قدرة الإنسان على تحقيق ما يرغبه.
وصف اليد لا يقتصر على اليد التي لها أصابع؛ بل تُطلق كذلك على ما يُحقق به الإنسان رغبته ولو كان ذلك من خلال الآخرين.
الوصف الحق لليد هو القدرة، والاستطاعة وليس أصل الوصف اليد التي لها أصابع.
قال الله – تعالى – : ﴿ اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) ﴾ ص.
لم يقل: اليدين، ولكن جاء اللفظ جمع: ﴿ الْأَيْدِ ﴾.
ذلك يعني أنَّ الأيد ليست المراد بها اليد التي لها أصابع، ولكن ما وهبه الله من قدرة، واستطاعة تُحقق له ما يرغب.
وبالعودة إلى السؤال: ما المراد بلفظ: ﴿ يَدَاهُ ﴾ في قول الله تعالى: ﴿ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ ﴾؟نحن نعلم أنَّ الله قضى أنَّ تتحقق إرادته؛ وذلك:
إمَّا من خلال خلقه كالملائكة، وإمَّا مباشرة (دون ملائكة).
يد الله التي تتحقق بها إرادته من خلال الملائكة (الموكلون بتنفيذ أمر الله) أو من خلال باقي الخلق نتبينها من قول الله – تعالى – : ﴿ وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ (٣٧) ﴾ هود؛ حيث بيَّن لنا قوله – سبحانه وتعالى – : ﴿ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا ﴾ ما يلي:
لفظ: ﴿ بِأَعۡيُنِنَا ﴾ لفظ جمع نستنبط منه: أنَّ نوح – عليه السلام – كان يصنع الفُلك تحت أعين الملائكة؛ فهي التي تعلمه كيفية صناعة الفُلك.
أمَّا لفظ: ﴿ وَوَحۡيِنَا ﴾ فهو يُشير إلى العلم الذي كان يُوحى إلى نوح – عليه السلام – فيقوم بتنفيذه؛ ليتمكن من صناعة الفُلك.
ولأنَّه لا يخفى على الله شيئًا؛ فإنَّ كل شئ كان يتم بإرادة الله – تعالى – وقدرَتِه.
والشئ الآخر الذي يُشير إليه لفظ: (يداه)؛ هو إرادة الله التي تتحقق مباشرة (أي دون ملائكة) ونتبينه في قوله – سبحانه وتعالى – : ﴿ إِذۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰٓ (٣٨) أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ (٣٩) ﴾ طه؛ العين هنا من العناية، وليست عينًا تُشبه عين الإنسان.
﴿ وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ ﴾ نستنبط منه أنَّ موسى – عليه السلام – كان يُصنع بعناية الله وإرادته مباشرة (دون ملائكة) هذا هو المعنى الذي أشار إليه لفظ: ﴿ عَيۡنِيٓ ﴾ في الآية الكريمة.
وخاتمة القول، وللإجابة على التساؤل: لماذا جاءت: (يداه) مثنى في قول الله تعالى: ﴿ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ ﴾؟
لأنَّ (يداه) مرة أشارت إلى يد الله التي تتحقق بها إرادته مباشرة (أي دون ملائكة) ومرة أخرى أشارت إلى يد الله التي تتحقق بها إرادة الله من خلال الملائكة (التي تنفذ أوامر الله تعالى).
والله أعلم.