معنى التأويل من قصة يوسف – عليه السلام-.
تأويل يوسف – عليه السلام – لرؤية الملك، وكيف يختلف التأويل عن المعنى الظاهر..
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ (٤٣) قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ (٤٤) وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ (٤٦) قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ (٤٩) ﴾ يوسف.
هذه الآيات الكريمة تفرق بوضوح بين التأويل، و بين البيان، والاستنباط، والتفسير.
لماذا؟
لقد بينت تلك الآيات الكريمة أنَّ التأويل لا يكون إلَّا بعلم من عند الله – عز وجل -.
ومن الأسئلة التي أطرحها، والتي تبين لنا بلاغة البيان في القرءان:
لماذا قالوا تأويل الأحلام؛ ثم ربطوها بالعلم؟!
لأنَّهم سيغيرون المعنى الظاهر (الذي قصه الملك وهو ما رءاه في الحلم) إلى معنى باطن لم يَظهر في الرؤيا.
فلم يجدوا غير يوسف – عليه السلام – بعد أن تحققت نبوأته لصاحبيه في السجن.
أدرك الذي نجى بعد أمة من الوقت أنَّ يوسف هو من سيُؤول رؤية الملك التي قصها على الملأ.
وقد تحقق ذلك بالفعل ووجدنا يوسف – عليه السلام – الذي أتاه اللهُ علمًا من عنده يكشف له من عالم الغيب ما سيحدث في المستقبل فيما يخص رؤيا الملك.
لهذا سيدنا يوسف أوَّلَ الرؤية على حقيتها الباطنة التي اختلفت تمامًا مع المعنى الظاهر لرؤية الملك.
لقد قال يوسف – عليه السلام – ما علَّمَه اللهُ وهو العلم الذي سيكون واقعًا في المستقبل، وليس ليوسف سبيل لعلم التأويل، أو علم الغيب دون أن يأتيه علمًا من عند الله – تعالى – عالم الغيب وحده.
قال – سبحانه وتعالى – : ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ
لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ (٤٦) قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ (٤٩) ﴾:
ماذا يتبين لنا من الأحداث؟
قص رسول الملك (الذي صاحب يوسف في السجن من قبل) رؤية الملك وهي: ﴿ سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ ﴾ من الآية (٤٦) يوسف.
فقال له يوسف – عليه السلام – :إنَّهم يزرعون سبع سنين دأبًا (بشكل متواصل) ثم طلب منهم يوسف – عليه السلام – أن يذروا ما حصدوه في سنبله إلَّا قليلًا مما يأكلون.
بعد ذلك تبدأ سبع سنين شداد يأكلن ما قدموه؛ أي سيأكلون في السبع سنين الشداد (التي بها نقص الغذاء) ما ادخروه في السبع سنين التي كانت مليئة بالخير؛ فيقل ما ادخروه في السبع سنوات الشداد إلَّا قليلًا مما يحصنون (أي ممن يدخره ليزرعوا منه بعد انتهاء السبع سنين الشداد).
ماذا نلاحظ؟
لقد تغير المعنى تمامًا فيما قاله سيدنا يوسف عمَّا رءاه الملك في رؤياه.
وهذا هو التأويل الذي يعني تحويل المعنى الظاهر لمعنى باطن (غير ظاهر يعلمه الله وحده).
ذلك التأويل يعبر عن أحداث حقيقية سواء حدثت في الماضي، أو ستحدث في المستقبل.
لهذا فإن التأويل لا يأتي إلَّا من الله لمن أراد من عباده الصالحين.
وماذا عن البيان؟
البيان هو: دلالات الألفاظ، والمراد من الآية، وهو ثابت ظاهر نتبينه بالتدبر؛ فنستنبط منه المراد.
فالبيان هو ما نستنبط منه المعنى الحق قدر المستطاع، ويزداد استنباطنا للمعنى البيَّن كلما ازداد العلم، وما يكتشفه الناس مع مرور السنين، فيما يُسمى بالتفسير.
وما هو التفسير؟
هو ما نتبين منه أسباب الأحداث، والآيات (الظواهر الطبيعية).
أما التدبر، والبيان فيكون للقول لاستنباط معانيه (المراد منه).
ومن خلال التدبر ، والبيان، والتفسير؛ نستنبط ما كان غامضًا في الماضي ليظهر جليًا في الحاضر.
وعودة إلى قصة يوسف – عليه السلام – يتبين لمن يتدبرون القرءان أمورًا جميلة تظهر من خلال الأحداث:
يوسف – عليه السلام – مسجون ظلمًا، وحين طلب الملك فتواه نلاحظ أنَّ يوسف – عليه السلام – لم يستغل الموقف ليخرج من السجن؛ بل أفتاهم بتأويل الرؤية ولم يساومهم بخروجه من السجن أولًا، أو حتى أن يذكره الرسول عند الملك: أنَّه تم سجنه ظلمًا. إنَّما أفتاهم بخلق الأنبياء – عليهم السلام – وما يجب أن يكون عليه المؤمن.
وعندما أراد الملك أن يستخلصه لنفسه بعدما وجد فيه خلقًا وعلمًا، لم يفرح يوسف – عليه السلام – بالخروج من السجن، ولم يتشبث بفرصة الخروج منه؛ بل أراد أن تظهر براءته أولًا قبل أن يخرج من السجن ويذهب إلى الملك.
لقد أظهر حب الحق على الحرية؛ حين جعل ظهور براءته أسمى من أن يكون مقربًا من الملك.
هم – عليهم السلام – لم يُريدوا متاع الدنيا وزينتها؛ بل هانت عليهم بمقدار قربهم من الله – عز وجل – وبما عرفوا من الحق.
لِمَا لا وهم خير البشر، وقدوتهم.