Open Quran on a wooden stand, showcasing Arabic text with a patterned background.

استبدال الَّفظ بلفظ ءاخر؛ هل يحول دون تبين دقة البيان في القرءان؟

تم تفسير لفظ الطود في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ (٦٣) ﴾ الشعراء، بالجبل العظيم، ولا شك أنَّ هذا يجعل صفات الجبل هي ذاتها صفات الطود (دون اختلاف)!

فهل هذا يتوافق مع بلاغة الآية ومرادها؛ أم أنَّه غيرَ (دون تعمد) المراد منها، وحال دون اكتشاف دقة البيان فيها؟

لماذا لم يقل اللهُ – تعالى – : (فكان كل فرق كالجبل العظيم) إن كان الطود هو الجبل، ولا اختلاف بين صفاتهما؟!

لمعرفة سبب ذلك؛ علينا أن نستنبط دلالة لفظ: (الطود)؛ ولكي نستنبط دلالته؛ علينا أن نتدبر الآية التي جاء فيها، وهي: الآية الوحيدة (في القرءان) التي تم فيها ذكر لفظ: (الطود).

كذلك علينا أن نستنبط دلالة الجبل من القرءان؛ لنتبيَّن صفات كل لفظ منهما، وحينها سندرك الدقة البيانية التي فرقت بين: الطود، والجبل؛ مِمَّا جعل الٌَفظ المناسب في الآية، هو: الطود، وليس الجبل.

وهو الشئ الذي يُبيِّن للناس أنَّ القرءان هو كلام الله، وليس كلام بشر.

إنَّ القرءان فرق بين الألفاظ حسب صفاتها؛ التي أحاط بها اللهُ – تعالى – علمًا.

وتلك الصفات لا يُمكن أن نُدركها إلَّا بتدبر القرءان؛ وبالتالي: تبين ءاياته من خلال ألفاظه بالغة الدقيقة، ومواضعها المحكمة.

في المقابل لا يمكن تبين بلاغة القرءان الكريم من خلال ألفاظ بديلة، أو من خلال دلالاتها البشرية غير الدقيقة، دون أن يتم إعادتها إلى القرءان الذي أحكم الله – تعالى – وجعله تبيان لكل شئ.

كيف نتبيَّن: صفات الجبل، أو بعض صفاته؟

من قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا (٧) ﴾ النبأ.

اللهُ – سبحانه وتعالى – وصف الجبال بأنَّها: (أوتادًا)؛ وإن دل هذا على شئ فإنه يدل على أنَّ شكل الجبل ليس مثل ما يبدو للناس؛ بل له صفات الوتد..

فما هو الوتد؟

هو جسد (صلد) جزء منه فوق سطح الأرض، والآخر تحت سطحها، ويتمثل دور الوتد (كما نعلم) في تثبيت الأشياء.

وقد سبق القرءانُ العلم الحديث، وازداد عليه في بلاغة الوصف؛ ذلك حين وصف الجبال: بالأوتاد.

في السنين الأخيرة اكتشف العلماء أنَّ الجبال ليست كما نراها بالعين: ترتفع فوق سطح الأرض فقط؛ بل لها امتداد تحت سطحها (يُشبه الجذور)؛ ومن بين مهام الجبال: تثبيت الأرض تمامًا مثل ما يُثبت الوتد الأشياء.

وماذا عن لفظ: الطود، وكيف نستنبط دلالته من القرءان، دون استبداله بلفظ ءاخر؟

حين نتدبر الآية التي جاء فيها لفظ: الطود؛ لنستنبط معناه: ﴿ فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ (٦٣) ﴾ الشعراء، يتبيَّن لنا: أنَّ الطود، ليس، هو: الجبل، ولا ينبغي أنَّ نفسره على أنَّه الجبل؛ لأنَّ هذا سيذهب بنا بعيدًا عن دلالة لفظ: (الطود) التي جاءت في الآية، وكذلك سيحول دون إدراك المراد الحق الَّذي أراده الله – عز وجل – من الآية الكريمة.

وبالتالي: لن نُدرك المعجزة البيانية فيها؛ والتي لا نُدركها؛ إلَّا حين نستنبط المراد الحق للفظ: الطود.

لذلك من الأفضل أن نستنبط معنى الَّفظ، وتبين الآية، وتفسير ما حدث لماء البحر حسب دلالة لفظ: (الطود) وليس دلالة لفظ: (الجبل) ظنًا أنَّ لهما دلالة واحدة؟!

وكيف نستنبط معنى لفظ: (الطود) من خلال تدبر الآية التي جاء فيها؟

قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ (٦٣) ﴾ لا شك أنَّ ماء البحر ارتفع فقط فوق سطح الأرض، ولم يخترق سطحها.

بذلك يتبيَّن لنا أنَّ الطود، هو: جسد يرتفع فوق سطح الأرض، ولا يخترق سطحها (ليس له امتدادًا، أو جذورًا تحت سطح الأرض).

ولأنَّ الجبل له جذور تحت سطح الأرض، كما نتبيَّنه من قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا (٧) ﴾ النبأ؛ هذا يجعلنا نُدرك الدقة البيانية البالغة والدقة الَّفظية التي جعلت كل لفظ في موضعه؛ حين وصف اللهُ ـ تعالى ـ ما حدث لماء البحر بالطود العظيم، ولم يقل ـ عز وجل ـ : كالجبل العظيم.

ذلك ما نتبيَّنه من دقة القرءان والبيان فيه (الَّذي لا يكون للمخلوقات)؛ حين تبيَّن لنا: أنَّ صفات الجبل تختلف عن صفات: الطود.

إنَّ الله يصف الأشياء بدقة بالغة تتوافق مع الحقائق، ونحن نتدبر القرءان؛ لنستنبط المراد الحق من ءايات الله دون تغيير فيها سواء من حيث الألفاظ أو مواضعها.

ولكي يتحقق ذلك؛ فعلينا ألَّا نستبدل الَّفظ الَّذي جاء في الآية؛ بلفظ ءاخر؛ لأنَّه لا يكون له ذات المعنى والدقة البيانية التي أرادها اللهُ خالق كل شئ.

لماذا؟

لئلا يختلف بيانها عما جاء في كتاب الله.

وإذا تدبرنا القرءان حسب الألفاظ التي جاءت فيه (دون استبدالها بألفاظ أخرى)؛ سيوفقنا اللهُ – تعالى – في تبيَّن المعنى الحق، والمراد من الآيات، وسيتبيَّن للناس أنَّ القرءان: لا يُشبه كلام البشر، أو كلام المخلوقات.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart