تعددت الآراء حول معنى لفظ: الوجه في القرءان عندما يُنسب لله ـ تعالى ـ.
وكان أكثرها بعدًا عن الحقيقة من نسبوا لله وجهًا له عينان كوجه الإنسان، وهو ما لا ينبغي في حق الله سبحانه وتعالى.
فحين نتبيَّن المراد من الوجه في القرءان نجده لا يعني دائمًا الوجه الذي له عينان: قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ سورة يونس (١٠٥).
أي التوجه للدين حنيفًا غير منحرف عن هذا الاتجاه.
﴿ ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ ﴾ سورة يوسف (9).
ليس المقصود به الوجه المادي؛ ولكن اهتمام أبيهم يكون موجهًا إليهم ـ هم فقط ـ بعد التخلص من يوسف ـ عليه السلام ـ .
وفي الصبر؛ فإنَّ من يصبر ابتغاء وجه ربه، هو أن يكون قاصدٌا رضوان الله بصبره.
قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ عُقْبَى ٱلدَّارِ ﴾ سورة الرعد (٢٢).
وليس مراد الآية أنَّ لله وجه يُشبه وجه الإنسان المادي، أو له جهة مادية، ولكن مرادها، هو: اتجاه المؤمن في صبره إلى الله؛ لينال رضوانه، فهو يصبر بالله لينال رضوانه.
﴿ إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُۥ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ سورة النحل (٥٨).
الوجه هنا، هو: واجهة الإنسان التي بها عيناه وتعبيراته التي تُظهر حزنه، أو سعادته على وجهه.
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍۢ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُۥ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِۦ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ ﴾ سورة الحج (١١).
يُؤكد ذلك أنَّ الوجه لا يعني فقط الوجه المادي؛ هنا يعني: انقلاب وجهته فبدلًا من التوجه إلى الله، غيَر وقلب وجهته إلى غير الله.
هذا الإنسان يعبد الله على حرف؛ حيث ينحرف عن عبادته حسب منفعته.
﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّىٓ أَن يَهْدِيَنِى سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ سورة القصص (٢٢)؛ أي توجه نحو مكان يُسمى: مدين؛ إذًا هي وجهة مادية من التوجه، وليست وجهًا له عينان.
﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ ۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُۥ ۚ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ القصص (٨٨)؛ أي كل شئ من الأشياء التي يتخذونها ءالهة من دون الله لم يعد موجودًا.
وكذلك لن يُوجد شئ يتوجه إليه الإنسان، أو غيره من المخلوقات التي تحيا في الأرض بعد ذلك اليوم، ولكن التوجه إلى الله وحده، فالتوجه إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يهلك مثلما هلكت الوجهات والوجوه الأخرى؛ سواء كان التوجه إلى صنم، أو مَلِك، أو متكبر، أو مال وبنين..لا شئ يتوجهون إليه بعد ذلك اليوم؛ إلَّا التوجه إلى الله وحده.
قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ سورة الروم (٣٠)؛ ليس المقصود وجهًا ماديًا له عينان، ولكن هو أن يتوجه وفقًا لما يجده في الدين الحق، لا ينحرف عنه.
وهذا ما يتفق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وليست هناك فطرة غير سليمة؛ فالفطرة، هي: الخلق الأول الذي لم يُصبه تحريف، أو عوج.
﴿ وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَاْ فِىٓ أَمْوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ ۖ وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن زَكَوٰةٍۢ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ ﴾ سورة الروم (٣٩). لا يُعقل أن يكون وجهًا ماديًا، ولكن من التوجه بالزكاة يُريدون رضوان الله وحده.
﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ (١٩) إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ (٢٠) وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ (٢١) ﴾ سورة الَّيل.
إذًا هناك وجوه عديدة أعلاها وجه ربنا الأعلى، ولا ينبغي أن يكون ذلك علوًا ماديًا؛ ولكن علو: قدر.
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ (٢٧) ﴾ سورة الرحمن. لفظ: (الجلال والاكرام) عائد على: ربك، وهو وصف لعظمة الله التي تجلت من قبل للجبل فلم يتحملها وجعلته دكًا؛ ليُؤكد لنا البيان القرءاني: أنَّ الوجه هنا من الوجهة، وليس وجهًا له عينان. فالآية الكريمة فاصلة في فناء كل الوجوه على الأرض التي كانت تتوجه إليها المخلوقات، ولم يبقَ إلَّا وجه الله وحده؛ أي التوجه إلى الله وحده؛ فكل التوجهات والوجهات التي كانت على الأرض في الحياة الدنيا، مثل: التوجه إلى الأصنام، أو المال، أو السلطان، أو غير ذلك الوجوه والوجهات؛ انتهت لانتهاء المُتجه والوجه المُتَجَه إليه، ويبقى وجه الله وحده.
إذًا الوجه من: التوجه، والوجهة، والواجهة، وليس دائمًا يُراد به: وجه له عينان. فنحن نتوجه إلى الله بأعمالنا الصالحة نُريد بها رضوان الله وحده.
كلام منطقي…