بعد أن جاوز اللهُ – تعالى – ببني إسرائيل البحر؛ دار حوار بين موسى، والمجموعة التي خرجت معه من بني إسرائيل.
هل بني إسرائيل يُطلق على كل بني إسرائيل؛ أم يُطلق كذلك على مجموعة منهم؟
لفظ: (بني إسرائيل) يُطلق على كل بني إسرائيل؛ وكذلك يُطلق على مجموعة منهم حتى إذا كانت تلك المجموعة تتكون من ثلاثة أفراد.
وحسب ما نتبين من سورة المائدة
ليس كل بني إسرائيل خرجوا مع سيدنا موسى، وهذا يعني أنَّه ليس كل أفراد بني إسرائيل كانوا في التيه.
لم يكن كل رجال، ونساء، وأطفال بني إسرائيل في التيه، ولكن مجموعة من رجال بني إسرائيل الذين خرجوا مع سيدنا موسى خوفًا من فرعون حين أراد قتل سيدنا موسى ومن معه.
ماذا نستنبط من بلاغة الآيات؟
بعد نجاة موسى – عليه السلام – ومن خرجوا معه من كيد فرعون؛ طلب سيدنا موسى من بني إسرائيل (من خرجوا معه هربًا من فرعون) أن يذكروا نعمة الله عليهم؛ حيث جعل فيهم أنبياءً وملوكًا؛ وطلب منهم أن يدخلوا الأرض المقدسة.
ولكن ماذا كان رد فعلهم؟
حسب ما جاء في سورة المائدة؛ قالوا له: ﴿ قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ (٢٢) ﴾.
دلَّ هذا على الجدال الدائم منهم مع سيدنا موسى..
لكن نصحهم رجلان من المؤمنين: ﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمَا ٱدۡخُلُواْ عَلَيۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَٰلِبُونَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (٢٣) ﴾.
هل استجابوا لقولهما؟
لم يستجيبوا؛ بل وصل بهم الأمر إلى أن قالوا لموسى – عليه السلام – : ﴿ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤) ﴾ المائدة.
بدا لسيدنا موسى أن جدالهم معه، وفسوقهم لأوامر الله تعالى قدل بلغ حدود الصبر.
لقد سيطر اليأس على سيدنا موسى من قولهم، وأفعالهم السابقة، مثل: (عبادتهم للعجل) فدعا ربه قائلًا: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ (٢٥) ﴾.
فجاءه حكم الله – تعالى – : ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ (٢٦) ﴾.
هذا هو حكم الله الَّذي نتبين منه: أنَّ عقوبة التيه في الأرض عادت على القوم الفاسقين من بني إسرائيل، وليست على الذين ءامنوا.
ماذا نستنبط من هذا؟
أنَّ موسى، وأخيه هارون – عليهما السلام – لم يكونا في التيه مع القوم الفاسقين.
وبالتالي
القول بأنَّ سيدنا موسى مات في التيه الَّذي استمر: (أربعون سنة) هو قول لا يتوافق مع ما نتبينه من ءايات القرءان.
بل موسى وهارون – عليهما السلام – لم يكونا في التيه من الأساس؛ لأن الله – عز وجل – فرَّق بينهما وبين القوم الفاسقين.
فكان التيه في الأرض أربعون سنة؛ هو عقوبة القوم الفاسقين الذين لم يستجيبوا لأوامر الله تعالى.
والله أعلم.