A peaceful mosque interior featuring a backlit window, rehal stand, and intricate architecture.

البعضُ يقول: إنَّ الله يتكلمُ بصوت وحرف! والبعضُ الآخر يقول: إنَّ القرءان (كلام الله) مخلوق!

ينشأ هذا عندما يتم الخلط بين الكلام والقول فلا يتم إدراك المعنى الخاص بكل لفظ.

ما هو الفرق بين: كلام الله، وكلام المخلوق؟

كلام الإنسان المخلوق يحتاج إلى مرور وقت كي ينشأ في نفسه، ويدرك معانيه.

وماذا عن النطق؟

هذا ما يُسمى بالقول؛ القول هو الذي ينقل الكلام الذي نشأ في النفس إلى خارجها (في حال أرادت النفس التعبير عما بداخلها من كلام).

ومن أمثلة (وسائل) القول: الصوت، والكتابة بالحروف، وكذلك الإشارة؛ كل هذا من (وسائل) القول.

إذًا القول ليس هو الكلام؛ إنَّما هو وسيلة التعبير عن الكلام؛ لنقله إلى خارج النفس.

ما سبق عن الكلام الخاص بالمخلوق، لا ينطبق على كلام الله؛ لأنَّ الله – تعالى – لا يمرُ عليه وقت ليتكلم؛ فالله هو من خلق الزمان، لذلك فإنَّ الله – سبحانه وتعالى – لا يحتاج لوقت لينشأ الكلام في نفسه.

هذا يجعلنا نقول: كلام الله ليس مخلوقًا لذلك لا ينطبق عليه ما ينطبق على الكلام المخلوق الذي ينشأ في الزمن.

لكن البعض قال: (إنَّ الله يتكلم بصوت وحرف، يتكلم، ويسكت)؟!

لقد جعلوا بقولهم هذا كلام الله شبيه بكلام المخلوقات!

كيف ذلك؟

لأن التكلم والسكوت متغايران زمنيًا: يتكلم في زمن يمر عليه، ويسكت في زمن ءاخر!

هذا ينطبق على كلام المخلوق، وليس على كلام الخالق.

الإنسان يحتاج إلى مرور الزمن عليه ليتكلم، لكن الله – تعالى – خالق الزمن لا يحتاج لزمن ليتكلم.

فكلام الله من صفاته، وصفات الله ليست مخلوقة (لم يكتسبها اللهُ مع الزمن).

إنما كلامه – سبحانه وتعالى – يأتينا نحن في زمن لأننا مخلوقون يمر علينا الزمن.

حين تدبرنا الآيات الكريمة التي ذَكرت لفظ: (القول).

(وكان ذلك في موضوع سابق فرقنا من خلاله بين: (الكلام، والقول، والنطق) وجدنا أنَّ القول دائمًا مخلوق يتجسد أمامنا، سواء كان ذلك في صورة حروف، أو كان منطوقًا (صوتًا، وحرفًا) أو إشارة، أو وحيًا.

وهل الوحي مخلوق؟!

نعم، الوحي مخلوق لأنَّه من أشكال القول؛ لهذا يستحيل وصف ما سمعه موسى – عليه السلام- من نداء خرج من الشجرة حين كلمه الله؛ بأنَّه صوت الله الذي خرج من نفسه!

لأن الصوت حتمًا يكون مخلوقًا؛ ولأن الصوت من المخلوق؛ فهو ليس من الصفات التي تنسب لله – عز وجل – لأن صفات الله ليست من المهلوقات.

نحن ندرك من ءاثار صفات الله، ولا ندرك ذات الصفة.

ون الصوت ليس من الصفات؛ إذًا لا ينبغي لأحد أن يقول: إنَّ لله صوت وحرف.

ومن الأدلة التي نتبينها من القرءان الكريم؛ القول الذي نقل القرءان إلى الناس، والجن؛ جاء وصفه في القرءان: (إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ (٤٠) ﴾ الحاقة.

لماذا؟

لأن القول مخلوق من صوت وحرف.

كذلك القول الذي أوحى الله به القرءان إلى الملائكة وسيدنا جبريل هو كذلك: قول مخلوق.

فنقول: قال الله؛ وهذا يعني أنَّ الله هو من خلق القول الذي ينقل كلامه إلى المخلوقات.

ونقول: قال الرسول إذا كان الرسول بقوله هو يبلغ كلام الله.

أما القرءان فهو كلام الله، وكلام الله من صفاته؛ لهذا القرءان ليس مخلوقًا، ولكن القول الذي ينقله للناس، مثل: النطق دائمًا يكون مخلوقًا.

ماذا نتبين من ذلك؟

القرءان كلام الله كما وصفه – سبحانه وتعالى – أمَّا القول الذي نقله إلينا فهو قول رسول كريم؛ هكذا أنبأنا اللهُ في القرءان الكريم.

وهل من دليل على ذلك؟

قال – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ (٦) ﴾ التوبة.

لم يقل حتى يسمع قول الله، ولكن قال – جل وعلا – : ﴿ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ﴾ فنحن نسمع كلام الله من خلال قول خلقه الله لنا، ومن يسمع يعني أنه يسمع كلام الله منطوقًا.

هل القول هو الصوت والحرف فقط؟

الحروف المخطوطة على الصحف هي كذلك من أشكال القول، خلقها اللهُ لتنقل كلامه إلينا، تشاهدها بعينيك مثل ما تسمع كلامَ اللهِ منطوقًا بأذنك؛ فذلك هو القول الذي تتعدد وسائله بين: النطق، المخطوطات، الإشارة، وغير ذلك من وسائل القول.

ولكن ماذا عن القول الذي يأتي من عند الله بغير رسول؟

لاحظوا: (من عند الله، وليس من نفسه).

إنَّه الوحي؛ خلقه اللهُ لينقلَ كلامه إلى من أراد من مخلوقاته.

مثل قول الله – تعالى – حين أوحى للسماء والأرض: ﴿ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ (١١) ﴾ فصلت.

الوحي يمكن أن يكون بصوت وحرف.

أو بأي وسيلة أخرى، ولكن فيه المُوحى إليه لا يبصر، أو يسمع المُوحي – صاحب الوحي -.

لكن هل الوحي يكون من الله وحده؛ أم يجوز أن توحي المخلوقات إلى بعضها؟

من القرءان يتبين لنا أنَّ الوحي يُنسب للمخلوقات؛ كما أوحى سيدنا جبريل القرءان إلى الرسول – عليه الصلاة والسلام -.

وكما في قول الله – تعالى – : ﴿ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ ﴾ من الآية (١١٢) الأنعام.

لقد وصف اللهُ قولهم لبعضهم بالوحي، ووصف الوحي بالقول، ولأن القول مخلوق إذًا الوحي مخلوق.

إنَّ المجرمين يوم الحساب سيتكلمون ولكن دون أن ينطقوا باللسان والشفتين (دون صوت، وحرف).

ربما كان كلامهم يوم الحساب عن طريق الوحي، أو بالإشارة.

ولكنَّه لن يكون عن طريق النطق كما أنبأنا اللهُ – تعالى -.

وعودة إلى من خلطوا بين الكلام، والقول، وقالوا: إنَّ اللهَ كلمَ موسى بصوت وحرف؛ فنسبوا لله تعالى الصوت والحرف (وهما من القول الذي تبين لنا أنَّه مخلوق).

حيث اتخذوا من كلام الله: ﴿ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا ﴾ من الآية (١٦٤) النساء؛ دليلًا على أنَّ لله صوت وحرف من صفاته؟!

ولم يتبينوا أنَّ الكلام ليس هو ذاته الصوت والحرف فهما مخلوقان؛ لأنَّهما من القول، والقول مخلوق وليس من الصفات.

نصف الإنسان بأن له قول، ولكن القول ليس هو الصفة ذاتها.

إنما الصفة هي أن نقول: الإنسان متكلم.

وإذا انتبهوا لِمَا في الآية الكريمة من بلاغة: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ (٥١) ﴾ الشورى؛ لأدركوا أنَّ الصوت – الذي هو شئ (مادي) – هو ذاته الحجاب الذي كلمَ اللهُ موسى من ورائه.

ولتيقنوا أنَّه لا ينبغي أن ينسبوه لنفس الله – سبحانه وتعالى – بقولهم: إنَّه صوت الله الغير مخلوق!

إنَّ الآية الكريمة بينت أنَّ الله ينقل كلامه؛ إما وحيًا (والوحي كما قلنا: مخلوق)، أو من وراء حجاب؛ وهو ما حدث مع موسى – عليه السلام -.

إنَّ الصوت الذي سمعه سيدنا موسى كان مخلوقًا يأتيه من الشجرة، وليس من كل مكان كما ظن البعض؛ هكذا أنبأنا اللهُ – عز وجل – في كتابه ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) ﴾ القصص.

إنَّ الله – تعالى – ليس كمخلوقاته يمر عليه زمن، أو يحويه مكان، أو يتحرك و يسكن، أو يتكلم ويسكت، أو ينتظر مرور الأحداث ليتكون بداخله علمًا بها، فكل ذلك لا ينبغي في حق الخالق – سبحانه وتعالى -.

والأمر الصائب؛ هو أن ننسب القول من صوت وحرف انتساب المخلوق للخالق، وليس أنَّهما من نفسه ـ سبحانه وتعالى -.

القرءان الكريم هو: كلام الله، الذي لا يحتاج لزمن ليتكلم به.

إنما الزمن يكون مقياسًا لنا، وليس لله.

لأن كلام الله نعلم به بعد زمن يمر بنا نحن المخلوقين.

ومن صفات الله أنه يتكلم، ولكن ليس في زمن، ليس: في الماضي، ولا في الحاضر، ولا في المستقبل.

إنما ذلك يمر علينا نحن، ولا يمر على الخالق.

أما القول فهو المخلوق لأنَّ القول من الأشياء التي خلقها اللهُ – عز وجل -.

وليتنا دائما نرجع إلى كلام الله عن نفسه: ﴿ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ﴾ من الآية (١١) الشورى.

وأخيرًا

إنَّ القرءان هو كلام الله غير المخلوق، أمَّا القول الذي ينقل كلامه – سبحانه وتعالى – فهو مخلوق، كما هو الأمر مع الصوت الذي سمعه موسى – عليه السلام – الذي خرج من الشجرة.

حتى حين يوحي اللهُ – تعالى – إلى بعض مخلوقاته؛ فإنَّ هذا الوحي يكون من القول الذي يخلقه الله لينقل كلامه – سبحانه وتعالى – إلى من أراد من مخلوقاته.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart