جعل الله في قصصهم العبرة، والموعظة الحسنة، يقتدي بخلقهم كل من أراد الدار الآخرة.
ومن تلك القصص التي تُعلم الناس كيف يتقون ربهم؛ ما جاء في قول الله – تعالى – : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ من الآية (٢٤) سورة يوسف.
تنقل لنا الآيات المعنى الحقيقي لما حدث وهو:
قد يظن بعض الناس أنَّ يوسف – عليه السلام – لم يستجب لامرأة العزيز؛ لأنه لم يبلغ بعد سن الرشد!
بل كان إنسانًا سويًا مكتمل الرجولة؛
ذلك ما نتبينه من قول الحق: ﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ الذي بيَّن أنَّه إنسان سوي.
لكن الآية تنقل لنا معنى ءاخر كان هو السبب في امتناع يوسف – عليه السلام – من الوقوع في الفاحشة؛ إنَّه يؤمن بالله وعَلِمَ عِلم اليقين أنَّ الزنا فاحشة وساء سبيلًا، لا يفعله إلَّا الظالمون.
وقد اختلف الناس في ما هية البرهان الذي رءاه سيدنا يوسف من ربه:
تعددت الروايات ولم تخلُ من الإسرائيليات.
منهم من قال: إنه جلس منها مجلس الأزواج فظهر له أبيه (سيدنا يعقوب) يحذره من الزنى.
لكن ما نتبينه من بلاغة البيان في القرءان، يُنكر ذلك الرأي.
فما هو البرهان الذي رءاه سيدنا يوسف من ربه منعه من الوقوع في معصية الله؟
إنَّ يوسف – عليه السلام – لم يسعَ إلى الفاحشة، أو يفكر فيها؛ وهذا ما دلَّ عليه لفظ: (لولا)، ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ من الآية (٢٤) يوسف.
(لولا) تعني أنه مستحيل حدوث أن يهم بها لأنَّه رأى برهان ربه (قبل أن تراوده امرأة العزيز عن نفسه).
كيف ذلك، وما هو البرهان الذي رءاه؟
البرهان الذي نستنبطه من بلاغة البيان في الآيات هو أنَّ يوسف – عليه السلام – علم من قبل ما حدث؛ أنَّ ما تدعوه إليه امرأة العزيز هو من الفحشاء، وأنَّ الزنى فاحشة وساء سبيلًا.
فأصبح سيدنا يوسف على علم من ربه – من قبل أن تراوده امرأة العزيز – فلم يقع في ما يُغضب ربه – عز وجل -.
ما الدليل على ذلك؟
الدليل هو ما نتبينه من قول الحق: ﴿ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ﴾.
البرهان الذي رءاه سيدنا يوسف من قبل، هو أنه علم أنَّ ما تريده امرأة العزيز يُغضب اللهُ.
وكان ذلك سببًا في إنصراف السوء والفحشاء عن يوسف – عليه السلام – فلم يقع في الزنى، أو في مقدماته.
وقول الله – تعالى – : ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ يُبين لنا أنَّ نفس يوسف طيبة، فهو يؤمن بالله، لا يعصيه ما أمره؛ فاستخلصه الله ليكون نبي، ومن استخلصه اللهُ – تعالى – للنبوة لا يعصي الله، ولا يضعف أمام المعصية.
لقد بيَّنت لنا الآيات الكريمة: أنَّ الإيمان بالله، وعلم الإنسانُ بالحق الذي بيَّنه اللهُ لنا في كتبه؛ سيكون بإذن الله سببًا في علم المؤمن بما هية المعصية، وبالتالي ابتعاده (بفضل الله ونعمته) عنها إذا جاءته.
ومن حاد عن هذا فهو ضعيف النفس أمام ما حرمه اللهُ – تعالى -.
والله أعلم.