الفرق بين لفظي: (فاحشة، الفاحشة) وتصحيح مفاهيم خاطئة لدى بعض الناس.

فاحشة، الفاحشة كلاهما من الفواحش..

قال اللهُ تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ ﴾ من الآية (١٩) النساء.

فاحشة تدل على علاقات (جسمية) غير مشروعة بين رجل، وامرأة، وأشدها: العلاقة الكاملة وهي: فاحشة الزنى.

﴿ فاحشة مُّبَيِّنَةٖۚ ﴾ ما المقصود بلفظ ﴿ مُّبَيِّنَةٖۚ ﴾؟

(أي) فاحشة لا يمكن إنكار حدوثها؛ فلن يكون للزوجة التي فعلت فاحشة مبينة أي حقوق (خاصة) لدى زوجها.

ويتبين لنا من عدم وجود (ألف، ولام التعريف) قبل لفظ: (فاحشة) حين يتم ذِكره في كتاب الله.

وفي أحيان أخرى تأتي مصحوبة بلفظ ءاخر يُبينها (مضاف إليه).

ماذا نستنبط من ذلك؟

ما نستنبطه هو أنَّ لفظ (فاحشة) يدل على فعلين محرمين، وليس فعلًا واحدًا.

فقد يكون المراد بها فاحشة لا تصل إلى حد العلاقة الكاملة؛ أي دون الزنى، وقد يكون المراد بها علاقة كاملة محرمة بين رجل وامرأة؛ التي قد تسفر عن نسل (أطفال)، وهي الأشد، وتلك تُسمى: (فاحشة الزنى).

يتبين ذلك من قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا (٣٢) ﴾ الاسراء؛ إنَّ الآية تُبين أنَّ الزنى هو فاحشة.

هل الزنى يمكن أن يتم اثباته بغير شهداء؟

نعم، حيث نتبيَّن ذلك في قول الله تعالى: ﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ﴾ من الآية (٢) النور، نلاحظ لم يتم ذكر شهداء لإثبات واقعة الزنى؛ لماذا؟ لأنَّه قد يَثبت عن طريق ءاخر غير الشهداء؛ فقد يثبت عن طريق حمل الزانية، أو حتى يثبت عِلميًا (في العصر الحديث عن طريق اختبار الحمل) وربما ثبت عن طريق الشهداء، أو غير ذلك مما قد نجهله الآن..

إذًا لفظ ﴿ مُّبَيِّنَةٖۚ ﴾ هو من البيان، وجاء نكرة ليدل على كثرة الطرق التي يُمكن بها إثبات الزنى (كالوسائل العلمية المعاصرة)، وليس عن طريق الشهداء فقط.

وذلك أراه من دقة ألفاظ كتاب الله، وعلم الله ما هو قادم.

كذلك يدل على إحكام الله لآياته؛ لأنَّ الشئ إذا أصبح بيِّنًا؛ فإنَّه لا يحتاج إلى شهداء.

لكن في حال الفاحشة (بألف ولام) الأمر اختلف؛ لأنَّ الله تعالى أمر بوجود أربعة شهداء (من المؤمنين، وليس من غيرهم)؛ لماذا أربعة شهداء؟

ذلك من دقة القرءان.

فالزنى قد يثبت عن طريق حمل الزانية، أو اختبار الحمل.. فهناك عدة طرق لإثبات الزنى، لكن الفاحشة لا تثبت إلَّا عن طريق الشهداء فهي لا تُسفر عن حمل؛ لأنَّها ليست بين رجل، وامرأة.

وهذا دليل قاطع على أنَّ الفاحشة ليست هي فاحشة الزنى (أي ليست هي فاحشة بين رجل، وامرأة)؛ وإلَّا كانت تَثبت من خلال طرق أخرى كالحمل، وليست بالشهداء فقط!

إذًا الفاحشة لا تثبت إلَّا عن طريق الشهداء ( ولو عن طريق كاميرات، أو اختبار فلابد من وجود أربعة شهداء على ذلك من المؤمنين الذين يرضون شهادتهم).

ما هي الفاحشة كما ذَكرها القرءان؟

الفاحشة كما نَتَبَيَّن معناها من كتاب الله: هي علاقة جسمية غير شرعية بهدف الشهوة التي تكون بين امرأة، وامرأة أخرى، أو بين رجل، وءاخر. والفاحشة يُطلقون عليها حديثًا لفظ: (المثلية)..

إذًا الفاحشة لن تُسفر عن حمل (عكس فاحشة الزنى).

وما الدليل على أنَّ الفاحشة هي المثلية، وليست علاقة غير مشروعة بالجسم بين رجل، وامراة؟

الدليل على أنَّ الفاحشة هي المثلية، وليست علاقة غير مشروعة بين رجل، وامرأة؛ هو قول الله تعالى: ﴿ وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ (٢٨) أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَ ﴾ من الآية (٢٩) العنكبوت.

الآية تُبين لنا أنَّ الفاحشة التي انتشرت في قوم لوط، وهم أول من فعلوها بين البشر، وهذا ليس له علاقة بالزنى الذي سبق قوم لوط.

إذًا الفاحشة هي علاقة (جسمية محرمة) بين رجل، وءاخر، حسب ما نستنبطه من الآية؛ وهذا يؤكد أنَّ الفاحشة ليست هي العلاقة الجسمية المُحرمة بين رجل، وامرأة (لاحظوا دقة الألفاظ في كتاب الله بين لفظي: (فاحشة، الفاحشة)

قال اللهُ تعالى: ﴿ وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا (١٥) ﴾ النساء، (يجب أن يكون الشهداء الأربعة من المؤمنين) الفاحشة هنا تعبر عن العلاقة المُحرمة بين امرأتين، وليست بين امرأة، ورجل.

﴿وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا (١٦) ﴾ النساء، الَّذان: إشارة إلى علاقة جسمية مُحرمة بين رجل، وءاخر، وليس بين رجل، وامرأة؛ لأنَّ ما يكون بين رجل، وامرأة قد تَبيَّن لنا أنَّه يسمى: فاحشة (وليس الفاحشة).

وهنا نلاحظ تكامل التشريع في الآيات؛ لأنه ذَكر الفاحشة بين امرأة، وأخرى وبيَّن عقوبتها.

وذَكر الفاحشة بين رجل، وءاخر، وبيَّن عقوبتها، وذَكر وجود أربعة شهداء.

أما لفظ (فاحشة) فكما قلنا يدل على علاقة بالجسم بين رجل، وامرأة

يظهر ذلك في قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا (٢٢) ﴾ النساء؛ وَصف اللهُ تعالى العلاقة غير المشروعة بين رجل، وامرأة (لا تحل له) بأنَّها: (فاحشة).

وبعد أن تَبيَّن لنا أنَّ الفاحشة التي يسمونها: (المثلية)، أو التي يُطلقون عليها بالخطأ لفظ: (اللواط) نسبة إلى لوط – عليه السلام – يتبين لنا كذلك أنَّه لا يجوز أن يُطلقون عليها لفظ: (لواط) لأنَّ الله لم يسمها (لواط) بل سماها: (الفاحشة).

كذلك وصفِها باللواط، أو بالمثلية؛ أضاع المعنى الحق للفظ (الفاحشة) الذي جاء وصفًا لفعل قوم لوط الذين كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، ويقطعون السبيل (النسل).

إنَّ الوصف الخاطئ لِمَا تدل عليه (الفاحشة) جعل الأمور تتداخل، ويحدث تأويل عند تبين الآيات التي جاء فيها لفظ: (الفاحشة) فظنها بعض الناس: أنَّها (أي الفاحشة) تدل على العلاقة المحرمة بين رجل، وامرأة فتداخل معناها مع معنى (فاحشة)!

إنَّ لفظ (الفاحشة) هو الوصف الصائب، والدقيق لِمَا تم تسميته بالخطأ (اللواط)، أو (المثلية).

وسيكون لهذه الدقة اللفظية، والتفريق المحكم بين لفظي: (فاحشة، الفاحشة) دورًا في تبين العقوبة الخاصة (بالفاحشة) كما جاءت في كتاب الله..

الدليل الأخير على أنَّ الفاحشة هي علاقة جسمية غير مشروعة بين رجل، وءاخر، أو بين امرأة، وأخرى هو لفظ: (السبيل)..

السبيل هنا هو ما يُؤدي إلى النسل (أي إنجاب أطفال).

لكن حين ذَكر اللهُ تعالى لفظ: (الفاحشة)، وذَكر معها لفظ: (السبيل) قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ (٢٨) أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ ﴾.

لأن الفاحشة بين رجل، وءاخر بيَّن أنَّ بفعلهم ذلك يقطعون السبيل (الذي ينتج عنه النسل، أو إنجاب أطفال).

وهذا دليل على أنَّ الفاحشة هي: المثلية، وليست الزنى.

لكن الأمر أختلف مع لفظ (فاحشة الزنى) التي تتسبب في اختلاط الأنساب.

قال اللهُ تعالى: ﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا (٣٢) ﴾.

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا (٢٢) ﴾.

حين تتحدث الآيات عن علاقة مُحرمة بالجسم بين رجل، وامرأة يأتي لفظ (فاحشة) وليس (الفاحشة) وذلك من دقة الألفاظ في القرءان.

وفي كلا الآيتين جاء لفظ: ﴿ ساء سبيلًا ﴾.

ومثل ما قلنا: السبيل هو ما يُؤدي إلى النسل، ولأن (فاحشة الزنى) هي علاقة جسمية كاملة غير مشروعة بين رجل، وامرأة يأتي لفظ (سبيل): ﴿ وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا (٢٢) ﴾ النكاح بمعنى الزواج، وهو ما قد يُسفر عن نسل.

﴿ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا (٣٢) ﴾ الزنى هو فاحشة كاملة قد يُسفر عن نسل.

ولأن الله ينهى عن ذلك؛ وصفها اللهُ تعالى بأنَّها: ﴿ ساء سبيلًا ﴾.

(سبيلًا) لأنَّ العلاقة المحرمة هنا بين رجل، وامرأة قد تُسفر عن نسل، لكنه سبيل سئ غير مشروع؛ تسوء منه النفس السوية.

أما مع الفاحشة فجاء ﴿ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ ﴾.

﴿ أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ ﴾.

وهو دليل قاطع على أنَّ الفاحشة هي ما يكون بين رجل، وءاخر، أو بين امرأة، وأخرى لا تُسفر عن نسل

وما هو اللفظ الذي يُعبر عن الزنى؟

إنه لفظ (فاحشة الزنى) الذي أتى معه لفظ: (ساء سبيلًا)، وقد تم إسناد لفظ (فاحشة) إلى لفظ الزنى (ليُبينها) وهذا دليل على أنَّ لفظ: (فاحشة) هو لفظ متعدد الأفعال؛ لأن منه الزنى، ومنه ما دون الزنى لا يُسفر عن حمل.

ويُراد بلفظ فاحشة (بصفة عامة) علاقة جسمية محرمة بين رجل، وامرأة.

لو كان علاقة جسمية دون الزنى فهو: (فاحشة) ولو كان زني فهو: (فاحشة الزنى، وفاحشة مبينة).

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart