Detailed image of an open Quran with prayer beads, symbolizing Muslim culture and spirituality.

خلط البعض بين البيان، والتفسير، وبين التأويل (باعتبار أنَّ لهم معنى واحد).

وقالوا: إنَّ حرف (الواو) في قول الله – تعالى – : ﴿ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ ﴾ حرف عطف، وليس بداية خبر جديد. فظنوا أنَّ: ﴿ الراسخون في العلم ﴾ يعلمون تأويل المُتشابه من القرءان!

وقد بيّنا من قبل؛ أنَّ تأويل المتشابه من القرءان؛ هو علم غيب، لا يعلمه إلَّا اللهُ وحده.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ (٧) ﴾ آل عمران.

لو كان الراسخون في العلم؛ يعلمون تأويل المتشابه من القرءان مع الله – تعالى – لتغيرت قراءة الآية؛ وتغير بالتالي معناها الذي أراده الله!

لماذا؟

لأنَّ ما ينطبق على أول القراءة؛ ينطبق على ءاخرها.

كيف هذا؟

لو كانت القراءة كما يقولون هكذا: ﴿ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ ﴾ ثم نتوقف؛ سيكون المعنى: اللهُ، والراسخون في العلم؛ يعلمون تأويل المتشابه من القرءان!

)وهذا ليس مراد الآية الكريمة)

وحين نُكمل القراءة: ﴿ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ ﴾ سيتبين لنا أنَّ معنى هذه القراءة كذلك لا يجوز؟!

فلو كان حرف (الواو) الذي جمع بين لفظ الجلالة (الله) وبين (الراسخون في العلم) حرف عطف؛ فإن ذلك سيجعل قول الله – تعالى – : ﴿ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ ﴾ يعود على كل ما قبله!

أي سيعود على لفظ: ﴿ الراسخون في العلم ﴾ وكذلك سيعود على (الله)!

وهذا المعنى لا يجوز؛ لأنَّه سيبدو وكأن اللهَ يقول مع الراسخون في العلم: ءامنا به كل من عند ربنا!

فكما يتبين لكم: حين تغيرت القراءة تغير معها المعنى.

نتبين مما سبق أنَّ القراءة من خلال أنَّ حرف (الواو) حرف عطف لن تكون القراءة الصحيحة.

ولكن حرف (الواو) في الآية جاء في بداية جملة جديدة للجمع، والسرد.

أي أنَّ حرف (الواو) هو: حرف استئناف، وليس حرف عطف.

تداخلت الأمور لدى البعض؛ حين جاء لفظ: (الراسخون) مرفوعًا؛ حيث ظنوا أنَّ قول الله – تعالى – : ﴿ ٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ ﴾ جاء فيه (الراسخون) فاعل (أي مرفوع).

فظنوا كذلك أنَّ هذا دليل على أنَّ ﴿ الراسخون في العلم ﴾ يعلمون تأويل المتشابه من القرءان؟!

ولكن لم ينتبهوا إلى أنَّ لفظ: (الراسخون) جاء مرفوعًا؛ لأنَّ ﴿ ٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ ﴾ قالوا: ﴿ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ ﴾ فهذا هو سبب مجئ لفظ: (الراسخون) مرفوعًا.

وليس – كما يظن البعض – لأنَّهم يعلمون تأويل المتشابه من القرءان.

ما سبق نتبين منه أنَّ حرف (الواو) في قول الله – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ ﴾ ليس حرف عطف؛ بل جاء للجمع، و السرد (جاء لبداية خبر (قول) ءاخر).

ماذا نستنبط مما سبق؟

أنَّ قول الله – سبحانه وتعالى – : ﴿ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ ﴾ كان وصفًا من الله لِمَا يقوله الراسخون في العلم عن ءايات الكتاب.

وقد دل بدوره على أنَّهم لا يعلمون (أبدًا) تأويل المتشابه من القرءان.

لماذا؟

كيف يعلمون المتشابه وهم يقولون: (ءامنا به، كل (أي المحكم والمتشابه من القرءان) من عند ربنا)؟!

إنَّ قول الله – جل وعلا – : ﴿ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ ﴾ يُبين لنا ببلاغة قاطعة أنَّ اللهَ وحده هو من يعلم تأويل المتشابه من القرءان.

أمَّا قوله – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ ﴾ فقد بيَّن لنا أنَّ: ﴿ الراسخون في العلم ﴾ في كل مجالات العلوم كالطبيعة، والفضاء، والطب، وليس في الدين فقط؛ يقولون: ءامنا بالمتشابه كما ءامنا بالمحكم؛ لأن كله من عند ربنا.

وهذا دليل على أنَّ اللهَ وحده؛ هو من يعلم تأويل المتشابه من القرءان.

إنَّ التمييز بين التأويل من جهة، وبين البيان، والتفسير من جهة أخرى؛ يُؤدي إلى تبين مراد الله من الآيات المتشابهة من القرءان.

كيف ذلك؟

التأويل هو لله وحده لأنه له معاني باطنة لا يعلمها إلَّا الله – تعالى -.

أما البيان، والتفسير فكلاهما يعتمد على تدبرنا لآيات القرءان (بينة الألفاظ، والدلالات) لاستنباط المراد منها كما هو دون تغيير، أو تحريف عما أراده اللهُ – عز وجل -.

الناس يتبينون القرءان، ويفسرون الآيات كالظواهر الطبيعية ليستنبطوا منها الحق، وليس يُؤولون القرءان.

لماذا لا يُؤولون القرءان؟

لأن المتشابه من القرءان لا يعلم تأويله إلَّا اللهُ وحده، وتأويله سيأتي يوم القيامة.

إنما الناس يتبينون الآيات المتشابهة، ولا يُؤولونها؛ حين يتدبرون الآيات وفقًا لألفاظها، ودلالاتها البينة.

والله أعلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart