لماذا قال ـ الله تعالى ـ : (هذا القرءان)، و لم يقل (ذلك القرءان).

من دلالة اللفظ وبلاغته في القرءان

﴿ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ (٢) ﴾ البقرة.

﴿ إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا (٩) ﴾ الإسراء؛ لماذا ذلك الكتاب، هذا القرءان؟

حين أشار القول إلى كتاب الله؛ دلَّ لفظ (ذلك) على بلاغة الوصف في القرءان؛ لأن (ذلك) تشير إلى ما هو غيب، أو ما لم يتم إدراكه كله؛ وهذا من بلاغة البيان في القرءان.

لأن الإنسان لا يدرك كل ما في كتاب الله من حق، ومعجزات بيانية..

لهذا فإنَّ الوصف البليغ: (ذلك الكتاب)، وليس هذا الكتاب.

أمَّا (هذا القرءان)؛ فهي تشير إلى اللحظة التي يقرأ فيها الإنسان القرءان؛ أي تشير إلى قراءة القرءان في زمن التكلم.

ومن بلاغة البيان في القرءان؛ لفظ: (هذا) نجده يشير دائمًا إلى القرءان.

ولكن متى أشار إلى الكتاب؛ أي متى جاء القول: هذا الكتاب، وليس ذلك الكتاب؟

إنه حقًا لقول بليغ، يدل على أنَّ القرءان هو كلام الله، وليس كلام بشر.

لقد جاءت أداة الإشارة (هذا) في قول الله – تعالى – : ﴿ وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا (٤٩) ﴾ الكهف.

ما هي البلاغة التي نستنبطها من الآية حين جاء لفظ: (هذا الكتاب)، وليس (ذلك الكتاب)؟

ذلك من إحكام الله لآياته؛ فحين يتكلم المجرم عن كتابه يوم القيامة، بعد أن قرأه وأدرك كل مافيه فوجده لا يغادر صغيرة ولاكبيرة إلَّا أحصاها؛ يكون الوصف البليغ، والبيان المعجز: ﴿ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ ﴾ وليس (ذلك الكتاب).

لأن مجئ لفظ: (هذا) بدلًا من لفظ: (ذلك)؛ دلَّ على أنَّ الظالم أدرك كل ما في كتابه من أعمال قام بها ﴿ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ ﴾؛ ليعلم أنَّ الله لا يظلمه ﴿ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا ﴾.

هذا من بلاغة البيان في القرءان، وأنَّ كل لفظ يأتي في موضعه بإحكام لا يمكن للإنس والجن أن يأتوا بمثله.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart