A peaceful mosque interior featuring a backlit window, rehal stand, and intricate architecture.

لماذا القرءان مُعجز؟

يظن بعض الناس أنَّ في مقدورهم أن يأتوا بمثل القرءان؛ بل من العجيب قول البعض: العرب يُمكنهم أن يأتوا بمثل القرءان، ولكن الله صرفهم عن ذلك؟!

والكثير من الناس يُؤمنون أنَّ القرءان مُعجز، لكن لا يتبيَّنون مُعجزاته التي تجعله ليس ككلام البشر.

هل تقتصر معجزات القرءان على الاكتشافات العلمية؟

إنَّ مُعجزات القرءان، لا تقتصر على الاكتشافات العلمية؛ بل به مُعجزات بيانية هي في كل ءاية من ءاياته، لا يُمكننا أن نتبيَّنها إلَّا بتدبر القرءان. وحين نستنبط تلك المعجزة؛ نُدرك أنَّها ليست ككلام البشر.

وسأضرب على ذلك مثلًا ليُبيّن لنا أنَّ القرءان، هو: كلام الله المعجز الَّذي لا يُمكن للإنس والجن أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا.

كيف نتبين معجزات القرءان البيانية التي تبدو للبعض أنها مثل كلام البشر؟

من أمثلة ما يبدو للبعض أنَّه عادي، وفي مقدور الناس أن يأتوا بمثله؛ ما نستنبطه من قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا (١٤) ﴾ الإسراء.

قد تبدو الآية للبعض مثل كلام البشر، لكن حين نتدبرها؛ يتبيَّن للناس أنَّها من قول الخالق الَّذي أحاط بكل شئ علمًا، ولا يمكن أن تكون من قول البشر.

هل تَفَكَّرنا: لِمَ قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ ﴾، ولم يقل: اتلُ كتابك؟

ذلك أراه من بلاغة البيان في الآية التي لا تُخالف بلاغة البيان في كل ءايات القرءان، وهو: أن يأتيَ كل لفظ في موضعه بدقة بالغة؛ بحيث لا يُمكن استبداله بلفظ ءاخر.

لكن من زعموا: أنَّ القرءان كلام بشر، أو من زعموا: أنَّ العرب من أهل الفصاحة، والبلاغة يُمكنهم أن يأتوا بمثل القرءان، لكن الله منعهم من ذلك!

ربما قالوا: لا فرق بين: اقرأ كتابك، واتلُ كتابك!

لأنَّهم لم يتمكنوا من التفريق الدقيق بين الَّفظين: (اقرأ، واتلُ)؛ فظنوا حينئذ أنَّ القرءان لا يختلف عن كلام البشر!

لا شك أنَّ الناس لن يعلموا الفرق بين الَّفظين؛ إلَّا بتدبر القرءان.

وبشكل مختصر

القراءة تعني قراءة الآيات كما هو ترتيبها في كتاب الله؛ أمَّا التلاوة فهي: تلاوة الآيات التي تُبيّن للناس موضوعًا واحدًا ـ ذو وحدة واحدة ـ مثل: تلاوة كل الآيات التي تُبيّن لنا خلق الإنسان، أو تلاوة الآيات التي تُحدثنا عن قوم نوح، أو تلاوة الآيات التي تُبيّن للناس ما حرمه الله.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ ﴾ من الآية (١٥١) سورة الأنعام.

من بلاغة القرءان، ودقة الألفاظ، والبيان فيه جاء لفظ: اتلُ، وليس اقرأ.

 لماذا؟

لأنَّ الرسول سيأتي إليهم بالآيات التي تُبيّن لهم المحرمات فقط؛ ءايات تُحدثهم عن موضوع واحد؛ فيتلوها عليهم.

حين نتلوا القرءان؛ فهذا يعني أنَّنا نأتي بالآيات التي تُبيّن الموضوع الَّذي نتحدث عنه، ونُريد أن نتبيَّن، أو نُبيّن حُكمه للناس من القرءان.

لكن حين نقرأ سورة الفاتحة مثلًا، أو نقرأ من سورة البقرة حسب ترتيب ءاياتها؛ هنا نقول: نقرأ وليس نتلوا؛ لأنَّنا نقرأُ الآيات كما هو ترتيبها في السورة.

وحين نقرأ فيجب أن نستمع وننصت كما أمرنا اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ (٢٠٤) ﴾ الأعراف.

جاء: ﴿ وَإذَا قُرِئَ الْقُرءَانُ ﴾ وليس: وإذا تُليَ القرءانُ؛ لأنَّ الآيات ستُقرأ حسب ترتيبها في كتاب الله؛ هذا ما نتبيَّنه من البلاغة البيانية في القرءان؛ التي جعلته ليس ككلام الإنس والجن.

ذلك هو الفرق بين: القراءة، والتلاوة..

نعود إلى قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا (١٤) ﴾ والإجابة على السؤال الَّذي طرحناه بالأعلى.

لا شك أنَّ المجرم سيعلم كل ما في كتابه الَّذي نسخ كل أعماله في الحياة الدنيا؛ لذلك من بلاغة البيان في القرءان؛ قالت له الملائكة: ﴿ ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ ﴾ وليس: أتلُ كتابك؛ لأنَّه سيقرأ كل ما في كتابه دون أن ينتقص منه شيئًا؛ ليكون هو الحسيب على نفسه. والدليل على أنَّه قرأ كل ما في كتابه؛ قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا (٤٩) ﴾ الكهف؛ ذلك دليل على أنَّ المجرمين يوم الحساب كل واحد منهم قرأ كتابه (كاملًا) فعلم كل ما فيه. لذلك جاء القول: ﴿ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ ﴾.

ولو قيل له: اتلُ كتابك؛ لكان في ذلك اختلافًا لا يكون أبدًا في كتاب الله؛ لأنَّ ذلك سيعني أنَّه سيتلو بعضًا ممَّا عَمِلَهُ في الحياة الدنيا، وليس كل أعماله، ولكن الحق، هو: أنَّه سيعلم كل ما عَمِلَهُ؛ ليكون على نفسه حسيبًا، ويستيقن أنَّ الله ـ تعالى ـ لم يظلمه؛ فجاء القول الحق بالغ الدقة: ﴿ ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا (١٤) ﴾ وليس اتلُ كتابك.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا (٨٢) ﴾ النساء.

إنَّ التفريق المُحكم الَّذي نتبيَّنه من الآيات؛ يحتاج إلى أن نتدبر القرءان، دون أن نغير ما فيه من ألفاظ وبيان، ودون أن نغير دلالة اللفظ التي أرادها الله ـ سبحانه وتعالى ـ.

أما تغيير اللفظ، أو دلالته بما هو خارج القرءان؛ سيُخرج الآية عن مرادها وبلاغتها عمَّا هو في القرءان الكريم.

إنَّ التمسك باللفظ، واستنباط دلالته من القرءان لهو أفضل ما يرد على من ظنوا أنَّ القرءان كلام بشر غير مُعجز !

وفي ذات الوقت نتمكن من رد قول من ظنوا أنَّ من الناس من يُمكنهم أن يقولوا مثل القرءان، ولكن الله منعهم؟!

ونحن نرد قولهم بقول الله – تعالى – : ﴿ قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا (٨٨) ﴾ الإسراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart