الرد على شبهة: وجود تناقض بين قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ ﴾ وقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : ﴿ وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَيَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴾.
قالوا: كيف لا تُكلف النفس فوق طاقتها؛ ثم يتم حسابها على شئ لم تفعله، وقد تُعذب به!
لقد خلطوا بين الحساب والعقاب، ولم يتبينوا سياق الآيات ومعنى إخفاء الشر الَّذي منه: كتم الشهادة الَّذي يتسبب في ضياع الحقوق، وظلم الناس!
قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥۗ وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ (٢٨٣) لِّلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَيَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ (٢٨٤) ﴾ البقرة.
الآية تُبيّن لنا أنَّ الناس إن أبدوا ما في أنفسهم من شر، أو أخفوه؛ فإنَّ الله يُحاسبهم به، والحساب ليس معناه العقاب؛ فالله لم يقل: يعاقبكم به، ولكن قال: ﴿ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ﴾ وهذا من بلاغة القرءان.
ويبقى الجزاء بعد حسابهم بيد الله ﴿ فَيَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ ﴾.
ونتبيَّن من قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ ﴾ من الآية (٢٨٦) سورة البقرة: أنَّ الله لا يُكلف نفسًا إلَّا وسعها، ولا يُكلفها فوق طاقتها.
ومن أمثلة ذلك: الصيام..كتبه اللهُ على المؤمنين، لكن رفع اللهُ (برحمته) التكليف عن المريض، ومن يحس بمشقة شديدة لا يقوى على تحملها فيفتدي. ما من تكليف إلَّا ويتوافق مع طاقة النفس، لا يتجاوز قدرتها على التحمل؛ فطاقة النفس (بعد إيمانها)، هي: مناط حساب الإنسان في الآخرة، ويكون الحكم لله: ﴿ فَيَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ ﴾.
ويبقى باب التوبة مفتوحًا لا يُؤصد أبدًا في وجه إنسان في الحياة الدنيا..قال اللهُ – تعالى – : ﴿ قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (٥٣) ﴾ الزمر.
والله أعلم.