هناك من أراد اثبات صحة رؤيته في أنَّ الأرض ليست كُروية؛ فلجأ إلى تأويل ءاية كريمة؛ فأخرجها عن مرادها الحق!
إنَّ تدبر القرءان يجب أن يكون بعيدًا عن الرؤية المسبقة، أو ما يتمناه الفرد؛ وإن تبيَّن له أنَّ الحق مخالف لرؤيته السابقة؛ فعليه أن يعود إلى الحق الَّذي نتبيَّنه من القرءان.
ولكي لا أدخل في سياق كبير من القول عن كُروية الأرض، فإنَّني لن أقطع هنا بكُرويتها؛ وسأكتفي فقط بتبيُّن أنَّه أخطأ حين لجأ إلى تأويل الآية، وأعطاها مرادًا ليس لها.
فلكي يُثبت أنَّ الأرض ليست كُروية؛ اقتطع جزءًا من قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ (١٨) ﴾ واستشهد به، قائلًا: إنَّ قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ﴾ يُثبت أنَّ الأرض مُسطحة، وليست كُروية..
و حسب قوله: نحن في عصر الطائرة والصاروخ، ولوكانت الأرض كُروية، ولها حجم قطر مُحدد (١٢٧٤٢ كيلو مترًا تقريبًا)؛ فنحن نستطيع أن نقطع المسافة حول الأرض بالطائرة في ساعات، وبالصاروخ في أقل من ساعة! لهذا فهو يرى: أنَّ الأرض ليست كُروية؛ بل مسطحة (حسب وصفه) وكبيرة.
واستدل على هذا بقوله: نحتاج لكي نسير فيها إلى ليالي، وأيامًا؛ كما جاء في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ﴾.
فوجد أنَّ في ذلك تعارض بين قول البعض بكُروية الأرض، وما جاء في القرءان!
من الوهلة الأولى؛ يبدو كلامه صائبًا لكن حين نعود إلى القرءان، ونذكر الآية كاملة: ﴿ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ (١٨) ﴾ سيتبيَّن لنا أنَّ مراد الآية، ليس كما قال.
قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ (١٥) فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ (١٦) ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ (١٧) وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ (١٨) فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ (١٩) ﴾ سبأ.
يتبيَّن لنا: أنَّ الآيات هي من أنباء ما حدث في الماضي؛ حيث تتحدث عن أهل سبأ (منذ ءالاف السنين) وليس عن كل البشر، أو كل الأرض، أو كل الأزمنة.
أهل سبأ الَّذين كانوا يعيشون من ءالاف السنين؛ بلا شك لم يتنقلوا بالطائرة، أو الصاروخ.
وكانت أسرع وسيلة للتنقل في زمنهم بين البلاد، هي: الخيل؛ وبالتالي: السفر في ذلك الوقت إذا بلغ مئات الكيلو مترات؛ سيأخذ مدة زمنية تبلغ ﴿ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ﴾ كما ذكرت الآية الكريمة.
فحين يُرد القول إلى القرءان؛ نتبيَّن دقة الوصف الإلهي لآياته؛ فلا يُمكن لأحد ولو دون نيَّة منه أن يُغير مرادها الَّذي أراده الله.
كما تبين لنا الآيات تتحدث عن أهل سبأ، وليس عن شكل الأرض.