Open Quran on a wooden stand, showcasing Arabic text with a patterned background.

الفرق بين: (الصورة، الخيال، الشكل)..

هل معنى الصورة في القرءان (حتمًا) لا يدل إلَّا على الشئ المجسم، أو المجسد، أو على المخلوق من غير مادة كالملائكة؟

أيهما يُمثل عملية خلق الشئ ذاته، وصفاته (أي خلق بنيته) الشكل، أم الصورة؟

يمكن أن نتبيَّن في البداية دلالة: الشكل من القرءان الكريم..

قال الله – تعالى – : ﴿ جَهَنَّمَ يَصۡلَوۡنَهَا فَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ (٥٦) هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ (٥٧) وَءَاخَرُ مِن شَكۡلِهِۦٓ أَزۡوَٰجٌ )٥٨( ﴾ ص.

لم يقل الحق: (وءاخر من صورته) ..

ماذا نستنبط من تلك البلاغة؟

إنها دليل على أنَّ الصورة لا تُطلق إلَّا على هيئة الشئ؛ أي على المخلوق من الخارج (ظاهر المخلوق الذي يتم رؤيته بالبصر).

لذلك قول الله – تعالى – : ﴿ وَءَاخَرُ مِن شَكۡلِهِۦٓ﴾ يُبين لنا أنَّ الشكل هو كل شئ مخلوق متمايز عن غيره، مثل: الرُمَّان، الزيتون، والبحر، والقمر، والعذاب..

ذلك يعني أنَّ الشكل هو: (جوهر الشئ، وباطنه الذي لا نراه بالبصر؛ أي ليس بصورة) ويمكن أن نطلق عليه لفظ: (بنية الشئ).

قول الله – تعالى – : ﴿ وَءَاخَرُ مِن شَكۡلِهِۦٓ أَزۡوَٰجٌ ﴾ المراد منه هو: أنَّ باطنه (أي باطن العذاب) هي: (بنيته، وصفاته، وءاثار تلك الصفات) ذلك هو ما يتسبب في إحساس الظالمين بالعذاب عبر الجلود.

هل يتم إطلاق لفظ: (شكل) على جسم الإنسان من الخارج؟

قال الله – تعالى – : ﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ (٣) ﴾ التغابن؛ فالله لم يقل: (فأحسن أشكالكم) ولكن قال – سبحانه وتعالى – : ﴿ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ ﴾.

إذًا لفظ: (صورة) هو الذي يصف جسم الإنسان من الخارج، وليس لفظ: (شكل) .

أي نقول حين نريد وصف الجسم من الخارج: صورة الإنسان، وليس شكل الإنسان؛ إنَّما شكل الإنسان هو بنيته (الداخلية) مثل: الصفات.

إذًا الشئ من الخارج (المظهر) يُطلق عليه لفظ: (صورة) وليس: (شكل) .

لكن حين نصف بنية الشئ؛ أي كيفيَّة تشكل الشئ من جوهر، ومادة (أي وصف ما ليس بصورة نراها بالبصر) نقول: شكل الشئ، وليس صورة الشئ..

مثلًا: ماذا نقول حين نصف العذاب في جهنم؟

هل نقول: شكل العذاب، أم صورة العذاب؟

نقول: شكل العذاب، ولا نقول صورة العذاب..

فنحن نصف الإحساس بالنار، وليس المظهر الخارجي للنار.

لكن يتسبب المظهر الخارجي للنار (صورتها، وليس شكلها) في حدوث عذاب نفسي، وليس حسي (نتيجة تأثير صورة النار على النفس) .

فالنار لم تمس الظالم بعد، ولم يحترق بها.

وحين نصف الَّذة نقول: شكل الَّذة، وليس صورة الَّذة؛ لأنَّ الوصف هنا يكون لباطن الشئ، الَّذي لا ينتقل عن طريق البصر.

لذلك فهو يحتاج إلى الحس بالجلود، مما يعني أنَّ الشكل لا يكون وصفًا لظاهر الشئ الَّذي تراه العينين فقط.

ولكن قد تلذ الأعين؟

حين تلذ الأعين؛ فهذا يعني لَّذة النظر إلى صورة الشئ، مثل: (لذة النظر إلى البحر، أو الأشجار حول النهر) وليس لذة شكل الشئ ذاته؛ لأنَّ لَّذة الشكل تكون لما للشئ من بنية باطنية، وصفات، وءاثار، تحسها النفس عن طريق الجلود، مثل: تذوق الطعم.

فمن يرى التفاحة بالعينين فقط؛ لن يحس بلذة رائحتها، أو طعمها؛ لأنَّه رءا صورة التفاحة فقط، ولم يرَ شكلها؛ أي لم يرَ بنيتها التي تُعطي ملمس التفاحة، ورائحتها، ومذاقها.. ذلك هو باطن الشئ الذي لا يُدرَك بالبصر.

كذلك بالنسبة للعذاب؛ فإنَّ شكله (أي شكل العذاب) هو: وصف لما يحسُ به الظالم من ألم بعد أن يدخل جهنم؛ لأنَّ شكل العذاب هو باطنه (بنيته التي تتسبب في الألم).

وليس للعذاب صورة (مظهر خارجي) تراها العين (ويجب عدم الخلط بين صورة النار التي تُسبب عذابًا نفسيًا، وبين شكل النار الذي يحس به الظالم بعد دخولها.

لأن العذاب الذي ينتج من شكل النار لا بد أن يكون ماديًا، ينتقل عن طريق الجلود، حين يدخل الظالم النار، وليس قبل أن يدخلها.

لذلك نقول كما نتبين من القرءان: شكل الحميم..

ذلك ليس وصفًا لمظهر الحميم (صورته) إنَّما هو وصف لمادته، وألمه (عذابه) أي لباطنه الذي لا ينتقل عن طريق البصر، والعينين.

نلاحظ أنَّ العذاب هو من بنية الحميم (باطنه) وليس من صورته (مظهره الخارجي).

فالعذاب لا تتم رؤيته بالعين، ولكن يراه الظالم بالإحساس عن طريق الجلود.

وفي كل الأحوال العذاب لا تتم رؤيته بالعين سواء كان ماديًا (حسي) أو كان نفسيًا (معنويًا) .

أي سواء حس الظالم بشكله (باطنه) أو شعر بتأثير رؤيته لصورة الحميم، أو النار.

إذًا الوصف الصائب كما جاء في القرءان هل هو: شكل العذاب، أم صورة العذاب؟

شكل العذاب؛ لأن العذاب ليس له صورة تراها العين إنما ترى العين صورة ما يتسبب في العذاب؛ أي رؤية الظالم للنار قبل أن يدخلها.

وبعد أن يدخلها، ويحس بحريقها؛ يكون بذلك رءا شكل العذاب..

حين يرى الظالم نار جهنم فإنه لن يحس بعذابها الباطني حتى يدخلها فيحس بعذاب الحريق (بنية النار) وليس صورة النار.

إذًا العذاب ليس له صورة (مظهر خارجي) أي لا يُحس به عن طريق البصر، ولكن قد تتسبب رؤية الشئ في الشعور بالعذاب النفسي

(مشاعر الخوف، والحزن، والندم..) على ما فرطوا في جنب الله ﴿ أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّٰخِرِينَ (56) ﴾ الزمر.

هل من أدلة على ذلك؟

نعم، في قول الله – تعالى – : ﴿ هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ (٥٧) وَءَاخَرُ مِن شَكۡلِهِۦٓ أَزۡوَٰجٌ (٥٨) ﴾ ص؛ هنا الوصف للعذاب الَّذي يُحس بالجلود، ولا تتم رؤيته بالبصر؛ لأنه استخدم لفظ: ﴿ فَلۡيَذُوقُوهُ  ﴾ تعبيرًا عن شكل العذاب الذي يُؤثر على الجلود، وليس على العين.

لفظ: (شكله) كان وصفًا دقيقًا، وبالغ الكمال لما يتذوقوه من حميم وغسَّاق؛ ولم يقل – سبحانه وتعالى – : (وءاخر من صورته) لأنَّ الله يصف؛ شكل الحميم، والغسَّاق (أي يصف العذاب المحسوس عن طريق الجلود) ولا يصف صورتيهما.

فالذي ليس له صورة، مثل: (العذاب) لا ينقله البصر أبدًا (ولكن كما قلنا قد تتأثر النفس برؤية صورة النار فتشعر بالعذاب النفسي ـ المعنوي – وليس الحسي).

لأنَّ البصر لا ينقل إلَّا ما له صورة فقط (وهذا من الأدلة على أنَّ المتقين يوم القيامة لا يرون ربهم رؤية بصرية؛ سواء بالعينين، أو بغيرها) .

إذا رءا المجرمُ النار من الخارج نقول: رءا صورة النار، وليس شكل النار؛ فهو لم يحس بعذابها الباطني؛ أي الداخلي الَّذي لا يُحس إلَّا ببنيتها حين يدخلها الظالم فعليًا) ولأنَّه لم يُدرك بنيتها، فلم يحس بعذابها بعد.

ولكن حين يرى النار؛ أي قبل أن يدخلها ليتذوق عذابها؛ فإنَّ صورة النار؛ تُحدث في نفس الظالم عذابًا نفسيًا، هذا العذاب ليس هو عذاب النار ذاتها؛ لأنَّه لم يحترق بها، لم يمس باطنها، أو مادتها، أو حرارتها.

إنما هو عذاب من داخل نفسه نتيجة تأثير الصورة على النفس.

لكن إذا حس بعذابها؛ نقول: رأى شكل النار؛ لأنَّ الشكل هو البنية (جوهر النار وتميزها – اختلافها – عن غيرها) .

مثلًا: لو رءا إنسان البحر من بعيد؛ فشعر بالخوف من الغرق في مياه البحر؛ فهل هذا العذاب الذي شعر به جزء من بنية البحر، ومادته؟

بالتأكيد لا؛ لأنَّ ذلك الإنسان لم يمس البحر من الأساس؛ وبالتالي: ما شعر به من عذاب حين رءا البحر؛ كان نتيجة خوفه من البحر.

ذلك هو العذاب النفسي؛ حين تأثر بصورة البحر؛ ولم يكن عذابًا ماديًا؛ أي جزء من بنية البحر، أو مادته.

لكن إذا دخل في مياه البحر (دون أجهزة تنفس صناعي) وكاد أن يغرق؛ هنا نقول: إنه رءا العذاب المادي الناتج من شكل البحر (بنيته) وليس صورته؛ الذي منه ما يتسبب في عدم قدرة الإنسان على التنفس في مياه البحر.

وبالتالي

 ما يحس به من عذاب الغرق؛ هو إحساس حقيقي سببه شكل البحر (أي بنيته، مادته التي ليست مهيئة ليتنفس الإنسان فيها) .

ما سبق هو للتفريق بين العذاب النفسي، والَّمادي؛ فالنفسي قد تتسبب فيه رؤية صورة الشئ، مثل: رؤية النار من بعيد.

أما العذاب المحسوس (المادي) لا يكون إلا بتأثير بنية الشئ الباطنية التي لا نراها بالبصر؛ تأثيرًا فعليًا؛ أي دخول الظالم يوم القيامة في النار فعليًا؛ ليحس بحريقها؛ وذلك هو شكل النار.

ما الذي يميز النار عن الماء؟

يتمايزان من حيث:

أولًا: البنية (باطن الشئ، وجوهره) أي أنَّ بنية النار مُختلفة عن بنية الماء.

ثانيًا: يتمايزان من حيث الصورة (المظهر الخارجي) أي أنَّ صورة النار، ليست هي صورة الماء.

فعلينا أن نفرق بين صورة النار، وبين شكلها (الإحساس بحريقها) .

إذًا الصورة هي مظهر الشئ الخارجي الذي نراه بالبصر.

أما شكل الشئ فهو بنيته (باطنه من جوهر، ومادة، وءاثار صفاته) مثل حريق النار، وما يحدثه من عذاب يُسمى: عذاب الحريق.

وهل للعذاب صورة؟

العذاب ليس له صورة نراها بالبصر (مظهر خارجي) ولأن ليس للعذاب صورة تراها العين؛ فحين يتم وصف العذاب نقول: شكل العذاب،

وليس صورة العذاب ﴿ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ من الآية (١٨١) آل عمران؛ فالحريق يتسبب في الإحساس بالعذاب، ومذاق عذاب الحريق (شكله) يختلف عن مذاق الحميم، والغساق ﴿ هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (٥٨) ﴾ ص.

لاحظوا دقة الوصف ﴿ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴾ لم يقل: (من صورته) لأن الله يصف مذاق العذاب المادي الذي ينتج من شكل المادة، وليس من صورتها، مثل: شكل الحميم أئ مذاق عذاب الحميم، الذي يختلف عن شكل عذاب الغساق.

ما هو شكل العذاب؟

شكل العذاب هو الإحساس بألمه النابع من مصدره (كالنار مثلًا) التي لها تأثيرات مادية مختلفة، مثل: عذاب الحريق.

كذلك شكل النعيم؛ هو الإحساس بلذته النابعة من مصدره، مثل: الاختلاف بين لذة فاكهة التين، ولذة التمر؛ فلكل منهما مذاقه الخاص به؛ ذلك لأن لكل منهما شكله الخاص به.

هل الصورة تعني عملية الخلق ذاتها؟

قال الله – تعالى – : ﴿ وَلَقَدۡ خَلَقۡنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ ﴾ من الآية (١١) الأعراف.

الآية ميزت بين الخلق، والصورة، الخلق هو الشكل، ولكل شكل صورة ترتبت عليه..

كيف ذلك؟

هنا يأتي التمييز بين: (يخلق) و (يُصور)؛ فالخلق تم أولًا؛ ثم ظهرت الصورة التي تراها العين للمخلوق؛ كرؤيتها لجسم الإنسان مثلًا.

صورة الشئ هي التي نراها بالبصر مثل صورة وجه الإنسان، بل وصورة عينيه، وأنفه، وأُذنه، وكذلك الأجهزة الداخلية، مثل: الرئة، والقلب، والكبد.. لكل منهم صورته..

ونلاحظ أنَّ كل تلك الأشياء لها أبعاد.

إذًا الصورة ليست وصفًا لما هو معنوي، كالمشاعر لأن المشاعر لها شكل فقط، وليس لها صورة..

من منا رءا المشاعر ذاتها بالبصر؟!

إنما الصورة هي: وصف لظاهر المخلوق؛ لذلك لا يمكن أن تكون وصفًا لله – تعالى ـ.

قال الله – تعالى – : ﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٦) ﴾ آل عمران.

الجنين في الرحم يبدأ تشكله من نطفة؛ ثم يصوره الله كيف يشاء (يصوره عائدة على المظهر الخارجي) للجنين، مثل: لون العين، وأبعادها، ملامح الوجه، لون الشعر..

أي أنَّ لفظ: (يُصوره) الذي جاء في الآية الكريمة؛ هو وصف للجنين من الخارج، وليس وصفًا لبنيته (باطنه).

إذًا الخلق يتم أولًا حسب الترتيب الذي جاء في الآية ﴿ وَلَقَدۡ خَلَقۡنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ ﴾ أي التشكل يتم أولًا عن طريق النشأة؛ ثم تظهر الصورة لتصف لنا الشئ من خارجه.

ما هو المراد بلفظ: (الخلق)؟

الخلق هو إيجاد الشئ إما من اللاشئ، وإما من مادة أولية خلقها الله، مثل: خلق الجنين من مادة أولية وهي النطفة، أو خلق البشر من طين ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (٧١) ﴾ ص.

وفي كلتا الحالتين يتم تشكله من الداخل بما فيه من صفات؛ ثم تأتي بعد عملية الخلق الصورة التي يتم بها وصف الشئ من الخارج (وصف المظهر فقط).

الصورة لا تعني عملية الخلق (ذاتها) إنما هي صورة للخلق من خارجه (مظهره فقط) وليست شكله؛ أي ليست صورة لصفاته مثلًا، أو قوته، أو طباعه.

الصورة ناتج مترتب على ما قبله؛ حيث تلي عملية الخلق (ينشأ الشئ وصفاته؛ ثم تظهر الصورة).

ونلاحظ هذا في قول الله – تعالى – : ﴿ وَلَقَدۡ خَلَقۡنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ ﴾ فهذا دليل على أنَّ الخلق ليس هو التصوير؛ لأنَّ الصورة تأتي بعد الخلق، مترتبة عليه (الخلق هو الأساس، والصورة هي المترتبة عليه.

ولكن ماذا لو كان الشئ معنويًا، ويكون له صورة؟

ذلك نسميه التخيل؛ وهو ما يتشكل في الفؤاد؛ لكن ليس له صورة حقيقية؛ لأنَّه ليس شيئًا حقًا؛ بل هو تخيل فقط.

وقد بيَّن القرءان لنا ذلك: ﴿ قَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ (٦٦) ﴾ طه؛ الله – تعالى – لم يقل: (يُصَوَرُ إليه) ذلك من بلاغة البيان في القرءان الكريم.

الذي فيه كل لفظ يأتي في موضعه.

ولم يقل: (يُشَكَلُ إليه) لأنَّ التصور، والتشكل كلاهما حق، وليس خيال..

وما قام به السحرة كان باطلًا وليس حق من شكل، وصورة.

ولكن جاء القول البليغ الذي يصف ما حدث بدقة كاملة: ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ ﴾ لأنَّ حبالهم وعصيهم؛ لم تتحول إلى ثعابين حقيقية؛ أي لم يكن لها شكل الثعبان الحقيقي، وصورته، ولكن هذا ما خُيل إلى سيدنا موسى (في فؤاده) وما خيل إلى الناس؛ حيث خُيِّل من سحرهم أنَّها تسعى.

السحر يخدع النفس حين يتكون في الفؤاد صورة غير حقيقية عن طريق العين.

قال الله – تعالى – : ﴿ قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ (١١٦) ﴾ الأعراف؛ أي أنَّ السحر مجرد تخيل نتيجة خداع العين، و ليس صورة حقيقية.

ومن هنا يتبين لنا أنَّ السحر ليس له علاقة بشكل الشئ.

فهو لا يؤثر في بنية الإنسان، وباطنه إلَّا تأثيرًا وهميًا يكون سببه النفس.

لذلك التخيل لا يؤثر في الجسم تأثيرًا حقيقيًا؛ لأنَّه يتكون من خداع بصري فقط (إلَّا إذا توهمت النفس ذلك التأثير وظنته حقًا) .

طبيعة السحر (حسب وصف القرءان الكريم) أنَّه سحر للأعين فقط، نتيجة لخداع العين: ﴿ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ ﴾ وبالتالي: يُخيل للإنسان عن طريق الفؤاد؛ أنَّ ما يراه؛ هو: صورة حقيقية: ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ ﴾ ولكن ما هي بصورة حقيقية.

مما سبق

لفظ صورة في القرءان لا يُطلق إلَّا على ما هو مخلوق، ويكون وصفًا للشئ من الخارج، مثل: ( صورة: الإنسان، الجن، الدواب.. ) أمَّا الملائكة؛ فهي لها صورة، ولكن ليست من عالم الشئ المادي.

لفظ: (شكل) يُطلق على بنية الشئ، (باطنه من جوهر (صفات)، ومادة) فنقول مثلًا: شكل اللذة، أو شكل المتعة، ولا نقول: صورة اللذة، أو صورة المتعة.

شكل العذاب، وليس صورة العذاب؛ لكن حين نصف النار من خارجها؛ نقول: صورة النار، وليس شكل النار.

صورة الماء، وليس شكل الماء.. شكل لذة الماء العذب، وليس صورة لذة الماء العذب..

مثلًا: حين ننظر إلى القمر؛ نقول على المظهر الخارجي للقمر: صورة القمر، وليس شكل القمر، وحين نصف خلق القمر ( بنية القمر؛ أي باطنه، ومادته، مثل: الرمال، والصخور، وخصائصه) فإنَّنا نقول شكل القمر، وليس صورة القمر..

شكل الماء، أي ما يتشكل منه الماء: كملمسه، وأنَّه بلا طعم، أو بلا رائحة؛ كذلك نقول: يتشكل الماء من: الهيدروجين، والأكسجين.

أمَّا صورة الماء فهي: الماء السائل الشفاف حين نراه بالبصر، دون أن نلمسه.

و ما ليس بصورة، ولا شكل؛ يُسمى: خيال، وهو من التخيل..

قال الله – تعالى – : ﴿ قَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ (٦٦) ﴾ طه.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart