ظهر في السنين الأخيرة من ظن أنَّ قول الشهادة: (أشهد ألَّا إله إلَّا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله) هو قول يُخالف القرءان، ويُخالف معنى الشهادة؟!
لماذا قالوا هذا؟
لأنهم ظنوا أنَّ الشهادة لا تكون إلَّا برؤية من نشهد بوجوده رؤية بصرية، أو بالحواس، ولا تكون للغيب الذي لا نراه بالحواس..
لهذا بنوا رؤيتهم ـ التي أراها خاطئة ـ وطرحوا هذا السؤال: كيف نقول: نشهد، ونحن لم نرَ الله بالبصر، ولا رسوله؟!
وحسب ما جاء في قولهم: نحن لا نشهد بوجود الله لأننا لا نراه بالبصر، ولكن نؤمن به، وكذلك نؤمن بالرسول ولا نشهد بوجوده؛ لأننا لم نرَه بالبصر..
ما الخطورة في قولهم هذا؟
خطورة هذا القول لا تتوقف عند قول الشهادة، ولكن تتجاوزه إلى حد التشكيك في صيغة الآذان، وفي الشهادة التي نرددها في كل الصلاة؛ وهذا بدوره يُشكك البعض في الصلاة ذاتها!
بل إنَّ قولهم هذا يُخالف القرءان، وسنتبين ذلك في حينه..
ولكن أبدأ في الرد على أصحاب تلك الرؤية من خلال الأدلة المادية، ثم أختم ردي بالقرءان الكريم الذي يقول الحق، ويعلو فوق أي قول.
بداية:
نحن نؤمن بالله؛ لأن مشاعر الإيمان في قلوبنا تطمئن بأن الله هو الخالق الواحد، ونؤمن بالرسول؛ لأن مشاعرنا تطمئن بأن سيدنا محمد هو رسول الله، وأنَّ القرءان هو الرسالة التي حملها للعالمين.
ولكن الإيمان بالله ورسوله لا يعني أنَّ قولنا: أشهد ألَّا إله إلَّا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله هو قول خاطئ..
هل الشهادة تعني دائمًا رؤية ما نشهد بوجوده رؤية بصرية وحسية فقط؟
الشهادة لا تعني دائمًا رؤية من نشهد بوجوده رؤية بصرية، أو حسية بصفة عامة.
بل يكفي أن نرى الدليل المادي، والبرهان لنستدل به على وجود الله؛ فنشهد بوحدانيته.
نحن أمام شيئين: الإيمان بالغيب الذي تُعبر عنه المشاعر التي تكون في القلب، والشهادة التي تخرج قولًا، نستقيه من الأدلة المادية والبراهين.
مثلًا: يوم القيامة من الأمور الغيبية؛ لهذا نحن نؤمن بيوم القيامة؛ وكذلك نشهد بأن يوم القيامة حق..
لماذا نشهد؟
لأن هناك أدلة على ذلك في القرءان الذي بين أيدينا، والذي أنبأنا بيوم القيامة.
كيف نستدل ماديًا على وجود الله، وأنه إله واحد؟
إذا نظرنا في ملكوت السموات والأرض ورأينا ما بهم من ءايات؛ سندرك أنَّ ذلك من صنع الخالق العظيم الذي أتقن كل شئ؛ ولاستيقنا أنَّ الله إله واحد لا شريك له ﴿ وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ (88) ﴾ النمل.
نحن نشهد من خلال رؤيتنا للجبال على وجود خالق عظيم أتقن كل شئ ﴿ إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ
ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ (164) ﴾ البقرة.
ءايات كثيرة وعظيمة تنطق بوجود الخالق، وتنطق بوحدانيته.
كل ذلك هي أدلة مادية على أنَّ الله هو خالق كل شئ، لا إله غيره.
من هنا نحن نشهد (أي من خلال هذه الآيات المادية) نشهد أنه لا إله إلَّا الله. فنحن لم نرَ الله بالبصر، لكن رأينا ءاياته التي تجعلنا نستيقن أنه الخالق الواحد؛ وفي هذا دليل مادي وعقلي عل أنَّ الله هو خالق ملكوت السموات والأرض..
لماذا الله إله واحد؟
لأن الله أنبأنا بذلك؛ ولو كان فيهما ءالهة إلَّا الله لفسدتا ﴿ أَمِ ٱتَّخَذُوٓاْ ءَالِهَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ يُنشِرُونَ (21) لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسَۡٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسَۡٔلُونَ (23) أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡۖ هَٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِيَ وَذِكۡرُ
مَن قَبۡلِيۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ (24) ﴾ الأنبياء.
كذلك من الأدلة على أنَّ الله هو إله واحد، وهوخالق كل شئ؛ كلام الله: (القرءان الكريم)..
القرءان يحوي من البلاغة، والمعجزات البيانية، والعلمية ما يجعلنا نستيقن أنه كلام الله حقًا، وليس كلام بشر.
وهذا دليل على أن نشهد بوجود الخالق الواحد ـ من خلال ما نتبينه من القرءان ـ .
تلك أدلة مادية، وعقلية تجعلنا نشهد أنه: لا إله إلَّا الله.
وكيف نشهد بأنَّ سيدنا محمد هو رسول الله، ونحن لم نرَه بالبصر؟
نحن نُؤمن ونستيقن أنَّ القرءان الذي بين أيدينا هو كلام الله، وأنَّ كل ما فيه حق؛ لهذا نشهد أنَّ سيدنا محمد هو رسول الله؛ لأن القرءان (قول الحق) هو من أنبأنا بهذا.
لذلك لا إشكالية في أن يقول المؤمن في شهادته: أشهد أنَّ محمدًا رسول الله.
والآن نصل إلى تبين الدليل من القرءان على أنَّ الشهادة: (أشهد ألَّا إله إلَّا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله) لا تُخالف القرءان الكريم.
أدلة من القرءان على صحة قول الشهادة: أشهد ألَّا إله إلَّا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله..
قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (18) ﴾ آل عمران.
هذا كلام الله المحكم فيه يُنبئُنا أنَّ الملائكة، وأولو العلم الذين لا يرون الله بالبصر يشهدون أنَّ الله إله واحد قائمًا بالقسط.
أليس هذا دليل على صحة قول الشهادة؟!
نعم، لأن من أنبأنا بهذا هو الله ـ تعالى ـ علمًا بأن الشهادة لا تكون خافية في القلب؛ وإلَّا ما أصبحت شهادة، إنما الشهادة يجب أن تكون بالقول، وليست خافية في القلب.
ومن الأدلة على ذلك أيضًا قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ (172) ﴾ الأعراف.
لاحظوا بلاغة ودقة القرءان: ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ ﴾ فالشهادة قول، وليست مجرد إيمان في القلب.
وبما يشهدون؟
يشهدون على أنفسهم بأن الله ربهم ﴿ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ ﴾ فشهدوا بربهم وهم لم يروه بالبصر ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ ﴾ لأن الشهادة التي تكون بالقول لا تشترط رؤيتهم لله بالبصر.
وبذلك يتبين لنا من الآيات الكريمة أنَّ قولنا: (أشهد ألَّا إله إلَّا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله) يتوافق مع القرءان، والعقل، ويرد على من أنكروا الشهادة.
وفي السنين الأخيرة، ظهر قول ءاخر يقول أصحابه: إنَّ قول الناس: (أشهد ألَّا إله إلَّا الله وأنَّ محمدًا رسول الله) قد جعل الرسول مثل الإله، وهذا لا يجوز؟!
وللرد عليهم أقول:
حرف (الواو) أو عطف الشهادة على الرسول لا يعني أنه جعل الرسول مثل الإله، أو أنه شارك الله في صفاته!
لماذا؟
لأن الشهادة في حق الله شهادة بالألوهية، والشهادة في حق سيدنا محمد شهادة بأنه رسول، وليس إلهًا.
وهناك أمثلة كثيرة من القرءان تُؤكد لنا أنَّ حرف (الواو) في الشهادة، أو الإيمان لا يُعطي للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ صفات الإله، والدليل العطف بحرف (الواو) في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَٔۡذِنُوهُۚ
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَٔۡذِنُونَكَ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (62) ﴾ النور.
وجود حرف (الواو) في الآية كحرف عطف لا يُعطي صفات الله عز وجل للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ .
لماذا؟
لأنه يقول: ﴿ وَرَسُولِهِ ﴾ أي أعطى له الرسالة؛ فهو رسول يحمل رسالة، ويجب الإيمان به، وليس مثل الإله الخالق.
وفي ذلك دليل على أنَّ قولنا: (أشهد ألَّا إله إلَّا الله وأنَّ محمدًا رسول الله) هو عطف على الشهادة، وليس على صفات الخالق عز وجل.