A peaceful mosque interior featuring a backlit window, rehal stand, and intricate architecture.

كيف نفرق بين: الضرر، والأذى حسب بلاغة القرءان الكريم؟

من خلال تدبر الآيات التي جاء فيها لفظ: (الضرر) نستنبط أنَّ الضرر يكون ماديًا، وليس معنويًا؛ كما في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ

وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ دَرَجَةٗۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا (95) ﴾ سورة النساء.

الله لم يقل: غير أولي الأذى؛ ذلك من دقة الوصف في الآية؛ لأنَّ الله أراد من قوله: ﴿ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ ﴾ أصحاب الأعذار المادية؛ كالمريض، والأعمى، والأعرج..

كل تلك الأشياء هي أشياء مادية؛ ذلك يعني أنَّ الضرر يكون ماديًا.

ومن الأدلة الأخرى التي نتبينها من بلاغة القرءان، والتي تُثبت لنا أنَّ الضرر مادي، وليس معنويًا؛ أنَّ ما هو مادي لا يقع في حق الله ـ تعالى ـ أبدًا: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗا

وَسَيُحۡبِطُ أَعۡمَٰلَهُمۡ (32) ﴾ سورة محمد.

 الله ينفي أن يضره شيئًا قال الحق: ﴿ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗا ﴾ ولم يقل: (لن يُؤذوا الله شيئًا) ذلك من دقة الألفاظ في القرءان التي تجعل كل لفظ يأتي في موضعه، دون اختلاف بين الآيات الكريمة.

نعم، فليس من الناس من يستطيع أن يضر الله ـ تعالى ـ .

لماذا؟

لأنَّ الضرر الذي لا يكون إلَّا ماديًا مُحال أن يُصيب الله ـ تعالى ـ .

هل يُمكن للناس أن يضروا النبي في حياته؟ ماذا جاء في القرءان؟

قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ : ﴿ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖ ﴾ إنَّ الله ينفي أن يقع ضرر على النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهذا يتوافق مع قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ ﴾ من الآية (67) سورة المائدة؛ فلا اختلاف بين الآيات.

نفقه من قول الحق ﴿ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖ ﴾ أنه ليس من الناس من استطاع أن يضر النبي في جسمه، أو أهله، أو ماله.. حسب ما نتبينه من بلاغة القرءان، وتناسق ءاياته البالغة الإحكام.

وماذا عن الأذى؟

أما عن الأذى الذي هو معنوي، وليس ماديًا؛ كما يتبين لنا من الآيات؛ نجد أنَّ القرءان قد أثبت أنه يُصيب النبي؛ كما يتبين لنا من قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ

ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (61) ﴾ سورة التوبة.

الله ينفي وقوع الضرر في حق النبي، ويُثبت وقوع الأذى..

ذلك ليس اختلافً أو تناقضً بين الآيات مثل ما يظن الجاهلون، ولكن لكل لفظ دلالته التي تُبين لنا مراد الحق؛ فالله ـ عز وجل ـ ينفي وقوع الضرر في حق الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويُثبت وقوع الأذى لأن كلا اللفظين مُختلف عن الآخر..

ومن الآيات التي تؤكد لنا أنَّ الأذى معنوي، وليس ماديًا؛ قول الحق: ﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا (58) ﴾ سورة الأحزاب.

وكيف نستنبط من بلاغة هذه الآية الكريمة أنَّ الأذى هنا معنوي، وليس ماديًا؟

لننظر إلى دقة الوصف في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ ﴾ إنها تتوافق مع قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : ﴿ يُؤۡذُونَ ﴾ الذي لا يكون إلَّا معنويًا، أو نفسيًا، ولا يكون ماديًا.

كيف ذلك؟

البلاغة التي نستنبطها من قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : ﴿ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ ﴾ يدل على أنهم قالوا عن المؤمنين؛ أشياءً لم يفعلوها في الواقع؛ إنه مُجرد قول أصابوا به الذين آمنوا، لكن المؤمنين لم يفعلوه حقًا..

ذلك من الأدلة التي تُؤكد لنا أنَّ الأذى يكون معنويًا ـ بالقول ـ لأنَّ الله قال: ﴿ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ ﴾ أي بغير شئ مادي فعلوه:

﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ ﴾ أي بغير ما فعلوا.

إذًا حسب ما نستنبطه من بلاغة الآية: الأذى ليس شيئًا ماديًا، فهو ليس كالمرض العضوي الذي يُصيب الجسم، وليس كخسارة المال، مثل: نقص الثمرات، أو كساد التجارة، وليس كنقص الأنفس..

إنما الأذى هو شئ معنوي لا يكون إلَّا بالقول.

دليل آخر على أنَّ الأذى لا يكون إلَّا بالقول

من خلال تدبر الآية رقم (186) سورة آل عمران: ﴿ لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ﴾.

أليس ما يتم سماعه هو القول؟

نعم ﴿ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ ﴾ لقد وصف الله ـ عز وجل ـ القول الذي سيسمعه المؤمنون بأنه: ﴿ أَذٗى كَثِيرٗاۚ ﴾ وليس: (ضررًا كثيرًا) فأثبت ذلك أنَّ الأذى يكون بالقول؛ لأنه معنوي، ولا يكون ماديًا كنقص في

الثمرات، أو في النفس..

ومن الأدلة التي أراها قاطعة في أنَّ الأذى لا يكون إلَّا معنويًا، وليس ماديًا..

ما نتبينه من قول الله ـ تعالى ـ ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا (57) ﴾ سورة الأحزاب.

وهنا أتوقف عند شئ لا شك فيه:

هل من الناس من يضر الله في نفسه؟!

بالتأكيد لا.

لذلك نفى الله ـ تعالى ـ وقوع الضرر في حقه.

ولكن هل من الناس (من هم من الجاهلين) من يسبون الله بغير علم؟

نعم، فمن الناس من يسبون الله، ويسبون الرسول، ومنهم من يفترون على الله، ورسوله الكذب.

بماذا وصف اللهُ ذلك؟

من بلاغة القرءان جاء الوصف بلفظ: (الأذى).

أليس في ذلك الدليل على أنَّ الأذى لا يكون إلَّا بالقول؟ّ

نعم، لأن الضرر ـ المادي ـ لا يقع في حق الله ـ تعالى ـ وأثبت الله وقوع القول.

إذًا الضرر يكون ماديًا، والأذى لا يكون إلَّا بالقول ( معنويًا).

فليس هناك من يضر الله ـ ماديً ـ ﴿ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗا ﴾.

 بينما أثبت الأذى ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ .. ﴾ والذي لا خلاف فيه أنَّ الضرر ـ المادي ـ لا يُصيب الله ـ عز وجل ـ ولكن نجد القول، مثل: من يسبون الله بغير علم ﴿ وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖۗ ﴾ من الآية (108) سورة الأنعام.

 و لا شك أنَّ السباب يكون بالقول؛ كما هو حادث بالفعل من قبل بعض الملحدين، والجاهلين.

كذلك نفى الله أن يُصيب الضرر الرسول ـ عليه الصلاة والسلام  ـ :

﴿ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖ ﴾.

 لكن أثبت أنَّ النبي يُصيبه الأذى الذي لا يكون إلَّا بالقول

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ﴾، ﴿ وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (61) ﴾.

من دقة البيان في القرءان أنه نفى وقوع الضرر على الله ورسوله؛ بينما أثبت وقوع الأذى وأثبت أن الأذى لا يكون إلَّا بالقول..

وبالعقل، والحكمة؛ الله لا يُصيبه شئ مادي؛ إذا الضرر لا يكون إلَّا ماديًا؛ لذلك الله ينفي نفيًا كاملًا أنه يُصيبه ضرر

﴿ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗا ﴾.

ويدل هذا على أنَّ الضرر لا يكون إلَّا ماديًا لاستحالة وقوعه في حق الله ـ سبحانه وتعالى ـ .

 ولأن الله أثبت الأذى ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ .. ﴾ فإن ذلك يدل على أنَّ الأذى لا يكون إلَّا بالقول، مثل: ما يحدث من قبل من  يسبون الله، ورسوله.

في النهاية:

قال الحق: ﴿ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗا ﴾ ﴿ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖ ﴾.

نستنبط منه أنَّ الضرر يكون ماديًا، ولا يكون معنويًا؛ لأنه لا يقع في حق الله ـ تعالى ـ .

وقول الله ـ عز وجل ـ : ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ﴾ والذي تكرر في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ

وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ ﴾ ولم يقل: (ومنهم الذين يضرون النبي) أراه من دقة البيان في القرءان التي  تُثبت أنَّ الأذى لا يكون إلَّا بالقول (أي معنوي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart