من خلال بلاغة الألفاظ في القرءان الكريم، كيف نستدل على صحة الحديث: {صلوا كما رأيتموني أُصلي}؟

بيِّنا في موضوع سابق الفرق بين لفظي: (كما) و (مثل ما)..

وقلنا: إن لفظ كما يدل علي التطابق الكامل الذي لا اختلاف فيه؛ وهذا يُناسب الشعائر التي أقامها الرسول – عليه الصلاة والسلام – كالصلاة، والحج.

ولأن الوصف جاء فيه (كما) وليس (مثل ما) فقد دلَّ هذا على إقامة الشعائر كما أقامها الرسول دون اختلاف.

ما هي البلاغة في عدم استخدام لفظ: (مثل ما)؟

)مثل ما) تدل علي التشابه، وليس التطابق؛ وبالتالي: تسمح بالاختلاف النسبي، وهذا لا ينبغي في الشعائر التي نقيمها كما هي دون اختلاف ولو كان اختلاًا صغيرًا.

لذلك من بلاغة القول أن جاءت (كما) وليست (مثل ما).

وننتقل إلى لفظ: (رأيتموني) الذي أراه أشمل من السمع، والبصر، والحس بالجلود.

فلفظ: (رأيتموني) يحتوي عل كل أشكال الحس لدى الإنسان التي يجمع بها كل علومه، ومعارفه في الحياة.

لماذا قول الرسول: (رأيتموني) يدل على بلاغة القول؟

لماذا لم يقل – عليه الصلاة والسلام – : صلوا كما شاهدتموني أُصلي؟

السمع ينتهي عند الاستماع فقط؛ لأنه حادث لحظي تم تحديده بوسيلة السمع؛ أي سمع صوت النبي وهو يصلي.

ولا شك أن من يصلون الآن لم يسمعوا النبي وهو يصلي.

فكان من البلاغة أنه لم يقل: صلوا كما سمعتموني أُصلي.

كذلك المشاهدة البصرية التي تأتينا عن طريق العين تنتهي عند رؤية العين فقط.

ولا شك أنَّ من يصلون الآن لم يشاهدوا النبي بأعينهم وهو يصلي.

لذلك كان من البلاغة أن الرسول – عليه الصلاة والسلام – لم يقل: صلوا كما شاهدتموني أُصلي.

أما الرؤية فهي تشمل كل وسائل جمع العلم، وهي لا تقتصر على سمع، أو مشاهدة النبي فقط؛ بل تمتد إلى رؤية العلم الذي يتم نقله عن الرسول – عليه الصلاة والسلام – جيلًا بعد جيل حتى بعد وفاة النبي – عليه الصلاة والسلام -.

لفظ: (يسمع) يصنع الرؤية داخل الفؤاد عن طريق السمع.

أي أنَّ الإنسان رأى الشئ عن طريق الاستماع إليه (رؤية سمعية).

ولفظ: (يُبصر) يدل على أنَّ الإنسان رأى عن طريق العين.

ولفظ (يحس) يدل على الإنسان رأى الشئ عن طريق جوارح الجلود الأخرى، مثل: جارحة التذوق؛ فالتذوق كذلك تتحقق عن طربقه الرؤية.

كذلك الرؤية يمكن أن تتحقق من خلال اللمس.

كذلك حاسة الشم تتحقق بها رؤية الشئ داخل الفؤاد (ولو دون رؤية بصرية)، مثل: شم رائحة التفاح التي يرى الإنسان من خلالها أنَّ ذلك تفاح.

تحدث الرؤية في الفؤاد؛ فيدرك الإنسان الشئ الذي أثر على حواسه.

حين ينتقل العلم الخاص بذلك الشئ عن طريق السمع، أو البصر، أو باقي وسائل الحس بالجلود حين ينتقل أثره إلى داخل الفؤاد.

فإن حدث الإدراك داخل الفؤاد تكونت الرؤية.

مما سبق

تبين لنا أن قول الرسول – عليه الصلاة والسلام – : (صلوا كما رأيتموني أُصلي) هو حديث صحيح حيث استخدم الرسول الله الكلمات القرءانية بدقة بالغة؛ وهما لفظي: (كما) الذي دلَّ على تطابق شعيرة الصلاة لتكون كما أقامها الرسول دون اختلاف.

ولفظ: (رأيتموني) الذي دلَّ على دقة أخذ السنة العملية عن الرسول – عليه الصلاة والسلام – حتى بعد وفاته.

وذلك عن طريق الرؤية التي تتحقق كذلك من خلال رؤية من جاءوا بعد النبي، وهم يقيمون الشعائر كما أقامها الرسول – عليه الصلاة والسلام -.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart