يختلط التعبير بهذه الألفاظ لدى الناس.
ونكاد لا نجد تفريقًا بينهم من خارج القرءان؛ وحين نتدبر ءايات الله التي احتوت على تلك الألفاظ، ونستنبط معنى كل لفظ منهم؛ يتبيَّن لنا وجود فوارق في معاني الألفاظ الثلاثة..
لفظ: (يُرتل) من الترتيل وهو ما يعني أنَّ الإنسان يقوم باختيار ءايات معينة تحوي ألفاظًا متشابهة؛ لكي يستنبط دلالة ذلك اللفظ، أو ءايات متشابهة؛ لمعرفة سبب التشابه بينها.
من أمثلة الترتيل
استخراج الآيات التي تحوي لفظ الجسد لنتبيَّن دلالته في كل ءاية (جاء فيها).
وحين يتم ذلك (بتوفيق من الله) يتبيَّن للإنسان أنَّ لفظ الجسد يصف الشئ الذي لا حياة فيه أبدًا، ويكون معناه ثابتًا (لا يتغير) من ءاية لأخرى.
ومن الألفاظ الأكثر صعوبة حين نتبيَّن معناها بالترتيل؛ لفظي: (كما، ومثل ما) ووجدنا أنَّ (كما) تدل على التطابق بين الأفعال؛ أمَّا لفظ: (مثل ما) فإنَّه يدل على التشابه، وليس التطابق بين الأفعال.
وفي حال استنبطنا معنى لفظ: (مثل) نجده قد دلَّ على المقارنة بين الأشياء (الأسماء، والصفات).
مثل: المقارنة بين إنسان وءاخر، أو بين سيارة وأخرى.
وهو لا يُقارن بين الأفعال، ولا يدل على التطابق أبدًا لعدم تطابق الأشياء؛ (لأنَّ لكل شئ ذات خاصة به).
وكذلك لا يدل على التطابق بين إنسان وءاخر؛ (لأنَّ لكل إنسان نفس خاصة به).
قال الله – تعالى – : ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا (٣٢) ﴾ الفرقان.
فالترتيل لا يعني القراءة؛ لأنَّه لا يعني ترتيب الآيات كما هو في السورة.
قال الله – تعالى – : ﴿ أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا (٤) ﴾ المزمل؛ ليس المقصود بها حسن الصوت، ولكن يرتله ترتيلًا؛ يعني الترتيل الذي له غاية؛ وهو (كما بيَّنا) استنباط معنى لفظ، أو معرفة الفارق بين الآيات المتشابهة من خلال ترتيل الآيات التي تحوي ذلك اللفظ (لاستنباط معناه).
أو ترتيل الآيات التي يظهر بينها تشابه؛ لمعرفة سبب ذلك التشابه.
نصل إلى لفظ: (يقرأ) وهو في القرءان يعني القراءة بذات ترتيب الآيات في السورة؛ قال الله – تعالى – : ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ ﴾ من الآية (٢٠) المزمل.
هنا يقرأ القرءان حسب ترتيبه، وهذا غير الترتيل الذي قلنا عنه: إنَّه يرتل الآيات التي تحوي ألفاظًا متطابقة، أو متشابهة؛ لتبيُّن دلالة اللفظ؛ وبالتالي: المراد منها (شرط تبين موضع كل لفظ جاء في الآية).
ولا شك أنَّ دلالة كل لفظ لن تتغير في القرءان أبدًا.
ما معنى ذلك؟
أي لا يُمكن أن يكون للفظ واحد معنيان (باستثناء الأدوات التي تستمد معناها حسب المراد بها في الآية، مثل: ما: النافية، و ما: الاستفهامية).
قال الله – تعالى – : ﴿ فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ (١٩) ﴾ الحاقة؛ معنى ﴿ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ ﴾ أي يقرءوه كما هو؛ أي بذات ترتيب الأحداث التي في كتابه.
قال الله – تعالى – : ﴿ ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا (١٤) ﴾ الإسراء؛ لفظ: (اقرأ) معناه أنه يقرأه بذات ترتيب الأحداث دون نقص، أو زيادة، ودون تغيير في ترتيب الأحداث (لأنَّه لا ينتقي أحداثًا معينة؛ وإلَّا صارت تلاوة، وليست قراءة).
قال الله – تعالى – : ﴿ وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ (٢٠٤) ﴾ الأعراف؛ لم يقل: (إذا تُلي القرءان) ذلك من دقة الألفاظ في كتاب الله؛ لأنَّ القراءة ستكون بترتيب الآيات في السورة؛ لذلك فهي قراءة، وليست تلاوة.
قال الله – تعالى – : ﴿ وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا (٤٥) ﴾ الإسراء.
لم يقل: (إذا تلوت القرءان؛ لأنَّ القرءان يُقرأ؛ أمَّا الآيات (التي تتحدث عن شئ واحد) فهي تُتلى؛ أي يُمكن أن نأتي بالآيات التي تتحدث عن موضوع واحد دون ترتيبها في السور.
قال الله – تعالى – : ﴿ يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا (٧١) ﴾ الإسراء؛ لم يقل: (يتلون كتابهم) لأن كتاب الأعمال لا يُنتقى منه أعمال، وتترك أخرى، ولكن يُقرأ كاملًا حسب ترتيب الأحداث التي فيه.
والآن نتبين لفظ (يتلو)
يكاد يصعب استنباط دلالته لدقته الشديدة؛ لذلك حدث خلط في دلالته لدي الناس (ربما بلا استثناء).
وسأكتفي بجزء من الآيات؛ لأنَّ لفظ يتلو يحتوي على ءايات كثيرة حين تتحدث تلك الآيات عن حكم واحد، أو نبأ واحد..
من خلال تدبر القرءان نجد أنَّ التلاوة هي الآيات التي تتكلم عن شئ واحد، مثل: أحكام: النكاح؛ فالآيات التي تتحدث عن أحكام النكاح حين نجمعها مع بعضها فنحن بذلك نتلوها؛ لنتبين أحكام النكاح من خلال الآيات التي تحدثت عنه أين كان موضعها في السور.
كذلك إذا أردنا أن نتبين أحكام الطلاق، أو الميراث، أو حقوق اليتامى، أو الآيات التي تحدثنا عن المحرمات؛ كل موضوع منهم حين نأتي بالآيات الخاصة به؛ فذلك هو المراد بالتلاوة.
وكذلك ءايات تنقل لنا نبأ من قبلنا، مثل: أنباء عيسى – عليه السلام – خلق ءادم – عليه السلام – هلاك قوم هود، وقوم لوط كل حدث منهم هو تلاوة لأن الآيات تتحدث عن حدث واحد.
كذلك من التلاوة؛ الآيات التي تُنبئونا بأحداث اليوم الآخر، وغيرها من الآيات التي جاءت في كتاب الله.
قال الله – تعالى – : ﴿ لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ (١٦٤) ﴾ آل عمران.
حين يسألوه عن حكم معين، أو حين يُبيِّن لهم الرسول حكمًا من الأحكام، مثل: أحكام الصلاة، وأحكام الحج، وحكم شرب الخمر..
فالآيات التي تنقل إلينا فقط: أحكام النكاح مثلًا؛ فإنَّها تُسمى: (تلاوة) لأنَّها ذَكرت ما يتعلق بشئ واحد وهو:( النكاح).
وحين نأتي بكل الآيات التي تتكلم عن أحكام النكاح فقط؛ فذلك هو المراد بالتلاوة.
ومن يتحدث عن المحرمات فيأتي بالآيات التي تبيِّن للناس ما حرمه الله – تعالى – فإنَّ ذلك يُسمى: (تلاوة) لأنَّه يأتي بالآيات التي تتحدث عن المحرمات فقط، يتلوها من الكتاب.
وهنا نأتي إلى عدد من الآيات التي تُبيِّن لنا ما هي التلاوة
قال الله – تعالى – : ﴿ وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ (٢٧) ﴾ المائدة.
يَتبيَّن لنا المعنى بدقة: ﴿ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ ﴾ أي ءايات تذكر ابني ءادم فقط، ولم يقل الله – تعالى – : (اقرأ عليهم نبأ ابني ءادم) إنَّ ذلك من بلاغة القرءان، ودقة كل لفظ فيه.
لأنَّ الآيات تتحدث عن ابني ءادم فقط، وعن جزء من حدث خاص بهما.
قال الله – تعالى – : ﴿ وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَٰهِيمَ (٦٩) إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا تَعۡبُدُونَ (٧٠) قَالُواْ نَعۡبُدُ أَصۡنَامٗا فَنَظَلُّ لَهَا عَٰكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلۡ يَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ (٧٢) أَوۡ يَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ (٧٤) قَالَ أَفَرَءَيۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ (٧٥) أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (٧٧) ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهۡدِينِ (٧٨) وَٱلَّذِي هُوَ يُطۡعِمُنِي وَيَسۡقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ (٨٠) وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحۡيِينِ (٨١) وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ (٨٢) ﴾ الشعراء.
تلك هي التلاوة؛ حيث قال الله – تعالى – : ﴿ وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَٰهِيمَ ﴾ وذلك يعني أنَّ الآيات الكريمة ستُحدثنا عن سيدنا إبراهيم.
(الآيات تتحدث عن إبراهيم – عليه السلام – وقومه فقط).
يتبين لنا ذات المعنى الخاص بالتلاوة من الآيات التي ذَكرت: ﴿ نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ (٣) ﴾ القصص؛ جاء لفظ: (نتلوا)، وليس: (نقرأ)؛ لأنَّ الآيات تذكر مجموعة من أحداث خاصة بموسى – عليه السلام – وفرعون.
قال الله – تعالى – : ﴿ نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ
وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ (٥) ﴾ القصص، إلى ءاخر الآيات، التي تناولت أحداثًا خاصة بموسى – عليه السلام – وفرعون.
ومن الأدلة على أنَّ التلاوة ليست هي القراءة حسب ترتيب الآيات في السور؛ ولكن أن نأتي بالآيات التي تُحدثنا عن شئ واحد؛ قول الله – تعالى – : ﴿ قلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ
وَإِيَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (١٥١) وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۖ وَإِذَا قُلۡتُمۡ
فَٱعۡدِلُواْ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۖ وَبِعَهۡدِ ٱللَّهِ أَوۡفُواْۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ
ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ (١٥٣) ﴾ الأنعام؛ لم يقل: (قل تعالوا أقرأ ما حرم ربكم عليكم) بل قال – سبحانه وتعالى – ببلاغة مُعجزة: ﴿ قلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ ﴾.
لماذا؟
لأنَّ الآيات جمعت المحرمات فقط (ءاية تذكر شيئًا محرمًا، فتليها ءاية أخرى، وهكذا حتى يأتي بكل الآيات التي تتحدث عن المحرمات فقط).
لذلك الرسول ﷺ سيتلو عليهم الآيات التي تتحدث عن المحرمات، وليس غيرها؛ لذلك جاء لفظ: (أتلُ)، وليس: (أقرأ).
إذًا التلاوة ليست هي القراءة؛ لأنَّ التلاوة تأتي بالآيات التي تذكر شيئًا واحدًا، ومحددًا، مثل: (الصلاة، أو الحج، أو شهر رمضان، أو خلق السموات، والأرض، أو أنباء من قبلنا..). أما القراءة تكون حسب ترتيب الآيات في السورة حتى إذا كانت تتحدث تلك الآياتُ عن
أمور مختلفة.
أمثلة أخرى من التلاوة
ما جاء في قول الله – تعالى – : ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ
عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ (٢٤٦) وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ بَعَثَ لَكُمۡ طَالُوتَ مَلِكٗاۚ قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَيۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ وَلَمۡ يُؤۡتَ سَعَةٗ مِّنَ ٱلۡمَالِۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَيۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ وَٱللَّهُ يُؤۡتِي
مُلۡكَهُۥ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ (٢٤٧) وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ
فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ
وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ (٢٤٩) وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ
ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ (٢٥١) تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (٢٥٢) ﴾ البقرة.
الآيات تُبين لنا أحداثًا معينة دارت بين طالوت، وبني إسرائيل فقط؛ لذلك جاء: (نتلوها عليك).
قال الله – تعالى – : ﴿ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلّٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (٩٣) ﴾ آل عمران.
أي فأتوا بالآيات التي فيها ما تزعمون إن كنتم صادقين؛ ولا يُراد بها قراءة التوراة (كلها)، ولكن (فقط) الآيات التي تتحدث عن أنَّ كل الطعام كان حِلًا لبني إسرائيل إلَّا ما حرم إسرائيل على نفسه.
قال الله – تعالى – : ﴿ وَيَسۡتَفۡتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِيهِنَّ وَمَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لَا تُؤۡتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرۡغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلۡوِلۡدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلۡيَتَٰمَىٰ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِۦ عَلِيمٗا
(١٢٧) وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا (١٢٨) وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا
كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا (١٢٩) وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا (١٣٠) ﴾ النساء.
لاحظوا قول الحق وما يحوي من دقة وبلاغة بيانية رائعة: ﴿ وَمَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ ﴾ إنها تلاوة تشمل الآيات الخاصة بالنساء.
الآيات تتحدث عن يتامى النساء.
إذًا التلاوة: هي ءايات تذكر حكمًا واحدًا، أو نبأ واحدًا؛ لتُبينه للناس.
وماذا عن الترتيل؟
الترتيل: هو وضع الآيات التي يتكرر فيها لفظ واحد؛ أو ألفاظ متشابهة؛ بشكل مرتل لنستنبط دلالة كل لفظ فيها، أو لنتبين المراد من الآيات التي تشابهت.
أمَّا القراءة فهي قراءة الآيات حسب ترتيبها في السورة الواحدة؛ أي كما هي في كتاب الله.
فمن يقرأ سورة الفاتحة بترتيبها فهو يقرأ سورة الفاتحة، وليس يتلو سورة الفاتحة.
من يقرأ من سورة البقرة بذات ترتيب الآيات فيها؛ فتلك قراءة، وليست تلاوة.
وماذا عن التلاوة؟
إذا سألك أحد عن المحرمات التي جاءت في القرءان.
فإن التلاوة الحقة لِمَا حرمه الله – عز وجل – يجب أن تكون بذكر كل الآيات دون انتقاء.
فعلى الإنسان أن يتلو كل الآيات التي تتحدث عن المحرمات؛ ليبين للناس الحق.
فذلك هو حق التلاوة ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٢١) ﴾ البقرة.
حق التلاوة هو أن يتلو الإنسان الآيات التي تتحدث مثلًا عن أحكام النكاح كما هي دون أن ينتقص منها شيئًا.
والله أعلم.