Detailed image of an open Quran with prayer beads, symbolizing Muslim culture and spirituality.

هل تحتفظ الأرض بأجساد الأنبياء حسب رواية نُسبت للنبي (عليه الصلاة والسلام)؟

كان ذلك – بل ولا يزال – يمثل خلافًا بين فريقين، حول صحة الرواية التي تقول: (إنَّ الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء).

رأي قال: نعم، والآخر قال: لا.

ولكن يبقى القرءان هو خير ما نستدل به على صحة الرواية التي نُسبت للرسول (عليه الصلاة والسلام).

ماذا عن لفظ: (أجساد) ودلالته من القرءان الكريم؟

حين نتبين معناه كما جاء في القرءان؛ نجد التالي:

لفظ: (أجساد) الذي ورد في الرواية؛ لم يأتِ في القرءان بتلك الصيغة؛

إنما جاء: (جسد)

فحين تكلم الله عن النبيِّن (لفظ جمع) وصفهم بلفظ: (جسد) وليس: (أجساد)

﴿ وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ (٨) ﴾ الأنبياء.

ربما لأن الجسد له طبيعة واحدة وهي: أنه لا يأكل الطعام.

وكذلك دلَّ لفظ: (الجسد) على المفرد: ﴿ فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ (٨٨) ﴾ طه.

ولكن ألا نلاحظ شيئًا؟!

لقد أعطى القرءان دلالة للفظ: (الجسد) وهي: أنَّ الجسد لا يأكل الطعام.

إذًا وحسب القرءان؛ الذي فيه تبيان لكل شئ؛ الرسول الذي أتقن دقة ألفاظ القرءان، وفقه القول؛ ثم فهم كيفية التعبير البالغ بتلك الألفاظ بشكل فاق غيره من الناس؛ لا يُمكن أن يقول: (أجساد) إذا أراد وصف جسم الإنسان بعد موته؟!

بماذا وصف القرءان حسم الإنسان بعد موته؟

وصفه بلفظ: (البدن)..تلك الدقة والبلاغة لا يُمكن أن تتغير حين يُبلغ الرسولُ الحق من ربه.

أليس الرسول هو من يُبلغ الناس، وهو أول من يتأثر بدقة ألفاظ القرءان ويعمل بها؟!

لقد تبيَّن لنا (من قبل) أنَّ لفظ: (جسد) قد وصف الشئ الذي ليس به حياة (أبدًا) مثل: عجل السامري الذي صنعه من حلي القوم؛ قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ (٨٨) ﴾ طه.

نلاحظ أنَّ الله ـ تعالى ـ  وصفه بقوله: (جسدًا) وليس جسمًا (ولا بدنًا).

ذلك من بلاغة القرءان التي تُعطي كل لفظ دلالته، وموضعه فلا تتغير أبدًا في كل الآيات.

إذًا الجسد هو الشئ الذي لا يأكل الطعام، ولا حياة فيه أبدًا كما يُبيِّن لنا القرءان الكريم.

كذلك حين نفى الله ـ تعالى ـ  أنَّه جعل النبيَّن جسدًا لا يأكلون الطعام؛ نجد أنَّ هذا فيه تأكيد لدلالة الجسد دون اختلاف بين الآيات الكريمة؛ حيث يدل لمرة أخرى على أنَّ الجسد هو: الشئ الذي ليس فيه حياة أبدًا، لذلك لا يأكل الطعام.

ماذا نستنبط من ذلك؟

أنَّ لفظ: (الجسد) كما جاء في القرءان؛ لا يصف الإنسان سواء كان حيًا، أو ميتًا؛ وبالتالي: نستنبط أنَّ الرواية التي جاء فيها أنَّ الأرض تحتفظ بأجساد الأنبياء ليست من قول الرسول ﷺ الذي تأثر بالقرءان، وأتقن دلالات ألفاظه.

لذلك كيف تكون الرواية من قوله؛ وجاء فيها اللفظ غير المناسب وهو: (أجساد) وليس لفظ: (بُدۡنَ) جمع بَدَن الدال على الإنسان بعد موته؟!

قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ (٨) ﴾ الأنبياء.

من بلاغة القرءان

الله ينفي أنَّ الجسد يأكل الطعام؛ فكيف يقول الرسول: أجساد الأنبياء؟!

أمَّا الإنسان الحي فقد وصفه اللهُ ـ تعالى ـ  بأنَّه: (جسم)؛ قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَيۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ وَٱللَّهُ يُؤۡتِي مُلۡكَهُۥ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ من الآية (٢٤٧) ﴾ البقرة؛ أي أنَّ الجسم هو ما يصف الإنسان الحي.

وكذلك تكرر ذلك (الوصف) في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ (٤) ﴾ المنافقون؛ ليتأكد لنا الوصف أنَّ الذي يصف الإنسان

الحي هو الجسم، وليس الجسد، ولا حتى البدن.

وهذا من بلاغة القرءان، وأنه لا اختلاف فيه.

وماذا عن البدن؟

إنَّه (أي البدن) جاء وصفًا للإنسان بعد موت الجسم؛ أي بعد أن خرجت النفس منه بالموت.

هنا يتحول الجسم الحي إلى بدن (ميت) لا حياة فيه، والبدن هو الذي يتحلل بعد موت الإنسان.

وما الدليل على أنَّ البدن يعني جسم الإنسان بعد موته؟

قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ (٩١) فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ (٩٢) ﴾ يونس.

لقد أُثير حول موت فرعون غرقًا الشكوك، وظنوا أنَّ القرءان به أخطاء؛ ذلك حين خلطوا بين الجسم الحي، والبدن الميت.

ولكن حين نعود للقرءان، ودقة الألفاظ فيه، وكمال بيانه؛ نجد أنَّ الآية الكريمة ﴿ فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ ﴾ قد دلت ببلاغة رائعة على موت فرعون، وليست نجاته من الغرق.

وقد ردت هذه الدقة البالغة شُبهة البعض بتناقض القرءان؛ حين قالوا: (هل فرعون غرق، أم نجا؟!).

من القرءان، ودقة ألفاظه يتبين لنا: أنَّ فرعون غرق (بالفعل)، ولم ينجُ جسمه؛ لأنَّ ما ألقاه اليم على الساحل (حسب دقة الألَّفاظ في القرءان) هو بدن فرعون (بعد موت فرعون) وليس جسم فرعون (وهو حي).

وحين موت فرعون بشرته الملائكة بنجاة بدنه (من أن يهلك في ماء البحر) ليكون ءاية لمن يأتون خلفه.

قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (٣٦) ﴾ الحج؛ لفظ: (ٱلۡبُدۡنَ) هو وصف للأنعام بعد ذبحها؛ أي بعد أن تحولت

أجسام الأنعام (التي كانت فيها حياة) إلى بُدۡنَ لا حياة فيها (بعد ذبحها وموتها).

مما سبق يتبين أنَّ لفظ: (الجسد) وبالتالي: لفظ: (أجساد) الذي جاء في الرواية لا يصف الإنسان (سواء كان حيًا، أو ميتًا).

لأنَّ الإنسان الحي يُوصف: (بالجسم) وبعد موته يُوصف: (بالبدن).

فلو صحت الرواية لقال الرسول: البدن، و.ليس أجساد.

والتساؤل الآن: هل عدم تحلل البدن هو كرامة من الله؟

ذلك لم يأتِ في القرءان.

وفي النهاية

الرسول ﷺ لا يُمكن أن يقول: أجساد ليصف الناس بعد الموت (والتي هي في القرءان كما تبين لنا:(بدن) ).

وهذا ينفي بدوره أنَّ بدن يوسف (عليه السلام) بقي بعد موته؛ فتلك مزاعم تُخالف دقة وصف: (الجسم، البدن، الجسد) التي جاءت في كتاب الله.

قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ مِنۡهَا خَلَقۡنَٰكُمۡ وَفِيهَا نُعِيدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ (٥٥) ﴾ طه.

هذه الآية الكريمة قاطعة؛ حيث تُؤكد: أنَّ البدن لا يبقى دائمًا؛ بل لا بد أن يتحلل، ويعود للأرض مرة أخرى حتى وإن طال بقاؤه.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart