الرد على شبهة كيف تكون السيئة مرة من عند الله، ومرة أخرى تكون من الإنسان؟!

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا (٧٨) مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا (٧٩) ﴾ النساء.

لفظ (من عند) يدل على عملية خلق المكونات المادية، وأنها ملك لله وحده، تخضع لحكمته، وإرادته.

وبمقتضاه أتي وصف أنَّ الحسنة والسيئة من عند الله كمكونات مادية مملوكة لله، وتتم بقدرته حتى إذا كانت عبر الملائكة.

(من عند الله) ملك لله، مخلوقة بإرادته.

ما الذي نستنبطه من الآية الكريمة؟

الآية هنا تتحدث عن عملية الخلق التي تظهر من خلالها الحسنة، أو السيئة إلى الوجود؛ وهو ما دل عليه لفظ (أصابك) الذي يوضح أنَّ الحسنة، أو السيئة أصبحت واقعًا (مخلوقة) لا يملك الإنسان إيجادها من العدم.

الإنسان له رغبة في فعل الشئ، ولكن لا يمتلك خلق أفعاله.

لذلك الرغبة من الإنسان، والخلق من عند الله.

كيف ذلك؟

الفعل الذي يحول الرغبة إلى شئ مادي لا شك أنه يكون من عند الله – تعالى – لأن الله هو من يخلق أفعالنا.

نحن حين نتحدث عن الخلق المادي فلا بد أن يكون من عند الله وبالتالي تجسيد (خلق) الحسنة، أو السيئة من عند الله.

الإنسان لا يخلق أفعاله، لا يخلق مثلًا: حركة اليد، أو النطق، أو الصحة، أو المال الذي يتصدق به.

مثلًا: إنسان يرغب في في أن يتصدق بمال فإنَّ المال يكون عطاءً من عند الله؛ بل حركة الإنسان حين يتصدق بالمالأو مساعدة الناس هي كذلك مخلوقة من عند الله.

فهو أخذ حسنة مكوناتها المادية (خلقها) من عند الله – تعالى -.

وماذا عن حرية الإنسان واختياره لأفعاله؟

ذلك يكون بمشيئة الله وحكمته؛ فالإنسان له الرغبة التي تعبر عما في نفسه؛ أما خلق مكوناتها المادية (العمل، والفعل) فهي من عند الله.

لا شك أنَّ رغبة الإنسان تخضع لحريته حتى يحاسبه اللهُ على عمله دون أن يظلمه.

ذلك لئلا يكون الإنسان مجبرًا على الفعل.

لكن الفعل الذي يجسد الرغبة: هل يكون، أو لا يكون؛ فإن هذا من عند

الله؛ لأنه عملية خلق تلي رغبة الإنسان التي تنشأ في نفسه (بإذن الله) في عمل الشئ الذي يرغب في فعله.

هنا يأتي حكم الله بأنَّ رغبة الإنسان في عمل الشئ تكون في الوجود، أو لا تكون؛ أي تخلق، أو لا تخلق.

وبشكل موجز

تنشأ رغبة الإنسان في عمل الشئ؛ ثم يلي تلك الرغبة عملية خلق العمل، أو الفعل التي تكون من عند الله سواء نتج عن ذلك العمل، أو الفعل حسنة، أو سيئة.

لذلك قال اللهُ – عز وجل – ﴿ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ ﴾ أي عملية خلق العمل أو الفعل الذي سينتج عنه الحسنة، أو السيئة هو من عند الله.

إنَّ الله – تعالى – لا يأمر بالمعصية، إنما الإنسان هو من يرغب في فعلها.

لهذا فإن الرغبة في فعل الحسنة، أو السيئة تكون من النفس، وفعلها (إيجادها) يكون من عند الله ( الله يخلق الفعل بإرادته).

إذًا قول الله – تعالى – : ﴿ مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا (٧٩) ﴾ النساء.

نستنبط منه أنَّ الله يوفق الإنسان ويهيئ له فعل الحسنة.

أما السيئة فإن الله لا يرضى عنها؛ لهذا هي خالصة من نفس صاحبها.

أما قول الله – عز وجل – : ﴿ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا من الآية (٧٨) ﴾ النساء.

نستنبط منه

لفظ: (عند) يعني الملكية، أنها ملك لله، هو من يخلقها بحكمته، ومشيئته، وإرادته، ويسخر ملائكته لها.

لهذا لا يوجد تعارض بين الآيات: رغبة الفعل هي من الإنسان، ولكن الخلق الذي يجسد الرغبة في العالم المادي هي من عند الله – سبحانه وتعالى -.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart