الكثير من الألفاظ في اللسان العربي جاءت في القرءان الكريم، ولكن بعضها أخذ دلالة ليست كما هي في كتاب الله.

بعض الألفاظ في اللهجات العربية تأخذ دلالاتها كما جاءت في القرءان، ولكن بعض الألفاظ الأخرى لا يكون للفظ فيها ذات الدلالة التي نستنبطها من كتاب الله.

في اللهجات العربية قد يكون للفظ الواحد عدة معاني؛ وقد تشترك عدة ألفظ في معنى واحد، مثل ألفاظ: الجسم، والجسد، والبدن، والتي تبين لنا من خلال بلاغة القرءان، وإحكام الله لآياته أنَّ لكل لفظ منهم دلالته التي لا تكون للفظين الآخرين.

ومن الألفاظ التي جاءت في القرءان الكريم لفظي: الشاطئ والساحل..

هنا أتخذ منهما مثالًا على وجوب توافق الألفاظ من حيث الدلالة في اللسان العربي (اللهجات العربية) مع دلالاتها التي جاءت في القرءان الكريم.

 لفظ: الساحل في اللسان العربي له الدلالة ذاتها التي جاءت في القرءان الكريم، حيث يصف الأرض التي تُلامس اليم مباشرة.

لكن مع لفظ: الشاطئ اختلف الدلالة في اللسان العربي عما جاء في القرءان، حيث جاء الشاطئ في اللهجات العربية وصفًا للأرض الملاصقة لماء البحر: شاطئ البحر.

أما في القرءان فقد جاء لفظ: الساحل ـ وليس الشاطئ ـ ليصف الأرض التي بجوار اليم مباشرة: ﴿ وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَيۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰٓ (37) إِذۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ

مَا يُوحَىٰٓ (38) أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ (39) ﴾ طه.

وقد بينا من قبل المراد باليم: هو ماء البحر سواء كان ملح أو عذب يكون بجوار الساحل لذلك قال الحق: ﴿ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ ﴾ الآية تبين لنا أنَّ اليم والساحل مُتجاوران مباشرة.

وماذا نستنبط حين نتدبر الآية التي جاء فيها لفظ: الشاطئ؟

مع أنَّ لفظ الشاطئ جاء في كتاب الله مرة واحدة، لكن بلاغة القرءان، وإحكام الله لآياته تجعلنا نستنبط بإذن الله دلالته بدقة بالغة؛ وسيتبين لنا أنَّ تلك الدلالة لا تتوافق مع دلالة لفظ: الشاطئ التي جاءت في اللهجات العربية.

قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (30) ﴾ القصص.

نعم، إنه شاطئ الوادي، وليس شاطئ البحر.

 وقد يتعجب البعض من هذا؛ لأنهم اعتادوا في اللهجات العربية على أنَّ الشاطئ هو شاطئ البحرولكن لنتبين قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَيۡمَنِ فِي ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (30) ﴾.

في حال اختلاف دلالة لفظ ما في اللهجات العربية عن دلالته في القرءان؛ فإنَّ الدلالة البالغة التي تكون في المعجم هي الدلالة التي نستنبطها من القرءان الكريم.

وبذلك نرد الكثير من الشبهات التي بُنيت على اختلاف دلالة اللفظ في القرءان عن دلالته في اللهجات العربية.

ومن أمثلة ذلك لفظ: الحيوان..

حيث كان لمجيئه في اللهجات العربية الحديثة (بعد نزول القرءان) وصفًا للدابة سببًا في سخرية بعض من ينتقدون القرءان الكريم؛ لأنهم ظنوا أنَّ لفظ: الحيوان هو وصفًا للدابة، مثلما تبين لهم من اللهجات العربية!

ولكن لا شك أنَّ ذلك الوصف مُستحدث بعد نزول القرءان؛ أي لم يكن في زمن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يُطلق على الدابة لفظ: حيوان، أو حيوانات، ولكن كان اللفظ الذي يتم استخدامه هو: دابة، وجمعها دواب.

ومن هذا أرى أن تكون دلالة لفظ: حيوان كما جاءت في القرءان الكريم: أي تصف فقط الدار الآخرة التي لا تنقطع فيها الحياة أبدًا، لهذا جاءت بلفظ: الحيوان؛ وكأنها صيغة مبالغة تُعطي معنى: (الحياة الدائمة التي لا تنقطع، أو تنتهي).

هذا ما يتوافق مع دلالة لفظ: حيوان كما جاء في كتاب الله: ﴿ وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ (64) ﴾ العنكبوت.

ومثلها لفظ: رضوان الذي يعني رضوان الله الذي لا يزول، أو يُرفع عن من هم في رضوان الحق ـ عز وجل ـ .

وفي النهاية:

ليس هناك أفضل من القرءان، وبلاغته، وإحكام ءاياته، وتفصيل الآيات لبعضها لاستنباط دلالات الألفاظ التي تختلف معانيها في اللهجات العربية عما هي في القرءان الكريم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart