بعض الناس يظنون أنَّ العين هي التي ترى وتُبصر؛ وكأن الصورة تتكون داخل العين ذاتها.
لكن من خلال تدبر القرءان؛ يمكن أن نستنبط من دقة ألفاظه، وبلاغة الوصف في ءاياته أنَّ من يرى، ويتم فيه الإبصار، هو: الفؤاد (المخ) وليست العين..
ما دور العين في عملية الإبصار؟
العين تتكون من: ماء، وخلايا، وقرنية، وشبكية، وعدسة، وكذلك من: شرايين، وأعصاب، وغير ذلك من المكونات المادية..
والعين هي الوسيلة التي تلتقط صورة الشئ من الخارج الذي ينظر إليه الإنسان؛ ثم تقوم العين بإرسالها
عن طريق العصب البصري على شكل إشارات كهربائية إلى الفؤاد (المخ) وحين يتم إدراك صورة الشئ الذي ينظر إليه الإنسان يحدث الإبصار في الفؤاد.
(حدوث الإبصار شرطه النظر (التركيز) وإن لم يحدث النظر من الإنسان؛ فإنه لن يتمكن من رؤية الصورة، ولو كانت عينه متوجهة إلى الشئ).
وذلك أراه من الأدلة على أنَّ من يرى هو الفؤاد، وليست العين..
لماذا؟
ذلك ما نستنبطه من دقة الألفاظ في القرءان الكريم..
لكي تتم عملية الإبصار في الفؤاد (المخ) فلا بد من حدوث شيئين: النظر، والإدراك..
ما المراد بالنظر؟
النظر (بالتعبير الدارج: التركيز، أو الاهتمام) يتم بإرادة الإنسان.
لماذا جعله الله يتم بإرادة الإنسان؟
ليتمكن الإنسان من رؤية ما يُريد سواء بالبصر، أو بالسمع، أو بوسائل الإحساس الأخرى..
فلو توجهت العين دون نظر من الإنسان؛ أي دون إرادة منه (بشكل لا إرادي، دون تركيز، أو اهتمام) لن يحدث إدراك للصورة داخل الفؤاد؛ فلن يرى الإنسان صورة الشئ مع أنَّ العين متوجهة إليه.. وذلك يحدث كثيرًا..
وهل الإدراك يحدث بإرادة الإنسان؛ أم لا؟
هنا نتبين معنى الإدراك كما جاء في الآيات.
النظر كما قلت: يكون بإرادة الإنسان، وهو ما نُسميه بالتعبير الدارج: (التركيز) .
لكن الإدراك يتم دون إرادة الإنسان، يتم بإرادة الله وحده، مثل: نبض القلب الذي يتم دون إرادة الإنسان.
الإدراك يتم بإرادة الله وحده، ويكون الإدراك في الفؤاد، وليس في العين.
وما الدليل على أنَّ الإدراك يكون في الفؤاد (المخ) وليس في العين؟
كما قلت: فقد يوجه الإنسان عينه إلى شئ ما، ولكن لا تحدث عملية الإبصار.
ذلك دليل على أنَّ الإدراك يتم داخل الفؤاد (المخ) وليس داخل العين.
وماذا لو تم الإدراك داخل العين؟
لو تم الإدراك داخل العين سيحدث تشويش بين البصر حين تُدرك الصورة في العين، وبين السمع حين يُدرك الصوت في الأذن، وبين الإحساس بكل ما يتم إدراكه من خلال باقي الحواس الأخرى كالرائحة، والتذوق، وغير ذلك..
وسيُؤدي ذلك إلى عدم قدرة الإنسان على النظر تجاه شئ محدد، أو ربط المتوافقات؛ مما سيجعله مُشتتًا بين كل ما يتم إدراكه في مكونات مختلفة: العين، الأذن، الجلود؛ ولن يتمكن الإنسان من التوفيق بين كل ما يتم إدراكه في لحظة واحدة!
لماذا؟
لأن كل شئ يتم إدراكه في مكان مختلف: العين، الأذن، الجلود..
بل وجود عينين معناه أنَّ كل عين هي مكان مُختلف عن العين الأخرى، لها إدراكها الخاص بها؛ ولأن لكل عين إدراك خاص بها؛ فإن
ذلك قد يُؤدي إلى تشتيت في رؤية الصورة بين العينين كل عين سيتم إدراك الصورة فيها حسب قوتها التي تختلف عن قوة العين الأخرى؛ فلن تظهر الصورة بذات الدقة في كل عين؛ وبالتالي: لن يحدث توافق بينهما بين الصورتين!
فكيف سيكون الحال إذًا؟!
كذلك الأذنين: إحداهما سيتم فيها الإدراك بشكل، والأخرى بشكل ءاخر!
وبذلك لا يمكن الربط بين المتوافقات ولو بين الشيئين المتشابهين..
فما بالنا بالتوافق بين الأشياء المختلفة: البصر، السمع، الإحساس؟!
لا شك أنه سيتعذر التوفيق بين: الصورة، والصوت، والمحسوسات.
لذلك اقتضت حكمة الله أن يكون الإدراك في مكان واحد وهو: الفؤاد (المخ) .
فحين يكون الإدراك في مكان واحد؛ فإنه سيُنسق بينهم؛ حيث سينظر إلى المتوافقات في توقيت واحد بنظر واحد، ويجمع بينهم، مثل: ربطه بين صورة الشئ، وصوته؛ لأن كليهما يعبر عن حدث واحد، أو شئ واحد.
كالربط بين صورة الإنسان، وحديثه في ذات اللحظة..
لذلك أراد الله أن يكون إدراك الصورة، أو الصوت، أو المحسوسات الأخرى، مثل: الرائحة، أو مذاق الطعام، أو غير ذلك؛ أراده الخالق – عز وجل – بحكمته أن يكون داخل شئ واحد وهو الفؤاد..
لماذا داخل الفؤاد؟
لئلا يتشتت نظر الأنسان بين مكونات مختلفة، قد تكون متناقضة؛ فلا يتمكن من التركيز مع أي شئ منها أبدًا.
ذلك لكي يجمع الفؤاد حسب الإدراك بداخله، ونظر الإنسان، بين ما يحسبه من المتوافقات فلا يتشتت بين أكثر من اختيار في لحظة واحدة.
لذلك لا بد أن يربط الإدراك الأشياء المتوافقة: الصوت مع الصورة مع الحس بالجلود، ويتم ذلك في الفؤاد، وليس: العين، والأذن، والجلود.
وعن عملية الإبصار؛ فحين يحدث الإدراك داخل الفؤاد؛ يحدث البصر؛ فيرى الفؤاد الصورة فيراها الإنسان (ولو لم تكن العينان على كفاءة واحدة) .
كذلك الشئ مع السمع، والإحساس..
وبالعودة إلى العين، والإبصار:
من خلال تدبر الآيات الكريمة نجد أنَّ الصورة لا تتوقف عند العين فيرى الإنسان؛ لأن الإدراك لا يتم في العين لما بيناه من قبل، ولكن يتم في الفؤاد.
لذلك لا بد من وصول تلك الإشارت الكهربائية التي ترسلها العين للفؤاد (المخ).
لماذا؟
لكي يتم الإدراك داخل الفؤاد؛ فتتم عملية الإبصار داخله؛ وبالتالي: يرى الفؤاد؛ فيرى الإنسان صورة الشئ الذي ينظر إليه.
أي أنَّ عملية الإبصار تتم داخل الفؤاد، وليست داخل العين.
وما الدليل من القرءان على أنَّ من يرى هو الفؤاد، وليست العين؟
حسب قول الله – تعالى – : ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (١١) ﴾ النجم.
فالذي يرى هو الفؤاد، وليست العين.
ومن بلاغة البيان في القرءان؛ ما نتبينه من قول الله – تعالى – : ﴿ وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡيُنٞ لَّا يُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانٞ لَّا يَسۡمَعُونَ بِهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ (١٧٩) ﴾ الأعراف.
لاحظوا حرف: (الباء) قبل كل لفظ؛ لقد جعل العين وسيلة يتحقق بها البصر؛ فليست هي من تبصر..
وجعل الأذن وسيلة يتحقق بها السمع؛ فليست هي من تسمع..
لم يقل – سبحانه وتعالى – : (لهم أعين لا تُبصر) وذلك من دقة البيان في القرءان؛ لأن الإبصار لا يتم في العين؛ ولكن يتم بها، هي وسيلة يتم بها الإبصار؛ لأنها ترسل مكونات الصورة للفؤاد، وفيه يحدث الإبصار.
وبدون العين لن ترسل مكونات صورة الشئ للفؤاد؛ وبالتالي: لن تتم عملية الإبصار داخل الفؤاد (المخ).
كيف ذلك؟
حرف: (الباء) دلَّ على أنَّ العين هي وسيلة تُرسل مكونات صورة الشئ الذي أمامها للفؤاد (المخ) وحين يتم الإدراك داخل الفؤاد تحدث عملية الإبصار، وبدون تلك المكونات التي تُرسلها العين؛ لن يتم الإبصار داخل الفؤاد (أي لن يتم إدراك الصورة بالبصر داخل الفؤاد لعدم وجود مكونات الصورة أصلًا) .
لذلك دور العين هو نقل مكونات الصورة إلى داخل الفؤاد؛ لكي يتم إدراكها فتتكون صورة الشئ الذي ينظر إليه الإنسان؛ أي يبصره.
قال الله – تعالى – : ﴿ مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (١٧) ﴾ النجم؛ فالذي يزيغ، أو يطغى هو البصر الذي يتكون في الفؤاد، وليس في العين؛ لأن البصر هو: رؤية الصورة داخل الفؤاد، وليس داخل العين.
فقد يوجه الإنسان عينه إلى شئ ما،
وفي ذات الوقت لا يراه؛ لأنَّ الذي يرى هو: الفؤاد ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (١١) ﴾.
من الأدلة الأخرى التي تُثبت أنَّ البصر يتحقق في الفؤاد، وليس في العين ما يلي
أثبت العلم أنَّ مركز الإبصار يكون في المخ.
ومن الأدلة الأخرى على أنَّ الإبصار يكون في الفؤاد، وليس في العين
الصورة التي يُبصرها الإنسان في المنام، لا تأتي عن طريق العين المادية؛ لأن الإبصار، والرؤية يحدثان في الفؤاد؛ لذلك فالذي يرى في المنام هو: الفؤاد، وليست العين.
أو حين يتخيل الإنسان الشئ؛ فإنه ليس للعين أي دور هنا في تحقق الإبصار..
لماذا؟
لأن العين لا تعمل إلَّا في حالة اليقظة، وفي وجود الضوء، أو النور.
أما ما يُبصره الإنسانُ في المنام، أو حين يتخيل صورة شئ ما؛ فإن صورته تتكون بإدراك البصر داخل الفؤاد مباشرة للصورة دون وسيط (عين) .
قال الله – تعالى – : ﴿ مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ (١١) ﴾ النجم؛ فإنَّ الَّذي يرى سواء في اليقظة، أو في المنام، أو حين التخيل؛ هو: الفؤاد (المخ) وليست العين.
إذًا من أدلة أنَّ البصر ليس في العين؛ هو أنه يتحقق كذلك في المنام، والتخيل.
إذًا العين دورها هو أن تقوم بإرسال مكونات صورة الشئ الذي ينظر إليه الإنسان بعينه؛ ثم يأتي دور الإدراك داخل الفؤاد وهو: إدراك الصورة، أو تكوينها (مثل ما هي بالخارج) وحين يُدركها البصر تتم عملية الإبصار.
وحينها يرى الفؤاد الصورة؛ وبالتالي: يراها الإنسان.
والله أعلم.