كيف لا نهجر القرءان؟

يظن البعض أنَّ هجر القرءان، هو: ترك قراءته فقط، ولكن للفظ (هجر) معنى أشمل وأدق من ذلك، يجعله ليس قاصرًا على القراءة فقط.

فالهجر يكون بعد مجئ الشئ، فيتركه الإنسانُ؛ وكأنَّه ليس موجودًا.

وماذا عن هجر القرءان؟

من الناس من يقرأ القرءان، ويهجره في ذات الوقت.

كيف ذلك؟!

هجر الإنسان للقرءان ليس بترك قراءته فقط، ولكن بترك تدبره أيضًا؛ فلا يستنبط القارئُ أبدًا معاني الألفاظ كما هي في القرءان.

وبالتالي: لا يُمكنه أن يستنبط مراد الله من الآيات، ولن يُدرك ما في القرءان من معجزات بيانية لا يُمكن لنا وصفها ولا حصرها.

ولأنَّ الذِكر، هو معاني الألفاظ، والمراد من الآيات؛ فإنَّه لا يأتي في الفؤاد إلَّا بالتدبر.

الله لم يُنزِّل القرءان لنقرأه فقط، ولكن لنتدبره، ونستنبط معانيه، والمراد من ءاياته؛ ولنتبيَّن في ذات الوقت ما به من معجزات بيانية تُثبت للناس أنَّ القرءان هو قول الله، وليس قول بشر. قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ (٢٤) ﴾ محمد.

المؤمن حين يتدبر القرءان يزداد إيمانًا بما تبيَّن له من الحق، والكافر إن تدبر القرءان؛ قد يهتدي (إن شاء الله) بعد أن تبيَّن له أنَّه الحق من ربه.

ومن الناس من يهجر القرءان، فيُؤخذ بفعله هذا يوم الحساب؛ لأنَّه ضل عن الذِكر بعد إذ جاء؛ أي ضل عن: معاني الألفاظ، والمراد من الآيات التي جاءت في القرءان، ذلك حين رده، أو استبدله بعد أن علم أنّه الحق من ربه بغيره من القول الَّذي يُخالف كلام الله!

وقد بيَّنتُ ذلك في عدة موضوعات منها: ردي على من جعل للكتاب ءايات، وللقرءان ءايات أخرى!

قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلٗا (٢٧) ﴾ الفرقان. الظالم يوم الحساب يعض على يديه من شدة الندم والحسرة؛ لأنَّه لم يتخذ مع الرسول سبيلًا.

لاحظوا دقة البيان في لفظ: ﴿ مَعَ ﴾، فلا شك أنَّ سبيل الرسول الَّذي يهتدي به، هو: القرءان، وهو ذاته سبيل المؤمن.

ومزيد من الحسرة، تظهر على الظالم حين يقول: ﴿ يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا (٢٨) ﴾.

الخليل هو الذي يصدقه الإنسان دائمًا لا يرد له قولًا؛ حيث يظن أنَّ ذلك الخليل دائمًا على الحق إلى الدرجة التي تجعله ذلك الإنسان يهجر القرءان، وما تبيَّن لهم فيه من الحق من أجل قول خليله.

كيف ذلك؟

من يقول: ﴿ يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا (٢٨) ﴾ حين جاءه الذِكر (المعنى الحق في القرءان)، لم يعمل به، وعمل بكلام فلان الَّذي اتخذه خليلًا ظنًا منه أنَّه صادقًا فيقول الحق دائمًا!

فتكون المفاجأة يوم الحساب: حين يبدو له أنَّ الحق، هو: ما جاء في القرءان الَّذي هجره في الحياة الدنيا، ولم يعمل به، وليس ما قاله خليله الذي اتبعه.

ومن بلاغة البيان في القرءان، ودقة الوصف يقول يوم الحساب عن خليله: ﴿ لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ ﴾ لفظ : ﴿ إِذۡ ﴾ يدل على الَّآنية ـ الَّحظة ـ، فهو أقل زمن يُمكن أن يتحقق فيه الشئ، إنَّه الَّحظة التي نتبيَّن فيها الحق دون تأويل.

والذِكر من عند الله، حين يتحقق؛ فلا يُمكن تأويله؛ ولا رده؛ ولا يُمكن استبداله بقول ءاخر يُخالفه.

﴿ فُلَانًا ﴾ جاء وصفها في الآية: بالشيطان.

إذًا، هو يُضل الناس على علم، والشيطانُ يخذل حزبه يوم القيامة.

يقول الرسول يوم الحساب: ﴿ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا ( ٣٠ ) ﴾، هو شاهد على قومه، وهذا ينطبق على كل من هجر القرءان؛ حتى من جاءوا من بعد الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى أن تأتيَ الساعة؛ لأنَّ الله ـ تعالى ـ يُريد أن نحذر من هجر القرءان، وأن نحذر من أن نضل عن الذِكر الَّذي يأتينا بالقرءان قول الحق.

إنَّ من قرأ القرءان ولم يتذكر؛ كمن حرث الأرض ولم يزرعها؛ ثم ينتظر أن يحصد منها ثمرة؟!

إنَّ من تدبر القرءان فقد قرأه، ولكن ليس كل من قرأ القرءان تدبره.

فما الَّذي يحصده الإنسان حين يقرأ القرءان، وهو لا يدري ما فيه الحق؟!

وماذا عن من جاءه الذِكر فعلم الحق الَّذي في كتاب الله؛ ثم رده؟!

إنَّه الأسوء حظًا – بلا شك – كما تبيَّن لنا من الآيات.

إذًا علينا ألَّا نهجر القرءان.

وكيف ذلك؟

لا نترك تدبره، ولا نترك العمل بما فيه، وألَّا نظن أنَّ قراءة القرءان دون تدبر، ودون أن نعي ما فيه من حق؛ أنه يكفينا عند الله يوم الحساب.

بل علينا أن نتخذه سبيلًا لنا في حياتنا الدنيا؛ ليكون سببًا لنجاتنا في الآخرة.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart