من العجيب أنَّ بعض الناس اتخذوا من الآية الكريمة شبهة ليطعنوا في القرءان؛ وقالوا: إنَّ هذه الآية بها خطأ؟!
كيف ذلك؟!
قالوا: أين عدد أوراق الشجر، والرمال، والكائنات في المحيطات؛ بل وأين أعمار الناس، ومتى سيتزوج، ومن هم أولاده؟!
للأسف تلك الشبهة منتشرة، ويظن أصحابها أنهم جاءوا بشبهة لا يُمكن الخروج منها؟!
ولكن نقول لهم: ما من اختلاف تزعمون وجوده في القرءان إلَّا وقد دل على مرض قلوبكم، وأثبت أنكم لا تعقلون، ولستم أصحاب منهم علمي..
فلو تدبرتوا الآيات لاستحييتم أن تثيروا شبهة واحدة حول كتاب الله.
ما المراد من قول الحق: ﴿ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ ﴾؟
في البداية لا بد من العلم أنَّ ءايات القرءان تُفصل بعضها؛ وهذا يجعلني أضع الآية مع ءاية كريمة أخرى ترد شبهتم، وتُثبت لهم أنهم يفتقرون الرؤية السليمة، والأسلوب العلمي القائم على العقل، المجرد من العاطفة..
قال ـ سبحانه وتعالى ـ : ﴿ إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ (12) ﴾ يس.
لننظر ونتدبر الآية الكريمة: ﴿ إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ (12) ﴾.
إنها تُحدثنا عن ءاثار الموتي بل وكل شئ تم إحصائه..
في أي كتاب تم إحصائه؟
يقول المولى ـ عز وجل ـ : ﴿ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ ﴾ ولم يقل: في القرءان.
وهل من فرق؟
نعم، فالإمام المبين، وليس القرءان هو الذي فيه ءاثار الناس؛ أي كل ما فعلوه في حياتهم بما في ذلك النكاح، وذريتهم، وما أصابهم من أمراض، وما لهم من رزق، وكل ماحدث لهم، وما سيحدث..
وفيه كذلك عدد أوراق الشجر، وما بداخلها، وكل الكائنات؛ بل فيه كل شئ في الوجود.
لاحظوا لفظ: أحصيناه؛ إنه يدل على الإحاطة الكاملة بكل شئ خلقه الله من الموجودات.
إذًا زواج الإنسان، وأولاده، وكل شئ فعلوه هو في إمام مبين، وليس في القرءان الكريم.
وأعود لقول الله: ﴿ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ ﴾ لنتين: ما المراد به؟
الآية الكريمة تكلمنا عن القرءان، حيث تقول: ﴿ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ ﴾.
ما المراد بذلك؟
تدبروا قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدًا عَلَيۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ (89) ﴾ النحل.
الآية تُكلمنا عن ما أنبأنا به القرءان، مثل: اليوم الآخر، وكل ما فيه من أحداث جاء ذِكرها في القرءان الكريم.
هذا يعني أنَّ القرءان فيه تبيان لكل شئ ـ كل شئ نزلَ فيه، أو تكلم عنه ـ من خلال تفصل الآيات لبعضها.
فلو بحثت عن معنى الطود ستجد الإجابة بالفعل، وستجدها في القرءان، وليس خارجه.
فحين نتدبر قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ (63) ﴾ الشعراء، وحين نفسر ما حدث للماء نستنبط أنَّ الطود هو جسد يرتفع فوق سطح الأرض، ولكن لا يخترق سطحها فاختلف عن الجبل (وذلك قد تم ذِكره بالتفصيل من قبل)..
وفي قول الحق ومن خلال البحث العلمي، واكتشافات العلماء يتبين لنا أنَّ المراد بقول الله ـ تعالى ـ : ﴿ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ (17) ﴾ الرحمن، هو القطبين الشمالي والجنوبي..
لماذا القطبين الشمالي والجنوبي؟
لأنهما هما من تطلع عليها الشمس من مشرقيهما مرة واحدة في السنة، وكذلك الغروب؛ حيث أنَّ الآية تتحدث عن المشرق الذي يرتبط بطلوع الشمس..
البحث العلمي؛ بل وتجارب الحياة بينت أنَّ الشمس تطلع من مشرق القطب الشمالي مرة واحدة في السنة، وتغرب مرة واحدة في السنة.
ويتكرر ذات الشئ مع القطب الجنوبي، حيث تطلع الشمس من مشرق القطب الجنوبي مرة واحدة في السنة؛ وبالتالي: تغرب مرة واحدة في السنة؛ أي أنَّ الأمر يحدث بالتبادل بين القطبين كل سنة.
هذا يُبين لنا المراد بقول الحق: ﴿ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ ﴾ أنَّ كتاب الله هو تبيان لكل شئ ـ جاء فيه ـ حيث تبين لنا من كتاب الله أنَّ المراد من الآية الكريمة: ﴿ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ (17) ﴾ هما: مشرقي القطبين الشمالي والجنوبي.
ذلك حين نتدبر الآيات، ونربطها بما يحدث من اكتشافات علمية صائبة.
أما قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا (27) وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا كِذَّابٗا (28) وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ كِتَٰبٗا (29) ﴾ النبأ.
المراد به أعمالهم التي أحصاها ـ قبل أن تكون ـ .
وفي أي شئ أُحصيت؟
في الإمام المبين.
أما قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ ﴾ هو عن القرءان، وليس عن الإمام المبين؛ وبالتالي: لا يعني: عدد أوراق الشجر، أو أسماء الناس، أو المخترعات الحديثة (مثل ما يقول البعض ممن ينتقضون القرءان).
ولكن يُراد به: أنَّ كل شئ جاء ذكره في القرءان الكريم؛ يمكن للناس أن يتبينوه بإذن الله من القرءان ذاته؛ حين يتدبروه ـ مع مرور الوقت؛ مصداقًا لقول الله ـ تعالى ـ :
﴿ سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَ لَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ (53) ﴾ فصلت، يكفي حقًا أنَّ الله على كل شئ قد أنبنا به شهيد.
لذلك أي شئ لا يظهر الآن؛ نؤمن أنه حق من عند الله، وقد نتبينه، أو يتبينه غيرنا في المستقبل.
وكلما تبين لنا المراد من ءاية من ءايات كتاب الله كانت من قبل شبهة؛ كلما صار أصحاب الشبهات بلا حجة حتى أمام أنفسهم.
وحينها يستيقنون أن كل شبهاتهم كانت مجرد ظنون، والظن لا يغني من الحق شيئًا.
فإن ءامنوا وأصلحوا فإنَّ الله غفور رحيم، وإن أصروا واستكبروا فعلى أنفسهم.
ولنعلم أن الآيات المتشابهات هي ليتفكر الناس فيها ويعقلوا، ويستنبطوا المعاني، والمراد منها بأنفسهم، من القرءان بما فيه من بلاغة وبيان.
وحين يتبين للناس الحق من القرءان يستيقنون أنَّ القرءان هو كلام الله، وليس كلام بشر، ويزداد الذين ءامنوا إيمانًا مع إيمانهم.
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا (82) ﴾ النساء.