بعض ممن يدعون أنَّهم تنويريون يقولون: إنَّ الجسم الذي يحس بالعذاب في الآخرة؛ ربما لا يكون هو ذاته الجسم الذي ارتكب المعصية وحس بلذتها؟!
لماذا قالوا هذا؟!
من رأيهم: الجسم يتبدل عدة مرات؛ فكيف يتم عقاب الجسم الذي لم يرتكب المعصية؟!
أو كيف سيعاقب الجسم وهو قد تبدل قبل أن يتذوق المعصية؟!
وزادوا في ذلك بقولهم: حتى الجسم الذي فعل الصالحات لن يكن هو ذاته الجسم الذي سيحس بلذة النعيم في الجنة؟!
وللرد عليهم
نعلم أنَّ خلايا الجسم تموت وتنشأ بدلًا منها خلايا جديدة إلى أن يتوفى اللهُ الإنسانَ بالموت.
بل الجلود في النار ستنضج ويُبدلَهم الله جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب. الجلود تُبدل كذلك في الآخرة، وليست فقط في الحياة الدنيا.
تساؤلهم: أي جسم سيُعذب، أو سيحس ويشعر بالعذاب؟!
هو تساؤل يعتريه جهل بحقيقة من سيحس بالعذاب في الآخرة، أو من سيحس بلذة النعيم في الجنة.
إنَّ الجسمَ شئ (مادي) دوره نقل العذاب، أو اللذة للنفس، وليس هو (أي الجسم ذاته) من يحس بالعذاب، أو اللذة.
عدل الله – تعالى – هو أنَّ من ارتكب المعصية وحق عليه العقاب يكون هو من يحس بالعذاب، ويشعر بالمهانة في ذلك اليوم جزاءً على عمله في الحياة الدنيا.
الجسم (الجلود) ليس هو من يحس بالعذاب؛ وذلك لأمر بسيط؛ فالجسم ليس هو من حس بلذة المعصية، أو أمر بها؛ بل كان دوره قاصرًا على تنفيذ أوامر النفس، ونقل التأثير المادي الناتج عن المعصية إلى تلك النفس؛ لتحس هي بلذتها؛ فالنفس هي من: (اشتهت، وأمرت، وحست).
أما الجسم فكان وسيلة لتنفيذ أوامر النفس، ونقل اللذة إليها.
لقد كان الجسم مجرد رداء للنفس، ولم يُخيره اللهُ بين الفجور، والتقوى. الجسم لم يختار فعل المعصية، ولم يحس بلذتها.
فقط النفس هي التي ألهمها اللهُ – تعالى – فجورها، وتقواها، ووهبها تعقلًا، وأرسل إليها رسله لتُميز بين سبيل الغي، وسبيل الرشاد.
وقد شاء اللهُ – عز وجل – ألا تتبدل هذه النفس، لأنها هي من أمرت بالمعصية وتمتعت بها؛ فهي من ستحاسب وتعذب.
النفس لا تتغير، ولا تتبدل؛ وهذا من عدل الله.
النفس تشعر بالوقت، ولكن لا تتغير بمروره، عكس الجسم (المادي) الذي يصيبه التبديل مع مرور الوقت.
النفس باقية بعد الموت لا تفنى (لأنَّ الموت لا يعني الفناء) ولكن تتوقف بموتها عن الاختيار، والعمل.
وحين يأتي يوم القيامة تظل النفس الخبيثة كما هي دون أن تتبدل، أو تتغير؛ فيظل ما بها من كفر وظلم وحب للمعصية باقيًا لا يتبدل، أو يتغير منه شيئًا.
فهي التي عملت المعصية من قبل، وهي التي ستذوق العذاب يوم القيامة جزاءً بما عملت.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (٥٦) ﴾ النساء.
من الذين يذوقون العذاب؟
بالتأكيد نفوس المجرمين؛ فهي التي كفرت، وأفسدت في الأرض، وتذوقت لذة المعصية؛ إذًا هي من ستذوق العذاب جزاءً على ما عملت.
والجسم ما هو إلَّا رداء للنفس سخره الله لها.
إذًا من الآية يتبين أنَّ دور الجلود (الجسم) يوم القيامة هو نقل العذاب إلى النفس.
لماذا؟
لتذوق النفس العذاب الذي يأتيها عن طريق الجلود؛ فهي التي أمرت بالمعصية، وأحست بلذتها، وليس الجسم.
إذًا الجلود دورها توصيل العذاب للنفس؛ وليست هي من يحس بالعذاب.
وبالتالي
ليس هناك أي إشكالية من تبدل (تغير) جلود الجسم؛ لأن الجسم ليس هو من يذوق العذاب؛ إنَّما من سيتذوق العذاب أو النعيم هي النفس، لهذا كانت هي (وليس الجلود) التي لا تتبدل.
هنا تحقق عدل الله بثبات النفس وعدم تبدلها، فالنفس التي ارتكبت المعصية، هي ذاتها التي توجد في نار جهنم تتذوق العذاب كما تذوقت لذة المعصية.
إن الذي يتذوق العذاب، أو النعيم هي النفس، وليس الجسم.
والله أعلم.