إصرار البعض على أن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ سُحر؛ بل وأثر السحر على عقله عدة أشهر فكان يخيل إليه أنه فعل الشئ وهو لم يفعله؟! وكان يهذي فيصعب حاله على الصحابة حين يروه!
هذا القول أراه يخالف سلامة العقيدة، وجعل من يطعنون في سلامة الوحي يقولون: كيف نأخذ بالقرءان من رسول قد سُحر، ولو كان رسولًا من عند الله لحفظه من السحر؟!
والعجيب أنَّ من يقولون: إنَّ النبي سُحر؛ يضربون مثلًا من القرءان بقولهم: ألم يُسحر موسى ـ عليه السلام ـ كما جاء في القرءان؟ كذلك الرسول سُحر!
ونقول لهم: لو سُحر الرسول كما تظنون؛ فهذا يؤثر على الرسالة التي جاء بها، ويجعل أعداء الإسلام يشككون الناس في الوحي؛ وبالتالي: في القرءان؟!
ونسألهم لعلهم يعودون: ما الفائدة التي ستعودون بها على الإسلام لو أثبتم للناس أنَّ النبي – عليه الصلاة والسلام – سُحر، وأنَّ السحر أثر على عقله فجعله يظن أنه فعل الشئ وهو لم يفعله؛ بل ويهذي فيصعب حاله على الصحابة؟!
هل هذا يفيد العقيدة؛ أم يضرها؟!
وما هي الفائدة التي ستعود على الناس من حدث ظني لم يشاهدوه؟!
أم أنه سيُحدث في أنفس البعض منهم الشك في الرسالة؟!
أليس الظن بأنَّ النبي سُحر يخالف العقيدة السليمة، وما جاء في القرءان؟!
لقد خلطوا بين الأشياء لأنهم لم يتبينوا من القرءان وبلاغته ما هو السحر الذي تعرض له سيدنا موسى حين ضربوا لنا الأمثال!
موسى ـ عليه السلام ـ سُحرت عيناه وليس عقله.
فلا يمكن سِحر العقل لأنه مناط التكليف، وميزان يفرق بين الحق والباطل.
وما الدليل على أنَّ عقل سيدنا موسى لم يتم سِحره، ولكن ما سِحر هو عيناه؟
﴿ قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ (١١٦) ﴾ الأعراف؛ إنَّ القرءان بالغ الدقة، والكمال؛ فتدبروا ءاياته.
لقد جاء الوصف البليغ ليبين لنا ما تعرض له سيدنا موسى، والناس من فعل السحرة.
إنَّ ما فعله سحرة فرعون لم يُسحر عقول الناس، ولكن سحر أعينهم.
﴿ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ ﴾ تعني أنَّ الثعابين التي خُيل للناس من السحر أنها تسعى؛ لم تكن صورة لثعابين حقيقية.
إنَّ ما حدث يشبه الذي نراه في العصر الحديث من ألعاب سحرية تأثيرها يقع على العين، وليس على العقل؛ فلا يهذي الناس بسببها.
كذلك سيدنا موسى لم يتعرض للهذيان؛ لأن السحر أثر على عينيه وليس على عقله.
فلماذا ضربوا لنا ذلك مثلًا من القرءان ليثبتوا للناس أنَّ النبي كذلك سحر كما سحر سيدنا موسى؟!
أليس ما يزعمونه من سِحر تعرض له الرسول – عليه الصلاة والسلام – لا يتوافق مع سحر العين الذي تعرض له موسى – عليه السلام – ؟!
وإن أصروا على قولهم الذي يخالف العقيدة؛ فليأتوا بآية من القرءان الذي نأخذ منه عقيدتنا تقول: إنَّ النبي سُحر؟!
لقد خلطوا الأمور حين شبهوا ما يزعمون من سِحر للنبي – عليه الصلاة والسلام – بما حدث لسيدنا موسى؟!
إنَّ تعرض العين للسحر لا يجعل الإنسان يهذي (لا يغيب العقل)، ولا يصيب الإنسان بالنسيان، وتأثيره على العين يذهب بمجرد إنتهاء الساحر من صناعة السحر.
فما حدث لسيدنا موسى لم يكن مرضًا، أو ذهابًا للعقل؛ بل كان مجرد تخيل بسبب قدرة السحرة على اتقان ما صنعوا ﴿ قَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ (٦٦) ﴾ طه.
إن ما تعرض له موسى ـ عليه السلام ـ يمكن أن يتعرض له أي إنسان بسبب حركة الأجساد أمام العينين بطريقة معينة أتقنها الساحر، ولكن يظل السحر ـ مجرد ـ خيالًا أمام العين وما هو بحق.
بينما يقولون: إنَّ سيدنا محمد كان ينسى، ويهذي؟! فأين تشابه بين سِحر العين، وسِحر العقل؟!
أم سيقولون: إنَّ ما تأثر من السحر هو عقل سيدنا موسى؟!
بل العقل جعله اللهُ – تعالى – ليفرق به الإنسان بين الحق والباطل؛ وما فعله سحرة فرعون لم يكن حقًا.
كما أنَّ سِحر العينين لا يجعل الإنسان ينسى، أو يخيل إليه في حياته أنه فعل الشئ وهو لم يفعله، ولا يجعله يُصاب بالهذيان؛ كمن ذهبت الخمر بعقله فلا يدري ماذا يقول، أو ماذا يفعل..هذا لم يتعرض له سيدنا موسى وقت أن سُحرت عيناه.
فلماذا التشبيه بين ما تعرض له سيدنا موسى من سحر للعينين، وما يقولون أنه أصاب النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ من سحر جعله لا يدري ماذا قال بالأمس، أو ماذا فعل؟!
إن السحر الذي تعرض له سيدنا موسى كان سحرًا للعينين ﴿ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ ﴾، لم يذهب بالعقل؛ لذلك لا يجوز الاستدلال به لاثبات أن النبي سُحر؛ وكان لا يدري ماذا قال بالأمس، أوماذا فعل؟!
ويظل القول بسحر النبي – عليه الصلاة والسلام – يخالف ءايات القرءان التي بينت لنا أن الله تعالى حفظ النبي من الناس فلم يتمكنوا من أن يضروه أبدًا.
قال اللهُ ـ تعالى ـ الذي أحاط بكل شئ علمًا والذي قوله الحق:
﴿ نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذۡ يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا (٤٧) ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا (٤٨) ﴾ الإسراء؛ إنها ءاية بينة، مفصلة، وناهية، لا تحتاج لتأويل، تنفي بشكل قاطع أنَّ النبي سُحر.
ألا يكفيهم قول الله – تعالى – الذي يعلو فوق كل قول وهو يصف من يقولون عن الرسول: (رجلًا مسحورًا) بأنهم الظالمون؟!
فهل ينتهون؟!