الرد على وجود شبهة في قول الله – تعالي – : ﴿ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ (١٠٩) ﴾؛ فقالوا: المفروض تأتي: (يؤمنون)، وليست: ﴿ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴾!

قد يظن البعض أنَّ هذا هو ما يتوافق مع السياق الصائب!

لكن يبقى القرءان الكريم يعلو فوق كلام البشر وبلاغتهم.

وحين نتدبر الآيات سيتبين لنا أنَّ لفظ: ﴿ وما يشعركم ﴾ كان له دورًا في وجود (إذا) ووجود (لا يؤمنون)

لذلك لا يمكن تأتي: (يؤمنون) مثل ما أراد الملحدون.

إنَّ ما زعموه من خطأ في الآية الكريمة يدل على أنهم لا يتدبرون القرءان، ولم يبلغوا ما به من بلاغة البيان التي نتبينها في دقة الألفاظ، ودقة مواضعها.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ لَّيُؤۡمِنُنَّ بِهَاۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ (١٠٩) ﴾ الأنعام.

متى يمكن أن تأتي: (يؤمنون)؟

سنتبين ذلك بالتفريق بين ثلاثة ألفاظ: (لو، إن، إذا).

نعلم أنَّ لفظ: (إن) يُفيد الشك؛ أي ما بعده قد يحدث، وقد لا يحدث؛ وهذا ليس مراد الآية، ولا ينبغي أن تأتي (إن) هنا لأن الله – تعالى – أحاط بكل شئ علمًا، لا يعجزه شئ، يفعل ما يشاء.

ويعلم أنهم لا يؤمنون إذا نزلت الإية؛ فلا يناسب هذا لفظ: (إن) لأن الله يعلم الغيب، لا يخفى عليه شئ.

في حال أتى لفظ: (لو) ستأتي يؤمنون؛ لأنَّ هذا اللفظ يُفيد المستحيل.

نعم، الأمر يحتاج إلى التدبر، والتفريق بين دلالة كل لفظ، وكذلك موضعه.

مثلًا: ماذا نستنبط من القول: لو عاد بنا الزمن؛ سنعمل غير الذي كنا نعمل؟

نستنبط ما يلي

الزمن لا يعود؛ وبالتالي: لن يعملوا غير الذي عملوا.

هذا ما نتبينه من لفظ: (لو) الذي يأتي حين يتم التعبير عن شئ لن يحدث أبدًا.

من هنا علمنا أنَّ القول يفيد المستحيل؛ لأن الزمن لا يعود.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ (٢٨) ﴾الأنعام.

الآية تتحدث عن يوم الحساب حين يطلب المجرمون أن يردهم اللهُ إلى الحياة الدنيا مرة أخرى؛ ليعملوا صالحًا غير الذي عملوا من قبل.

لكن الله بعلمه للغيب بيَّن لهم ما سيحدث في حال رَدَهم إلى الحياة الدنيا؛ وهو: إنهم سيعودون لِمَا نُهوا عنه وإنَّهم لكاذبون؛ لهذا لن يردهم للحياة الدنيا.

(لو) دلت على استحالة عملهم صالحًا، أو توقفهم عن الفساد؛ وبالتالي: استحالة أن يُردوا إلى الحياة الدنيا.

من خلال ما سبق؛ لو أتى لفظ: (لو) بدلًا من (إذا) في الآية: ﴿ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴾ حينها تأتي: (يؤمنون) وليست: (لا يؤمنون) أي يكون القول (ولله المثل الأعلى): (وما يشعركم أنها لو جاءت يؤمنون).

لماذا؟

لأنَّ (لو) معناها استحالة نزول الآية؛ لاستحالة إيمانهم بها لو جاءت.

لماذا جاء لفظ: (إذا) وليس لفظ: (لو)؟

لتبين ذلك علينا أن نتبين المراد من لفظ: (إذا) من القرءان:

حين نتبين دلالة لفظ: (إذا) من القرءان الكريم؛ نجده يدل على أنَّ ما بعده حتمي الحدوث، خاصة إذا كان الكلام هو كلام الخالق – عز وجل -.

ومن أمثلة استخدام (إذا) ودورها في القرءان قول الله – تعالى – : ﴿ إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ (١) ﴾ التكوير.

لقد أنبأنا اللهُ أنَّ الشمس ستكور ولا شك في حدوث ذلك ﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ (٩٩) ﴾ المؤمنون.

لا شك أن الموت يأتي حتمًا ﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ (٧٣) ﴾ الزمر.

هؤلاء من رَحمَهم اللهُ يوم الحساب سيدخلون الجنة ولا جدال في ذلك لأن الله يقول الحق.

نلاحظ أنَّ كل ما سبق كان دليلًا على أنَّ ما بعد (إذا) سيحدث بإذن الله.

عودة إلى التساؤل: لماذا أتت: ﴿ لا يؤمنون ﴾ في الآية الكريمة، ولم تأتِ: (يؤمنون) مثل ما قال أحد الملحدين؟!

قول الله – تعالى – : ﴿ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴾ من الآية (١٠٩) الأنعام؛ بالغ البيان والكمال.

فمن منطلق حقيقة حدوث ما يأتي بعد لفظ (إذا) ولأن الله علم أنه إذا جاءت الآية التي طلبوها؛ فإنهم كذلك: (لا يؤمنون) أنبأ اللهُ – تعالى – المؤمنين عن طريق طرح تساؤل وهو: ﴿ وما يُشعركم ﴾.

ليبين لهم حقيقة عدم وجود ما يشعرهم أنَّ المشركين إذا جاءتهم الآية أنهم (لا يؤمنون) هم ليس لديهم ما يُشعرهم أن الكافرين لن يؤمنوا إذا جاءتهم الآية.

إذًا الآية تتحدث عن حقيقة وهي: عدم وجود ما يجعل المؤمنين يشعرون بأن الكافرين لن يؤمنوا إذا جاءتهم الآية.

ولأن الآية هنا تتحدث عن حقيقة عدم وجود المشاعر جاءت (إذا) وليس (لو).

لأن (لو) تتحدث عن الشئ الذي لن يكون حقًا (لا يحدث).

لكن (إذا) تتحدث عما هو حق سواء ما قبلها، أو ما بعدها

كيف ذلك؟

أشارت (إذا) إلى حقيقة عدم وجود ما يجعل المؤمنين يشعرون بأن الكافرين لن يؤمنوا إذا جاءتهم الآية.

ولأن ما يأتي بعد (إذا) هو حقيقة؛ ولأن الحقيقية هي أنهم: (لا يؤمنون) إذا جاءتهم الآية؛ كان القول البليغ الذي يبين الحق هو: (لا يؤمنون) وليس: (يؤمنون).

وفي النهاية

قول الله – عز وجل – : ﴿ وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ لَّيُؤۡمِنُنَّ بِهَاۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ (١٠٩) ﴾ الأنعام؛ نتبين منه ما يأتي:

جاءت (إذا) في الآية الكريمة لأنها عبرت عن عدم وجود ما يجعل المؤمنين يشعرون بأن الكافرين إذا جاءتهم الآية لن يؤمنوا بها (تلك حقيقة أنبأهم بها اللهُ تعالى)

ولأن ما بعد (إذا) هو حق (حتمي الحدوث) جاء (لا يؤمنون) وليس: (يؤمنون) لأن الله – تعالى – علم أنهم لن يؤمنوا.

هذا يدل على بلاغة القرءان التي لا ندركها إلَّا بتدبر ءاياته الكريمة.

والله أعلم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart