هل يوم الجمعة هو اسم لليوم، أم وصف له؟
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (٩) ﴾ الجمعة.
قد يرى بعض الناس أنَّ لفظ: (إلى) في الآية الكريمة يدل على أنَّ ذِكر الله يكون في كل مكان، وليس المراد به الصلاة في المسجد!
إنهم بذلك خلطوا بين حرف: (اللام) ولفظ: (إلى)!
لو قال اللهُ – تعالى – : (فاسعوا لذكر الله) لأصبح المعنى كالتالي: السعي ذاته سيكون هو الذِكر، لكن ذلك ليس ما جاء في الآية، وليس هذا مرادها.
ما هي الدقة البيانية في مجئ لفظ: (إلى)؟
من دقة كلام الله؛ قال: ﴿ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ﴾ ليدل لفظ: (إلى) على انتقال المؤمن من مكانه إلى المسجد؛ ليذكر الله فيه.
ذِكر الله سيكون في المسجد بإقامة الصلاة الحركية من قيام، وركوع، وسجود؛ أي بإقامة صلاة الجمعة التي وصف اللهُ بها اليوم الذي يتجمع فيه الناس لإقامة صلاة الجمعة – في المساجد -.
فالجمعة لم تكن اسمًا لليوم من قبل؛ أي ليس لها أي صلة بيوم العروبة الذي حسب الروايات كان يتجمع فيه العرب للتجارة.
ماذا نتبين من ذلك؟
أنَّ لفظ: (الجمعة) هو وصف لليوم، وليس من أسماء أيام الأسبوع.
اللهُ لم يُسمِ الأيام؛ ولكن أطلق على بعضها صفات، وليس أسماءً، مثل: يوم السبت؛ فالسبت ليس اسم لليوم، ولكن كان وصفًا لأبرز ما فيه من حدث وهو: أنَّه في ذلك اليوم يسبتون عن الصيد في البحر..ثم أطلق عليه الناس اسم يوم السبت فيما بعد.
مثل: يوم الزينة؛ قال اللهُ – تعالى – : ﴿ قَالَ مَوۡعِدُكُمۡ يَوۡمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحٗى (٥٩) ﴾ طه؛ فالزينة هي وصف لليوم الذي تُقام فيه الزينة؛ ولم تكن اسمًا من أسماء أيام الأسبوع.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَسۡـَٔلۡهُمۡ عَنِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِي كَانَتۡ حَاضِرَةَ ٱلۡبَحۡرِ إِذۡ يَعۡدُونَ فِي ٱلسَّبۡتِ إِذۡ تَأۡتِيهِمۡ حِيتَانُهُمۡ يَوۡمَ سَبۡتِهِمۡ شُرَّعٗا وَيَوۡمَ لَا يَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِيهِمۡۚ كَذَٰلِكَ نَبۡلُوهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ (١٦٣) ﴾ الأعراف.
﴿ إِذۡ يَعۡدُونَ فِي ٱلسَّبۡتِ ﴾ أي في سباتهم؛ لأن اللهُ أمرهم بأن يسبتون في ذلك اليوم؛ فلا يصطادون الحيتان؛ لذلك نتبين أنَّ لفظ: (السبت) لم يكن وصفًا لليوم قبل أمر الله – تعالى – لهم بالسبات فيه.
ويمكن أن نلاحظ ذلك في قول – سبحانه وتعالى – : ﴿ إِذۡ تَأۡتِيهِمۡ حِيتَانُهُمۡ يَوۡمَ سَبۡتِهِمۡ شُرَّعٗا وَيَوۡمَ لَا يَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِيهِمۡۚ ﴾ لقد نسب اللهُ – تعالى – السبت إليهم؛ قال: ﴿ يَوۡمَ سَبۡتِهِمۡ ﴾ وهذا دليل على أنَّ السبت لم يكن اسمًا ليوم من أيام الأسبوع.
إنما لفظ: (سبتهم) كان وصفًا لأبرز ما في ذلك اليوم وهو: سباتهم (هم) لتنفيذ أمر الله الذي قصدهم دون غيرهم من الناس؛ وهذا ليل على أنَّ السبت لم يكن اسمًا لليوم.
لماذا لم تكن اسمًا لليوم؟
لأن اللفظ خرج من السبات، وليس من يوم كان اسمه السبت.
والدليل الآخر؛ قول الله – تعالى – : ﴿ وَيَوۡمَ لَا يَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِيهِمۡۚ ﴾ أي يوم لا يأمرهم اللهُ بفعل السبات (الامتناع عن صيد الحيتان) لا تأتيهم؛ و في ذلك نوع من الابتلاء لهم.
مما سبق نستنتج التالي
اللهُ – جل وعلا – لم يُسمِ أيام الأسبوع أبدًا، ولكن أطلق بعض الصفات على بعض الأيام كما تبين لنا من الآيات الكريمة.
إذًا: ﴿ وَيَوۡمَ لَا يَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِيهِمۡۚ ﴾ هي دليل على أنَّ السبت هنا صفة من فعل يسبتون، وليست اسمًا ليوم كان موجود لأحد أيام الأسبوع سبق أمر الله لهم.
كيف جاءت إلينا بعض أسماء الأسبوع، مثل: السبت، الجمعة؟
مع تأثر الناس بالحدث أطلق الناس عليه اسمًا لهذا اليوم، وأصبح يُعرف باسم: (يوم السبت) فأصبح من أيام الأسبوع التي نعرفها.
وبالنسبة لسبب تسمية يوم الجمعة
قام المسلمون كذلك بإطلاق اسم يوم الجمعة على اليوم الذي تُقام فيه صلاة الجمعة (تأثرًا بصلاة الجمعة وهي أبرز ما في اليوم).
فأصبح من أسماء أيام الأسبوع المعرفة لدينا.
هل يُوجد برهان ءاخر يدل على أنَّ صلاة الجمعة تم ذكرها في كتاب الله،
وتعني أنها: صلاة تُقام في المساجد، في جماعة مرة كل أسبوع؟
نعم، ذلك البرهان نتبينه من قول الله – تعالى – : ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (١٠) وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ (١١) ﴾ الجمعة.
ذلك دليل قاطع على أنَّ صلاة الجمعة، هي صلاة من قيام، وركوع، وسجود، يسعى المؤمن إلى المسجد لإقامتها في جماعة.
الآية الكريمة ذَكرت لفظ: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ ﴾.
ذلك من دقة الألفاظ، وبلاغة البيان في الآيات التي نتبين منها وجود صلاة الجمعة كما نُقيمها في المساجد.
فالانتشار يأتي (لا محالة) بعد التجمع؛ وهذا الإنتشار دليل (قاطع) على تجمع المؤمنين في المساجد لأداء صلاة الجمعة فيها في جماعة.
إنَّ المؤمنين حين يسمعون النداء للصلاة من يوم الجمعة (وقلت: إنَّ الجمعة وصفًا لليوم الذي تقام فيه صلاة الجمعة) يسعون (أي ينتقلون من أماكنهم) إلى المساجد؛ كي يُؤدون الصلاة فيها.
لماذا لم يأتِ القول: (يوم الجمعة) بدلًا من: ﴿ من يوم الجمعة ﴾؟
ذلك من دقة القرءان؛ لأنه لو جاء القول: (للصلاة يوم الجمعة) بدون لفظ: (من).
سيعني (في هذه الحالة) أنَّ عموم صلوات يوم الجمعة (اليوم فقط، وليس الَّيل) ستكون إقامتها فرضًا في المساجد عند سماع النداء لكل صلاة في اليوم.
ولكن لا ينطبق الأمر هنا على صلاة العشاء؛ لأنَّها صلاة بالَّيل، وليست من صلوات النهار، وهذا لم يكن المراد من الآية.
فكان قول الله – تعالى – : ﴿ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ ﴾ فيه دقة البيان؛ لأنَّ لفظ: (من) يعني جزء من اليوم، وليس كل اليوم.
وحرف (اللام) في لفظ (للصلاة) جعلها مُعرَّفة؛ أي صلاة مُعروفة، ومُحددة للرسول، والناس من بين صلوات باقي اليوم؛ وهي صلاة الجمعة التي لا تنبغي إلَّا في المساجد، في جماعة.
قول الله – تعالى – : ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (١٠) ﴾ هذا دليل على تجمع المؤمنين في المساجد لأداء الصلاة.
وبعد قضاء الصلاة مباشرة؛ أمرهم اللهُ بالانتشار في الأرض ليبتغوا من فضل الله (أي يعودون للعمل، وطلب الرزق بعد أن قضوا صلاة الجمعة في المساجد في وقتها).
﴿ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ﴾ فهي تعني (بعد قضاء الصلاة) عموم الذكر، وليست الصلاة في المساجد فقط.
التاجر الذي يصدق في البيع، والشراء خوفًا من الله، ورجاءً لرضوانه؛ هو كذلك يذكر الله حين يخشاه.
لماذا ذكرت الآيةُ: البيع فقط؟
لأنَّ البيع يعني الشراء من طرف ءاخر.
ومن بلاغة البيان في القرءان أنَّ الله ذكر البيع الذي يترتب عليه الشراء، ولم يذكر الشراء؛ لأنه إذا لم يكن هناك بيع؛ لن يكون هناك شراءً.
والبيع هو أكثر ما قد يشغل الناس، من بين كل المهن الأخرى.
فيه استمرار الحياة، وطلب الرزق، وهو أفضل (بلا شك) من اللهو؛ فإن كان الإنسان مطالبًا بأن يذر البيع (بما فيه من أهمية)؛ فإنَّ كل إنسان ءاخر (يشغله شئ أهون من البيع) عليه أن يلبي نداء الصلاة.
وذلك أراه ردًا على من قالوا: لماذا تم ذِكر البيع، ولم يذكر من في البيوت، أو من يلهون؟!
أُؤكد لهم القول: إذا تم ذِكر الأكثر أهمية وهو: البيع؛ وجب بالتالي: دخول الأقل أهمية في الأمر وهو: من في البيوت، أو من يلهون.
وذلك من بلاغة القرءان الذي يأتي فيه القول الأكثر إيجازًا من كلام البشر، والأكثر بلاغة.
هل تجب صلاة الجمعة على كل الناس؟
هناك من لديهم أعذار حقيقية، مثل: المريض، والطبيب الذي يُجري عملية جراحية، أو مشغول بحالة مريض يحاول إسعافه، أو يكشف على مريض حالته لا تحتمل التأخير، أو من هم في طائرة، أو قطار..
وقد بينت من قبل؛ أنَّ صلاة الجمعة هي الصلاة التي فرض اللهُ قضاءها في المساجد في جماعة، في وقتها، ولا تنبغي في غير المسجد، و لا ينبغي قضاؤها فردية، ولا تُقضى بعد وقتها.
لكن الصلوات الخمس يُمكن صلاتها في البيت، ويجوز أن يُصليها الإنسان (فرد)، وتُقضى حتى لو فات وقتها (وهذا ما جعلها تختلف عن صلاة الجمعة).
ولكن لا شك أن إقامة الصلوات الخمس في المسجد، هي أفضل لمن ليس له عذر.
والله أعلم.