الرد على شُبهة: (هل يتقي المؤمنون اللهَ حق تُقاته؛ أم يتقوه ما استطاعوا)؟!

أثار الملحدون شبهة زعموا فيها أنَّ القرءان يحوي تناقضًا بين ءاياته التي تتحدث عن تقوى المؤمنين لله ـ تعالى ـ.

فقالوا: مرة اللهُ يأمر المؤمنين بأن يتقوه ما استطاعوا، ومرة أخرى يأمرهم بأن يتقوه حق تقاته؟!

وهي من الشبهات التي يُكثر الملحدون الاستشهاد بها ليضلوا الناس بزعمهم: ما دام القرءان به تناقضات؛ فهذا يثبت أنه كلام بشر!

ومن ضمن الردود على هذه الشبهة القول: إنَّ ءاية ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) ﴾ آل عمران، نُسخت بقول الله ـ تعالى ـ : ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ۗ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) ﴾ التغابن.

لكن سيتبين لنا من تدبر الآيات، واستنباط ما بها من بلاغة بيانية..

أنه ليس في الآيات أي تناقض (اختلاف)، ولا وجود للنسخ بينها؛ بل لكل ءاية حُكمها الخاص بها الذي لا يمكن نسخه.

قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) ﴾.

 ﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ كانت لتحذير المؤمنين من الموت على الكفر، أو الشرك بالله؛ والدليل على ذلك من سياق القول: ﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.

لماذا ﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ المراد بها عدم الشرك بالله، أو الكفر به؟  

قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ (13) ﴾ لقمان.

والشرك لا يغفره الله أبدًا ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا (48) ﴾ النساء.

إذًا ما نستنبطه من الآية الكريمة هو أنَّ اللهُ ـ تعالى ـ يحذر المؤمنين من الموت على غير الإسلام؛ وهذا هو: حق تقاته.

والآن نتبين المراد من قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ۗ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) ﴾ التغابن.

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ أنَّه تحذير للمؤمنين من فتنة المال، والأولاد حتى لا تشغلهم عن الآخرة، أو تجعلهم يقعون في المعصية ـ في أمور حياتهم ـ فأمرهم اللهُ بأن يجتهدوا قدر استطاعتهم؛ لئلا يقعوا في هذه الفتنة.

وهذا يثبت أنه لا تناقض بين الآيتين، و كذلك يثبت أنه لا وجود للنسخ بينهما؛ لأن كل ءاية كما تبين لنا جاءت لحكم خاص بها ليس للآية الأخرى.

وكلتا الآيتين حكمها موجود لأن مراده كذلك لا يمكن نسخه.

فمرة ءاية كريمة تحذر المؤمنين من أن يموتوا غير مسلمين، ولا شك أنَّ هذا هو حق تقات الله ـ عز وجل ـ ومرة أخرى جاءت ءاية  لتحذر المؤمنين من الوقوع في الفتنة في أمور حياتهم؛ التي هي أمور نسبية لا يخلو مؤمن من الوقوع فيها؛ لذلك فهي تحتاج إلى جهاد النفس ما استطاع المؤمن، والمؤمنة، وهذا يتوافق مع بلاغة قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾.

قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (53) ﴾ الزمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart