نُسب إلى النبي ﷺ القول :يا جابر ألا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قال: بلى يارسول الله؛ فقال له الرسول ﷺ: ما كلم الله أحداً قط إلَّا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحًا؛ فقال: يا عبدي تمن علي أُعطِكَ
قال: يا رب تُحييني فأُقتل فيك ثانية فقال الرب تبارك و ـ تعالى ـ : إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال يا رب فأبلغ من ورائي، قال: فأنزل الله – تعالى – : ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) ﴾ آل عمران.
وقد اختلف الناس في تلك الرواية..
منهم من قال: إنَّ ذلك لا يجوز في الدنيا، ولكن كان ذلك في عالم البرزخ (أي بعد الموت) ..
لماذا قالوا ذلك؟
لأنها تُخالف قول الحق: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ (٥١) ﴾ الشورى.
لماذا لم يأتِ القول: (وليس لبشر أن يُكلمه اللهُ إلَّا وحيًا..) وجاء: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِ ﴾؟
ذلك من دقة الألفاظ في القرءان الكريم..
لفظ: (ما) الذي جاء في الآية الكريمة؛ ينفي نفيًا تامًا في جميع الأزمنة، وليس في الحياة الدنيا، أو الدنيا فقط؛ أنَّ الله يُمكن أن يُكلم أحدًا من البشر دون حجاب.
علمًا بأن البرزخ هو جزء من الدنيا؛ لأنه يسبق يوم البعث؛ وما يسبق الآخرة هو من الدنيا.
كذلك الرواية ظنية تُخالف قول الله – تعالى – : ﴿ لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ (١٠٣) ﴾ الأنعام؛ الله لم يقل: (لا تُدركه الأبصار في الدنيا) ذلك يعني أنَّ الله – عز وجل – نفى إدراك الأبصار له سواء في الدنيا، أو في الآخرة.
وكيف يظن البعض أنَّ الأبصار المخلوقة يُمكنها أن تُدرك الخالق، وتحويه صورة؟!
كيف تُدرك مُكونات العين، والبصر المخلوقة من ليس كمثله شئ؟!
العجيب أنَّ الله في كتابه يقول: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ ﴾.. ثم يأتي من يزعم أنَّ النبي ﷺ قال: إنَّ أحد الصحابة كلمه اللهُ دون حجاب؟! وجهًا لوجه دون حجاب؟!
(وقد بينت من قبل معنى وجه في القرءان الكريم)..
وماذا عن الحجاب؟
الحجاب هو ما يحجب الشئ، ويكون ماديًا، مثل: الصوت الذي خلقه الله ـ تعالى ـ، وخرج من الشجرة؛ ليحمل كلامه إلى سيدنا موسى؛ فكان ذلك الصوت هو الحجاب.
ولأنه (أي الصوت) مادي؛ فقد سمعه موسى – عليه السلام – بعد أن انتقل إليه عن طريق موجات الجو؛ فالتقطته أذن سيدنا موسى (وهي مادية، مخلوقة) فوصل إلى فؤاده (وهو مكان جمع العلم، وإدراكه) فأدركه فؤاده؛ فعَقِلَهُ موسى – عليه السلام ـ.
حين تتعارض رواية ظنية الثبوت، ظنية الدلالة بشكل صريح مع القرءان؛ فإنَّ القول الحق: هو ما جاء في كتاب الله، وليس ما جاء في رواية ظنية رواها بشر يُصيبون، ويُخطئون.
ما جاء في القرءان هو الحق الذي بيَّن لنا – دون اختلاف – أنَّ الله لا يُكلم أحدًا دون حجاب؛ لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
وذلك الشئ ليس قاصرًا على البشر؛ بل الملائكة الذين خلقهم الله – تعالى – من طبيعة غير طبيعة البشر، وعندهم قدرات ليس للبشر بمثلها، ويُؤمنون بالله، ويُنفذون أوامره؛ لم يُكلمهم الله دون حجاب.
وذلك دليلنا من القرءان الكريم
قال الله – تعالى – : ﴿ ٱلَّذِينَ يَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْۖ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَيۡءٖ رَّحۡمَةٗ وَعِلۡمٗا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ (٧) ﴾ غافر.
قول الحق: ﴿ وَيُؤۡمِنُونَ بِهِۦ﴾ عائد على الملائكة، إنهم يُؤمنون بربهم؛ والإيمان لا يكون إلَّا بغيب؛ ذلك دليل على أنهم لم يروا الله دون حجاب..
فكيف للبشر أن يروا الله دون حجاب، والله – سبحانه و ـ تعالى – يقول : ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ (٥١) ﴾ الشورى.
والله أعلم.