الرد على من قال: (إن قرار الطلاق يعود على الزوجين و أهلهما و ليس على الزوجين فقط).

هل قول الله – تعالى – : ﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ ﴾ يعود على الزوجين وأهلهما؛ كما قال: البعض؟!

قال صاحب هذا الرأي: جاء لفظ: ﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ﴾ بصيغة الجمع؛ لأنَّه يعود على الزوجين وأهلهما، وليس على الزوجين فقط!

ورأى: أنَّ الطلاق ليس قرار الزوجين وحدهما؛ بل هو قرار الأهل معهما، وأنَّ الطلاق لا يقع بمجرد موافقة الزوجين فقط؛ بل لا بد من موافقة الأهل!

وقال: لو كان قرار الطلاق خاص بالزوجين فقط؛ لجاء القول: (وإن عزما الطلاق) !

واستشهد بحتمية وجود: (حكمًا من أهله، وحكمًا من أهلها ) !

ذلك تأويل لآيات القرءان الكريم، وتغيير في أحكامه دون حق، فقط لأنه لم يتدبر الآيات كاملة.

كيف نُثبت أنه أخطأ في رؤيته، وخالف الآيات؟

لقد اقتطع قول الحق: ﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ ﴾ من سياقه فلم يتدبر الآيات التالية معًا:

قال الله – تعالى – : ﴿ لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ (٢٢٥) لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٢٢٦) وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ (٢٢٧) ﴾ البقرة.

وسنتبين من خلال الآيات على من عادت الآية الكريمة: ﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ ﴾؟

بداية: قرار الطلاق هو للزوجين (معًا) أو لأحدهما، وليس للأهل؛ لأنَّ العقد بين الزوجين.

أي يحق للزوج (كما هو معروف) أن يُطلق زوجته إن أراد ذلك، مثل ما يحق للزوجة أن تطلب الانفصال إن أرادت ذلك.

وحين يتدخل حكم من أهله، وحكم من أهلها؛ يكون بنية التوفيق بين الزوجين، للتراجع عن الطلاق؛ للحفاظ على الأسرة، وليس لأنَّ الأهل يرفضون الطلاق.

(قرار الطلاق هو من شأن الزوجين فقط).

بماذا نفسر قول الله – تعالى – : ﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ ﴾ لماذا جاء في صيغة الجمع؟

﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ ﴾ ليس موجهًا للزوجين، وأهلهما كما يظن البعض! ولا حتى للرجال ومعهم نسائهم.

لأن للقول سياق محدد لم يشمل النساء في تلك الآية.

إذًا إلى من يتوجه هذا الخطاب؟

لكي نتبين الإجابة؛ علينا أنَّ نعود إلى بداية الآيات؛ لكيلا ينقطع القول من سياقه..فيتم تحريف كلام الله عن مواضيعه..

قال الله – عز وجل – : ﴿ لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ (٢٢٥) ﴾ ماذا نتبين من الآية الكريمة؟

نتبين منها الحديث عن حلف اليمين.

كذلك نتبين أنها فصلت بين ما هو لغو (قول لا فائدة منه) أي القول الذي لا تتوافر فيه نية الطلاق، و بين ما كسبت القلوب؛ أي العزم على الطلاق.

بعد هذا ننتقل إلى الآية التي جاءت بعدها مباشرة؛ وهي قول الله ـ  تعالى ـ : ﴿ لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٢٢٦) ﴾.

هنا: يظهر لنا الفعل الذي صدر من الرجال نحو أزواجهم؛ وهو فعل: ﴿ يُؤلون من نسائهم ﴾ أي من حلفوا على سبيل المثال: ألَّا يقربوا أزواجهم لسبب ما، وكأنَّهم بذلك الفعل يعودون إلى الحالة الأولى التي سبقت الزواج (ءال الشئ إلى حالته الأولى؛ أي رجع إلى حالته الأولى ) وهنا رجع إلى ما قبل النكاح.

ولأنَّ في ذلك ضرر سيقع على النساء؛ فإنَّ الله – تعالى – شرع للرجال الذين يُؤلون من نسائهم مدة مقدارها أربعة أشهر؛ فإنَّ فاءوا خلالها؛ فإنَّ الله غفور رحيم (وهذا دليل على أنَّ الرجال فعلوا ما يحتاج رحمة الله لهم؛ لأنهم خالفوا شرع الله وأضروا بنسائهم) .

وإن لم يفيئوا (يعودوا) خلال مدة الأربعة أشهر، أو بعد قضائها مباشرة؛ يكونوا بذلك قد عزموا الطلاق من نسائهم ( وهنا الطلاق يكون بأمر من الله ـ تعالى ـ؛ لكيلا يقع ضرر على النساء) .

مما سبق نلاحظ أنَّ قول الله ـ تعالى ـ: ﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ ﴾ عاد على الرجال الذين يؤلون من نسائهم.

ولا يُراد به الزوجين معًا، ولا الزوجين وأهلهما، ولا حتى النساء مع الرجال..

إذًا قول الحق: ﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ ﴾

يخاطب الرجال الَّذين يُؤلون من نسائهم؛ فإن لم يفيئوا، وانتهت الأربعة أشهر؛ فإنَّ هذا معناه: أنَّهم عزموا (أي الرجال) الطلاق من نسائهم.

لنتدبر الآية كاملة وليس كمن اقتطعها من سياقها فغير مراد الله منها.

﴿ لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ﴾ ماذا يفعلون؟ ﴿ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ .

وإن لم يفيئوا (يعودوا إلى حكم الله).

سينطبق عليه قول الحق: ﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ﴾ سيكون الطلاق بحكم الله.

﴾  لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ (٢٢٥) لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٢٢٦) وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ (٢٢٧) ﴾.

وإن عزموا الطلاق جاءت جمع لأنها عادت على الرجال الذين تخاطبهم الآية، وهم من يُؤلون من نسائهم.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart