حد الزنى كما جاء في كتاب الله، و المراد بالمُحصنات (الجزء الأول).

ما هو المراد بلفظ (المُحصنات) في كتاب الله؟

الحصن هو ما يُحصن الشئ فيحفظه ضد ما يضره..

معنى الحصن كما نتبينه من القرءان

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ (٤٨) ﴾ يوسف.

يُحصنون الحبوب ضد التلف، أو أن يصل إليها أحد بطريقة غير مشروعة، أو أن تصل إليها الدواب، أو المطر وهكذا..

﴿ وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ (٨٠) ﴾ الأنبياء.

علمه اللهُ عن طريق الوحي صناعة ما نقول عليه: درع؛ ليحصنهم (أي يحفظهم) من بأسهم في الحروب (يحفظهم من الأسلحة كالسيوف).

﴿ لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭ ﴾ من الآية (١٤) الحشر.

قرى مُحصنة أي حولها حصن مادي ليحفظهم أثناء الحرب.

إذًا كل ما يحفظ الشئ ضد الضرر هو حصن.

كذلك الإسلام والإيمان بالله، وعمل الصالحات يُحصن المؤمن بها نفسه أمام وساوس الشيطان.

كذلك المُحصنة المُتزوجة هي التي تُحصن نفسها بإرادتها، وليس الزواج هو من يُحصنها.

لأن الزواج ليس سياجًا ماديًا يحول بين المرأة، والزنى فيمنعها (ماديًا) من الوقوع فيه، ولكن هي التي تُحصن نفسها ضد الزنى بإيمانها بالله، وخشيته، وخلقها الحسن؛ وإلَّا أصبح فعل التحصن من فعل الزواج، وليس المرأة وإرادتها!

فلا يجوز القول: بأن الزواج هو من أحصن المرأة، أو أحصن الرجل!

بل المرأة هي التي أحصنت نفسها من الوقوع في الزنى بعد الزواج؛ كما أحصنت نفسها قبله.

وكذلك الرجل هو الذي أحصن نفسه ضد الزنى.

لماذا الزواج يُحصن الفتاة؟

هذا ليس تناقضًا؛ لأن الفتاة لها تعريف ليس كما هو دارج بين الناس، يُمكن أن نتبينه من الآيات الكريمة.

الفتاة ليست صغيرة السن، ولكن الفتاة هي التي تخضع لسيدنا، أو سيدتها، والتي يقولون عليها: الجارية، ولفظ الجارية ليس من ألفاظ القرءان.

وبالعودة السؤال: كيف يُحصن الزواج الفتاة؟

في حالة الفتاة (وهي التي لا تملك من أمرها شيئًا ضد البغاء؛ لأن سيدها هو من يتحكم فيها) يُمكننا القول: إنَّ الزواج سيكون حصنًا للفتاة ضد الزنى؛ لماذا؟

لأنَّه بعد زواجها لن يستطيع أحد أن يمسها إلَّا زوجها.

تلك حالة خاصة أصبح فيها الزواج حصنًا يحفظ الفتاة (الجارية) ضد تقاليد مجتمع السيد، والإماء.

هل الحرة التي لم تتزوج هي كذلك مُحصنة؟

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ (١٢) ﴾ التحريم.

من الآية يتبين لنا أنَّ المُحصنة لا تعني المتزوجة فقط، ولكن كل من أحصنت فرجها ضد فاحشة الزنى (حتى غير المتزوجة؛ فهي مُحصنة)، هذا هو ما أريد أن أُبينه من تعريف الإحصان: أنَّه لا يقتصر على المتزوجة، أو المتزوج فقط؛ إنَّما يشمل كذلك من لم يتزوجن من النساء المُحصنات، ومن لم يتزوجوا من الرجال المُحصنين.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ ﴾ من الآية (٣٣) النور.

الله يأمر من لا يجد المال للزواج أن يستعفف حتى يغنيه اللهُ من فضله.

﴿ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗاۖ ﴾ الآية تتحدث عن الفتيات، والفتيان (من خضع أمره لسيده).

فكاتبوهم المراد بها عقد النكاح (أي زوجوهم) إن علمتم أنَّهم سيقيمون شرع الله، ويحترمون ميثاق النكاح.

﴿ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ ﴾ أي أعطوهم من المال الذي يُعينهم على الزواج، وإنشاء بيت..

وقد تم تفسير: (كاتبوهم) بمعنى: (أنهم ينالوا حرياتهم) لكن السياق لا أراه هكذا؛ لأنَّ الآية تتحدث عن النكاح (وليس الحرية) وما يعلموه من خير عند الفتيات، أو الفتيان في أنهم سيحترمون عقد النكاح، ولا يزنون بعد الزواج.

﴿ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٣٣) ﴾ النور.

ثم يخبرنا اللهُ – تعالى – بأمر الفتيات (وهن في هذه الآية من يمتلكهن إنسان بالمال: شراء أو حتى مبادلة دين مع أهلها، أو بالسبي.

كل ذلك قبل الإسلام؛ لأنَّ الإسلام لا يجيز السبي، أو تملك البشر للبشر؛ بل الإسلام أغلق كل أبوابه فجعل في الحرب أسرى فقط، وفي شأن الأسرى حكمين لا ثالث لهما: (إمَّا منَّا بعد) أي دون مقابل؛ (وإمَّا فداء) ومن أمثلة الفداء: مبادلة الأسرى.

إن أردن تحصنًا دليل على شيئين: أولًا (إن) دلت على وجود نسبة شك في أنَّ بعض الفتيات يُردن تحصنًا؛ فليس كل الفتيات (الإماء) سواء في رغبتهن بالتحص.

الإسلام هنا يحفظ النسل بعد زواج الفتاة فلا تزني بعد زواجها فتختلط الأنساب.

فإن كانت الفتاة تُريد الزواج، وستحفظ فرجها فليزوجوها.

لماذا في حال الفتاة – حسب التعبير الدارج – : (الجارية، أو الأمة) سيكون الزواج حصنًا لها من ارتكاب فاحشة الزنى؟

العادات، والتقاليد كانت تُجبرها على أن يمسها مالكها (سيدها)، أو حتى يمسها غيره إن أراد مالكها ذلك (ولو بالمال).

ولم يكن في استطاعة الفتاة أن ترفض (فهي مُكرهة) لذلك سيكون زواجها حصنًا لها؛ لأنَّه بعد زواجها لن يمسها أحد إلَّا زوجها.

كذلك تبين لنا الآية أن الفتاة (الأمة) إذا أرادت ألَّا يمسها أحد دون عقد نكاح، فيجب عليهم ألا يُكرهوها على البغاء؛ فإنَّ في إكراهها عرض الحياة الدنيا، فإن أُكرهت؛ فإنَّ الله سيغفر لها فيما لا تمتلك أمره.

لقد أمر اللهُ الناس أن يمدوها بالمال هي، وكل من فقد حريته؛ لُيساعدوهم على الزواج إن أرادوا تحصنًا.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٢٥) ﴾ النساء.

هذه من الأدلة القاطعة على أنَّ لفظ المحصنات يتم إطلاقه كذلك على غير المتزوجات (وهذا سيكون له دور في تبين عقوبة الزنى إن شاء الله).

المؤمن الحر الذي لم يزن، ولا يستطيع أن ينكح المحصنات من المؤمنات؛ أجاز اللهُ له أن ينكح (أي يتزوج) ممَّا ملكت أيمانهم من الفتيات المؤمنات (الفتاة دائمًا في الآيات هي: التي لها مالك (سيد))

المؤمن الذي يُريد أن يتزوج من فتاة (أمة) لأنَّه يخشى العنت (الوقوع في الحرام) لماذا إن صبر هو خير له؟

الفتيات يعشن في مجتمعات تقاليدها لا تمنع أن يمسهن أي أحد، وليس لهن رأي في ذلك.

وبعد زواجها قد تحدث المشلكة؛ كيف؟ قد لا يتغير سلوك الفتاة بعد الزواج عما كان قبله؛ حينئذ قد تسمح بأن يمسها غير زوجها مما يسبب اختلاط في الأنساب؛ ومن ثم الطلاق.

لذلك فالزواج من فتاة لا يُمكن الحكم على مدى التزامها بميثاق النكاح فيما هو قادم سيكون مغامرة غير محسوبة؛ فربما كان ذلك سبب الخيرية في الصبر.

لكن الزواج من الفتيات ـ حسب التعبير الدارج – : (الإماء) لم يُحرمه اللهُ – سبحانه وتعالى – فهناك فتيات يتقين الله، ويُردن أن يتحصَّنَّ ويكون لهن بيت..(والله أعلم).

﴿ وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ﴾ لا شك أن الله – تعالى – يكلمنا هنا عن المؤمنات المُحصنات (غير المتزوجات).

﴿ يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ﴾ الآية تتحدث عن الزواج من المُحصنات المؤمنات، الحرائر.

لفظ المؤمنات لا يُراد به إحصان الفرج، فقد تزني مؤمنة؛ فيُحرم بذلك على المؤمن المُحصن أن ينكحها؛ لأنها زانية.

ولو امرأة أحصنت فرجها لكنها ليست مؤمنة فلا يجوز الزواج منها.

أي أنَّ الإيمان لا يعني الإحصان، ولكن نستطيع أن نقول: إن َّالإيمان يُعين الإنسان على أن يُحصن نفسه من الوقوع في الزنى.

وسنفصل ذلك إن شاء الله:

مراد الآية الكريمة: ﴿ وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ﴾ هو:

المؤمن المُحصن لا ينكح إلَّا مؤمنة مُحصنة (أي أحصنت فرجها).

لكن حين وجد بعض الناس الآية تتحدث عن غير المتزوجات، وتصفهن كذلك بالمُحصنات، تشابهت عليهم الأمور..

لماذا تشابهت عليهم الأمور؟

لأن الدارج لديهم أنَّ المُحصنة هي المتزوجة التي أُحصنت بالزواج؟!

وكأن الزواج هو السياج المادي الذي سيمنعها (ولو دون إرادتها) من الزنى؟!

وهل المرأة بدون الزواج لا تكون مُحصنة بإرادتها؟!

بل المرأة بإيمانها، وإرادتها، وخلفها هي التي تُحصن فرجها.

ما هو مفهوم الإحصان؟

الإحصان هو أنها هي التي لا تُريد أن تزنى، وليس لأن الزواج هو من يمنعها.

والقول بأن: الزواج أحصن المرأة هو قول ينتقص من المرأة الحرة!

لأنها هي صاحبة الإرادة، فهي ليست كالفتاة التي لا تمتلك أمرها!

أليست هي من أحصنت نفسها قبل الزواج بإرادتها؛ فلماذا لا تكون هي كذلك التي تُحصن نفسها بعده؟!

ولأن دلالة لفظ المُحصنات ليست كما في القرءان اختلطت لديهم الألفاظ فقالوا: إنَّ المُحصنات هن المتزوجات فقط، هن من أُحصن بالزواج!

أما في الآية ﴿ وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ﴾ قالوا: لفظ المُحصنات هنا معناه المسلمات، وليس (من أحصن فروجهن)؟!

وهنا يظهر سؤال

وماذا عن المسلمة التي زنت؛ ألم يُحرم اللهُ الزواج منها؟!

فلو كانت المُحصنات هنا هي المسلمات؛ فأين حُكم الله بأن المؤمن المُحصن لا ينكح إلَّا المراة التي أحصنت فرجها؟!

وهل يُعقل أن يأتي: (المسلمات المؤمنات) وهو تكرار، ولا يأتي حُكم يُبين لنا أنَّ إحصان المرأة لفرجها هو شرط للنكاح؟!

إنَّ القول بأن: المُحصنات تعني المسلمات؛ أراه تأويلًا لمراد الآية الكريمة، وتبديلًا لألفاظها!

وما الدليل أنَّ الآية لا تُريد بالمحصنات: المسلمات؟!

الدليل من قول الله – تعالى – : ﴿ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ﴾؛ فنلاحظ أنَّهن مؤمنات بالفعل وهذا أقوى من مسلمات ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٤) ﴾ الحجرات.

إيمان الإنسان لا شك أنه أعلى من إسلامه.

كذلك استبدال لفظ المُحصنات بلفظ المُسلمات تسبب في حدوث اختلال في فقه الآية، واستنباط المراد منها؛ لأنَّه لا يُظهر التكامل التشريعي فيها؛ وبالتالي: لن يستقيم معنى الآية بسبب هذا التأويل.

التكامل التشريعي في الآية يظهر مع تبين الآيات الأخرى في كتاب الله، مثل: قول الله – تعالى – : ﴿ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (٣) ﴾ النور.

فقد تكون مسلمة، ولكن زانية، أو مؤمنة وزنت؛ لذلك لا يجوز أن ينكحها المؤمن المُحصن.

من بلاغة البيان، ودقة الألفاظ في الآية التي تُبين للمؤمنين أنه لا يجوز الزواج من زانية أو مشركة جاء: ﴿ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ﴾ وهو ما يُبين لنا مراد الآية بدقة بالغة لا تختلف مع الآيات الأخر..

وكيف نستنبط ذلك دون تأويل الآية عن مرادها الحق؟

جاء في الآية لفظ: (المُحصنات) لأنه لا يجوز للمؤمن المُحصن أن ينكح مؤمنة لم تُحصن فرجها؛ لأن الله حرم على المؤمن المُحصن أن ينكح زانية ولو كانت مؤمنة.

كما انَّ الزنى ليس دليلًا على عدم الإيمان بالله، ولكن هو معصية.

وكذلك من كمال التشريع في الآية جاء لفظ: (المؤمنات) لأنه لا يجوز للمؤمن المُحصن أن ينكح مشركة ولو أحصنت فرجها.

إذًا الآية تناولت الإحصان، والإيمان معًا؛ لأنه لا يجوز – بدونهما – للمؤمن المُحصن أن ينكح امراة زانية، أو مشركة.

فلو كان الأمر كما يظنون: لفظ المُحصنات المراد به المسلمات؛ فأين شرط إحصان الفرج الذي لا يتم النكاح بدونه؟!

إنَّ المسلمات، والمؤمنات لا يعنيان إحصان الفرج.

وعودة لتبين تكامل ألفاظ: (ينكح، المُحصنات، المؤمنات) في الآية، وما بها من بلاغة بيانية، وأنَّه لا يجوز استبدال لفظ المُحصنات بلفظ المسلمات؛ لئلا يتغير المعنى، ومُراد الله – تعالى – من الآيات الكريمة:

قال اللهُ – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ﴾ نتبين ما يلي:

(ينكح): دلت على أنَّهن غير متزوجات؛ لأنَّه لا يجوز الزواج من متزوجة.

إذًا من بلاغة الآية، ودقة ألفاظها؛ نستنبط دون تأويل أنَّ لفظ المُحصنات لا يُراد به فقط المتزوجات؛ بل كل من أحصنت فرجها.

(المُحصنات): دلت على ألَّا تكون زانية؛ لأنَّ الله حرم على المؤمن (المُحصن) أن ينكح زانية.

(المؤمنات): دلت على ألَّا تكون مُشركة (ولو أحصنت فرجها).

هذا هو التكامل التشريعي في الآية بلا اختلاف، ولا تأويل.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٢٥) ﴾ النساء.

لذلك من بلاغة البيان في القرءان جاء اللفظان الذان يُمكن من خلالها أن ينكح المؤمن المُحصن المرأة وهما أنها: مُحصنة، ومؤمنة.

ومن الأدلة الأخرى على أنَّ: (المُحصنات) تعني من أحصن فروجهن من المتزوجات، وغير المتزوجات؛ قول الله – عز وجل – : ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ (٤) ﴾ النور .

فلو كان لفظ المُحصنات يعني فقط المتزوجات؛ فماذا عن المؤمنات اللاتي لم يتزوجن؟!

إنَّ القول بأن المُحصنات هن المتزوجات فقط؛ هو قول خاطئ.

لأنه لا يُعقل أنَّ يكون مُراد الآية هو: المؤمنات المتزوجات فقط؟!

بل تشمل كل المُحصنات، المتزوجات، وغير المتزوجات.

ذلك ما يتفق مع سياق الآية، وهو دليل قاطع على أنَّ المحصنات تشمل كل من أحصنت فرجها ضد الزنى سواء كانت متزوجة، أو غير متزوجة.

ولنا في قول الله – تعالى – عن السيدة مريم التي لم تتزوج برهان، ودليل قاطع على أنَّ المحصنة تعني كذلك من أحصنت فرجها، ولم تتزوج.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ (١٢) ﴾ التحريم.

ذلك من بلاغة البيان في القرءان الكريم.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart