A peaceful mosque interior featuring a backlit window, rehal stand, and intricate architecture.

الرد على من طعنوا قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗ ﴾.

قال من يزعمون وجود أخطاء في القرءان الكريم: كيف يأتي في ءاية واحدة لفظان: أحدهما وهو: ﴿ نُزِّلَ ﴾

يدل على نزول القرءان على فترات، وليس مرة واحدة، والآخر: ﴿ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ ﴾ الذي يدل على نزول القرءان مرة واحدة، وليس على فترات؟!

وقالوا: كان المفروض يأتي لفظ: ( أُنزِلَ) مع القول: ﴿ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ ﴾ وليس: ﴿ نُزِّلَ ﴾؟!

هذا التساؤل مبني على ظن البعض أنَّ: (جملة واحدة) تعني اللحظة الواحدة فقط؛ فيناسبها (حسب ظنهم) لفظ: (أُنزِلَ)، وليس لفظ: (نُزِّلَ)؟!

لكن سيتبن لنا؛ أنَّ: (جملة واحدة) يُمكن أن تُعطينا معنى ءاخر (غير اللحظة الواحدة).

لماذا لا تعني فقط اللحظة الواحدة؟

لأن لفظ: (حملة واحدة) لا يعني الزمن، ولكن مقدار الشئ؛ هل متقطع، أم لا.

كذلك يتوقف معنى ﴿ جملة واحدة ﴾ في الآية الكريمة على اللفظ الذي يأتي معها: هل هو: أُنزِلَ؛ أم: نُزِّلَ؟

إنَّ القرءان (كلام الله) بالغ الدقة، مُعجز في بيانه، يعلو على كلام البشر، لا يُمكن أن نتبين دلالات ألفاظه بنظرة تخلو من التأمل الشديد.

نعلم أنَّ اللفظ: (أُنزِلَ) يدل على أنَّ القرءان نَزَلَ إلى السماء الدنيا مرة واحدة.

أمَّا لفظ: (نُزِّلَ) فهو يدل على أنَّ القرءان كان يُنَزَّل على قلب النبي   خلال فترة زمنية (استمرت سنين) وذلك يعني أنه لم يتم نزوله عليه: (جملة واحدة).

(علينا أن نفرق بين المراد بلفظ: ﴿ جملة واحدة ﴾ وبين الزمن الذي تتم فيه).

وقد يسأل البعض: مادام أنَّ التنزيل يتم خلال فترة زمنية، وليس في لحظة واحدة.

إذًا؛ لماذا جمعت الآية بين لفظي: ﴿ نُزِّلَ ﴾ و ﴿ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ ﴾؟

مثل ما قلت، وللإجابة على ذلك التساؤل؛ علينا أن نتبين المراد من لفظ: ﴿ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ ﴾ الذي جاء في الآية؛ من خلال معنى لفظ: ﴿ نُزِّلَ ﴾ الذي ارتبط به.

(في غير القرءان) لو جاء القول: (لولا أُنزِلَ عليه القرءان جملة واحدة) أي بمجئ (أُنزِلَ) بدلًا من ﴿ نُزِّلَ ﴾ فإنَّ ذلك سيدل على نزوله دون أن يكون مقروءًا على الرسول ﷺ أي أنَّه كان سيُنزَّل مكتوبًا،

فقط، في لحظة واحدة، دون أن يُقرأ على الرسول ﷺ، بما يُشبه نزول التوراة جملة واحدة، وفي لحظة واحدة، لأنها لم تُقرأ على موسى – عليه السلام – وقت نزولها!

ولكن القرءان كان يُنزَّل على الرسول ﷺ مقروءًا.

اللفظ المناسب لنزول القرءان جملة واحدة ومقروء؟ا في ذات وقت النزول هو لفظ: ﴿ نُزِّلَ ﴾ وليس (أنزل) ليدل كما قلت على أنَّ القرءان كان سيُنزَّل عليه مقروءًا.

ماذا نستنبط من ذلك؟

لفظ: (جملة واحدة) ليس له دورًا في تحديد مقدار الزمن؛ هل هو (أي الزمن) لحظة واحدة؛ أم فترة زمنية طويلة (ساعات مثلًا).

لكن المراد هو أن يكون الزمن فترة زمنية متصلة؛ أي دون انقطاع حتى يكتمل تنزيل القرءان مقروءًا على الرسول ﷺ.

ذلك مراد الآية وليس أنه يَنزِل عليه في لحظة واحدة دون أن يُقرأ عليه.

إذًا دور ﴿ جملة واحدة ﴾ في الآية هو: أنها تُبين لنا: أن الزمن سيكون متصلًا، لا ينتهي حتى إتمام تنزيل القرءان الكريم على الرسول ﷺ كاملًا أي كان مقدار الزمن دقائق أو ساعات متصلة.. المراد هو أن تكون المدة الزمنية متصلة لا تنقطع حتى إكتمال تنزيل القرءان كله مقروءًا على الرسول ﷺ.

وبذلك يتبين لنا: أن الذي حدد الزمن في الآية (سواء كان زمنًا طويلًا؛ أو لحظة واحدة) هو لفظ: (نُزِّلَ) وليس لفظ: ﴿ جملة واحدة ﴾.

إذًا لفظ: ﴿ جملة واحدة ﴾ في الآية؛ دل على اتصال الزمن، وليس على مقداره.

نعلم أنَّ القرءان كان يُنَزَّلَ مقروءً (أي لم يَنزِل في لحظة واحدة كالتوراة). القرءان يختلف عن نزول التوراة التي نزلت في لحظة واحدة على سيدنا موسى مكتوبة في الألواح؛ أي لم تُنَزَّل مقروءة على موسى – عليه السلام – بل قرأها من الألواح بعد ذلك.

ولو نزلت التوراة مقروءة؛ كانت ستحتاج إلى فترة زمنية؛ حتى تكتمل قراءتها على سيدنا موسى.

قال الله – تعالى – : ﴿ نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ (٣) ﴾ آل عمران.

ولكن حين يقرأ سيدنا موسى التوراة على بني إسرائيل؛ فذلك تنزيل للتوراة على بني إسرائيل؛ لأن القراءة تتم عليهم على فترات زمنية (ولو قرأها عليهم جملة واحدة؛ أي في مدة زمنية متصلة؛ فهي كذلك ستكون بالنسبة لهم: تنزيل، ولكن جملة واحدة؛ لأنها ستكون مقروءة عليهم عبر مدة زمنية طويلة متصلة، وليست في لحظة واحد.

قال الله – تعالى – : ﴿ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلّٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (٩٣) ﴾ آل عمران.

ما المراد من لفظ: ﴿ تُنَزَّلَ ﴾ في الآية الكريمة؟

ما قلناه من قبل: أن التوراة قرئت على بني إسرائيل على فترات زمنية.

إذًا مجئ لفظ: ﴿ نُزِّلَ ﴾، وليس: (أُنزِلَ) مع لفظ: ﴿ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ ﴾ دلَّ على أنَّ مراد الكافرين هو: أن يُنَزَّل عليه القرءان مقروءًا، ولكن دون انقطاع؛ أي دون فاصل بين السور، والآيات حتى يكتمل التنزيل (يأتيه مقروءًا، ولكن: جملة واحدة؛ حتى ينتهي تنزيل القرءان كاملًا).

وهذا (في حد ذاته) كان سيحتاج إلى فترة زمنية، ولكن متصلة؛ حتى تكتمل قراءة القرءان كاملًا جملة واحدة على الرسول ﷺ.

(جملة واحدة) لا تعني اللحظة الواحدة، ولكن تعني تقليل الفترة الزمنية التي يُنَزَّل فيها القرءان مقروءًا على الرسول ﷺ.

كيف استنبطنا: أنَّ مراد الكافرين هو: أنَّ يُنَزَّلَ عليه القرءان جملة واحدة، مقروءًا في ذات الوقت ولو استمر ذلك ساعات متصلة؟

لأنَّ الله – تعالى – وصف قولهم قائلًا: ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗ ﴾ نلاحظ أنَّ الوصف جاء فيه لفظ: ﴿ لَوۡلَا نُزِّلَ ﴾، وليس (لولا أُنزِلَ) وهذا من بلاغة البيان في القرءان الكريم التي وصفت مراد الكافرين من قولهم ﴿ جملة واحد ﴾.

نعم، هذا هو ما دلَّ على مراد الكافرين وهو: تنزيل القرءان مقروءًا، ولكن جملة واحدة (أي دون انقطاع حتى يكتمل تنزيله) كما بينت.

فألفاظ: (تنزيل، يُنَزِّل، يُنَزَّل..ومنها اللفظ الذي جاء في الآية: ﴿ نُزِّلَ ﴾ ) كل لفظ منهم يعني مرور فترة زمنية حتى يكتمل التنزيل، ولا يراد به التنزيل في لحظة واحدة كالتوراة.

ذلك يدل على بلاغة الوصف في القرءان الكريم ، وكيف كل لفظ يأتي في موضعه بعلم من الله الذي يعلم ما تُخفي الأنفس، وما تُعلن.

ولكن لماذا لم يُنزَّل القرءان كاملًا على الرسول خلال عدة ساعات، ونُزيل عليه عبر سنين؟

كما جاء في الآية: ﴿ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا ﴾.

الله – تعالى – (بحكمته) أراد أن يُنَزَّلَ القرءان على النبي ﷺ على فترات (استمرت سنين) ليُثبت به فؤاده (الفؤاد هو ما يتم فيه جمع العلم، والتعامل معه).

وكذلك تُنَزَّل بعض الآيات التي تحوي لفظًا واحدًا، أو الآيات التي تحوي حكمًا واحدًا مع بعضها (لاستنباط معانيها)؛ وهذا هو المراد من قول الله – تعالى – : ﴿ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا ﴾.

ولإيجاز ما سبق

لو نُزِّلَ القرءان جملة واحدة؛ فإنَّ ذلك يعني أنَّه سيحتاج كذلك إلى انقضاء فترة من الوقت (ولو عدد من الساعات المُتصلة) حتى تكتمل قراءته على الرسول ﷺ لأنَّ القرءان كان يُنزَّل مقروءًا، وليس مكتوبًا على صحف كالتوراة.

إذًا؛ قول الله – تعالى – : ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ ﴾ دلَّ على إحكام الله لآياته (وليس اختلافها).

لأنَّ ﴿ نُزِّلَ ﴾ لا تختلف مع: ﴿ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ ﴾ حيث تعني (في كل الأحوال) انقضاء فترة من الوقت المتصل الذي لا ينقطع حتى يكتمل نزول القرءان الكريم.

(ولو في عدد من الساعات المتتالية). لذلك توافق معها ببلاغة رائعة لفظ: ﴿ نُزِّلَ ﴾ وليس لفظ: (أُنزِّلَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart