quran, islam, book, muslim, islamic, god, quran, quran, quran, quran, quran

ما هو التأويل البشري، ومتى يكون؟

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا (٥٩) ﴾ النساء.

نعلم أنَّ تقييم الناس لأمور الحياة قد يختلف من إنسان لآخر؛ وبالتالي: حُكمهم على شئ في أمور حياتهم هو تأويل بشري؛ لأنه يعتمد على أمور قد تكون غير واضحة؛ إما لنقص العلم، أو لقلة معرفة كيفية دراسته، واستنباط الحق منه.

والتأويل البشري دائمًا يكون نسيبًا وليس قاطعًا، لذلك فهو لا يُصيب الحق المُطلق الأمر الذي قد يُؤدي إلى حدوث نزاع بينهم؛ لهذا ولفض النزاع بينهم؛ من الأفضل أن يَرُدوه إلى الله والرسول ليأتيهم تأويل أحسن مما يأتون به.

ماذا لو قال اللهُ – تعالى – : (فردوه إلى الله والنبي) هل سيتغير المراد مقارنًة بقوله: ﴿ فردوه إلى الله والرسول ﴾؟ القول في غير القرءان: (فردوه إلى الله والنبي) معناه أنَّ النبي هو من سيأتي بتأويل من نفسه، وليس من عند الله؛ أي ليس من القرءان، أو وحيًا من عند الله.

كذلك سيكون رد النزاع إلى النبي في حياته فقط.

لماذا؟

لأن النبي هي صفة لسيدنا محمد في حياته تدل على وجوده بين الناس.

لكن الرسول صفة حتى بعد موت النبي – عليه الصلاة والسلام – بما جاء به من رسالة، وبلغه عن ربه.

ولكن في حقيقة الأمر التأويل الحق لا يأتي من نفس النبي، ولكن يأتي من الرسول.

كيف ذلك؛ أليس الرسول هو النبي؟!

نعم النبي هو الرسول، ولكن كما قلت: لفظ: (النبي) تطلق عليه كبشر: يجتهد، ويقرر من نفسه، ويفكر، ويستنبط..

أما لفظ: (الرسول) فهو صفة له لحظة تبليغه الرسالة التي أوحيت إليه من الله – تعالى -.

كذلك التأويل الحق هو رسالة أوحيت إلى الرسول من الله – سبحانه وتعالى – كما حدث مع يوسف – عليه السلام – والعبد الصالح؛ فكلاهما كان يأتيه التأويل علمًا من عند الله، وليس اجتهادًا من نفسه.

ومن بلاغة القرءان لم يشمل التأويل الأحسن أولي الأمر؛ لماذا؟!

ذلك من دقة الألفاظ والبيان في القرءان؛ لأن أولي الأمر لا يجتهدون ليأتوا بتأويل من عند أنفسهم؛ ولكن يأتون بتأويل الأمور الحياتية لفض النزاع بين الناس من خلال كلام الله الذي بلغه الرسول – عليه الصلاة والسلام – عن ربه.

وبهذا يتبين لنا أنَّ أولي الأمر لا يعلمون التأويل الحق – يستحيل ذلك – وهذا دليل على أنَّه علم من عند الله يؤتيه الرسول وحيًا.

أما أولي الأمر فهم يحكمون بين الناس بما أنزل اللهُ من علم على رسوله، ذلك العلم يُساعدهم في الوصول إلى أحسن تأويل يمكن أن يقضي على النزاع بين الناس.

حين جاء: ﴿ فردوه إلي الله والرسول ﴾ وليس: (إلي الله والنبي) بيَّنَ لنا هذا بلاغة القرءان، ودقة ألفاظه.

كيف؟

لأن الرد إلى النبي لا يكون إلَّا في حياته فقط، لكن الرد إلى الرسول يعني الرد إلى الرسول سواء في حياته، أو بعد موته.

فالرسول – عليه الصلاة والسلام – بلغ الرسالة في حياته، وبعد موته إلى أن تأتي الساعة.

الرسول كما ذَكرنا لا يقوم بالتأويل من نفسه، ولكن التأويل يأتيه رسالة من عند الله – تعالى – فيُبلغها للناس كما هي؛ والدليل قول الله – تعالى – : ﴿ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ﴾.

فلفظ: (تؤمنون) يدل على أنَّ الرسول لا يأتيهم بتأويل من نفسه، ولكن هو رسالة من عند الله – تعالى -.

لفظ رسول يعني أنًّه صاحب رسالة وهذا يتناسب مع أحداث الحياة إلى أنَّ تأتي الساعة؛ لأنَّ الرسول – عليه الصلاة والسلام – ترك رسالة نرد النزاع إليها؛ فيأتينا تأويل أحسن من الذي نأتي به.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥) ﴾ الإسراء.

توضح لنا الآية الكريمة أنَّ التأويل البشري لا يكون في أمور الدين التي هي لله وحده، ولا تكون في كلام الله – سبحانه وتعالى – لأنَّهم لا يحيطون بالدين، أو بكلام الله علمًا، ولا يعلمون الغيب، ولا يأتيهم وحي من عند الله بالتأويل الحق.

ما هو التأويل الذي لا يكون للبشر؟

إنه تأويل الأحداث: ما الحكمة منها،

مثل: تأويل الأحداث في قصتي سيدنا يوسف، والعبد الصالح.

وكذلك تأويل المتشابه من القرءان ﴿ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ (٧) ﴾ آل عمران.

لقد نفت الآية التأويل البشري للمتشابه من القرءان؛ فهو في علم الله وحده يأتينا يوم القيامة، وليس في الحياة الدنيا.

وماذا عن من يتبعون المتشابه ابتغاء تأويله؟

من يتبعون ما تشابه منه؛ يبتغون الفتنة، ويبتغون تأويله.

ذلك حين يحرفون الكلم عن مواضعه؛ فيغيرون المراد الحق الذي جاءت به الآيات، إلى مراد باطل يعبر عما في أنفسهم من أهواء؛ ليفتنوا الناس عن سبيل الرشاد.

هؤلاء وصفهم اللهُ بأنَّ في قلوبهم زَيغ فهم ليسوا من (الراسخون في العلم) الذين يؤمنون بكل ما أنزله اللهُ من حق.

حتى ما لم يتبينوا منه الحكمة بعد يؤمنون به أنه من عند ربهم.

ما هو الإيمان؟

الإيمان لا يعني الدليل (المادي) على كل قول في القرءان الكريم حتى يؤمن الإنسان أنَّ القرءان من عند الله؛ بل الإيمان معناه أنَّ الإنسان يؤمن دون دليل (مادي) بالله، وبالقرءان.

المؤمن لا يطلب الدليل من الأساس وإلَّا أصبح ما يأخذه هو: تصديق، وليس إيمانًا!

ولكي نفصل بين جزئين في الآية الكريمة علينا أن نقول: حرف (الواو) لا يعني دائمًا أنَّ معناه: ما بعده يأخذ نفس صفات وحكم ما قبله، وهو ما يسمونه في علم النحو بالعطف.

كذلك لو تطابق ما قبل حرف (الواو) مع ما بعده في الآية هنا؛ ستتطابق النتيجة التي يشتركان فيها، وذلك سيؤدي إلى اختلال في معنى الآية الكريمة عن مرادها الحق.

لأنَّه لا ينبغي للناس أن يظنوا أنَّ الله يكون مثل: (الراسخون في العلم) يؤمن بكلامه أنَّه من عنده؟!

(ذلك حسب قاعدة حرف العطف).

فلو قلنا في غير القرءان: (وما يعلم تأويله إلَّا الله والراسخون في العلم) وتوقفنا؛ ثم استأنفنا الجملة التالية بلفظ (يقولون ءامنا به) لاختل المعنى تمامًا؛ لأنَّ مثل ما قلنا في السابق: إنَّ ما سيأتي بعد لفظ (العلم) سُيشير جميعه، وينطبق على ما قبله دون استثناء، فيجعلون الله ضمن من يؤمنون بأنَّ الكتاب من عنده؟!

وهذا لا ينبغي في حق الله – سبحانه وتعالى – لأن الإيمان لا يكون إلَّا بغيب،

واللهُ هو عالم الغيب والشهادة.

ولو ظن أحد غير هذا فسيصبح حينئذ أمام قراءة خاطئة للآية الكريمة، واختلال واضح في معناها.

ماذا نستنبط مما سبق؟

أنَّ (الراسخون في العلم) يؤمنون بالمتشابه كما يؤمنون بالمحكم (كل القرءان من عند الله).

وأنهم لا يعلمون تأويل المتشابه؛ لأن من يعلم تأويله هو الله وحده، وسيأتي تأويل المتشابه يوم القيامة.

وعلينا أن نفرق بين: التأويل وهو: تحويل المعنى الظاهر إلى معنى باطن، وبين: البيان، والاستنباط، والتفسير؛ حيث يتم البيان، والاستنباط، والتفسير من خلال ظاهر القول، وليس معاني باطنية.

يُقال في بعض التفاسير: إنَّ جملة (الراسخون في العلم) هي جملة استئنافية (مُنفصلة عما قبلها) وليست معطوفة على ما قبل (الواو)، وهذا بدوره ينفي أنَّ (الراسخون في العلم) يعلمون تأويل القرءان.

مما سبق يتبين أنَّ قول الله – تعالى – : ﴿ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ ﴾ له مراد وهو أنَّ الله وحده يعلم تأويل المتشابه من القرءان.

أما قوله – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ ﴾ بيَّن أنَّ (الراسخون في العلم) يؤمنون به أنَّه من عند ربهم، ومجئ لفظ: (الإيمان) لهو دليل على بلاغة البيان في القرءان؛ ليدل على أنَّهم لا يعلمون تأويله، حيث أنَّ الإيمان لا يكون إلا بغيب، مثل: الإيمان بالله، واليوم الآخر.

أما الدليل الذي يُظهر صدق الشئ؛ معناه التصديق بالشئ، وليس الإيمان به.

إنَّ الآية توضح أنَّ الله وحده هو الذي يعلم تأويل القرءان، أما (الراسخون في العلم) في مختلف المجالات فهم من يصلون إلى الحقائق المتوافقة مع كلام الله وءاياته في القرءان الكريم؛ هؤلاء يؤمنون به أنَّه من عند ربهم.

ما سبق ينفي قول البعض بأنَّ هناك من يعلمون تأويل القرءان!

لذلك يُؤول الناس في أمور حياتهم النسبية فقط، وليس في ءايات القرءان الكريم.

قول الله – تعالى – : ﴿ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾ من الآية (٣٥) الإسراء؛ هو تأويل إلهي في الأمور الحياتية النسبية لتقضي على النزاع بين الناس؛ حيث تمكنهم من الوصول إلى التأويل الأحسن.

من أمثلة ذلك

أنَّ الله يُعَلمُنا كيف نتبادل السلع دون ظلم حتى عن طريق المال.

فالإنسان حين يشتري سلعة فإنَّ التاجر يُؤول ثمنها بقيمة مقابلة من المال الذي سيتم دفعه ثمنًا لها، أي يُعادل ثمنها بمقابل من المال.

ذلك تأويل بشري حَوَّلَ قيمة السلعة إلى قيمة مالية مقابلة لها، مثل: أن تتحول قيمة النقود إلى هاتف، أو العكس.

وحين نقوم بذلك؛ ولكي نصل إلى أحسن تأويل فإنَّنا نلتزم بشرع الله – عز وجل – لنتبين الحكم الصائب في تأويلنا قدر المستطاع.

التأويل هنا هو سلعة مقابل شيئًا ءاخر وهو تأويل نسبي.

مثلًا: هل المال الذي سيتم دفعه ثمنًا للسلعة مناسب أم لا؟!

حتى لو تم شراء سلعة مقابل سلعة مماثلة لها، فإنَّ التأويل كذلك يكون نسبيًا لأنَّ السعلتين المتبادلتين ليستا على ذات الدرجة في كل شئ فهي أمور نسبية.

الفاكهة لو كانت من نفس الشجرة؛ فإن طعم الثمار لا يكون واحدًا بذات الدرجة، أو وزن البذور في الثمار لا يكون واحدًا في كل ثمرة؛ فلا بد أن يكون بينهم اختلافًا.

هذا التأويل يرتبط بفعل البشر، وتقديرهم للأمور؛ لهذا فإن تأويل الله لهم أحسن تأويلًا عند مقارنته بتأويلهم.

كذللك الميراث لو ترك للبشر لتنازعوا في حكمهم.

تلك هي النسبية التي قد تؤدي إلى النزاع بين الناس حين يختلفوا في تأويل أمور حياتهم النسبية.

وقد تؤدي إلى الظلم؛ لذلك علينا إذا تنازعنا في شئ أن نرده إلى الله ورسوله للحصول على تأويل أحسن مما يأتي به البشر.

وهذا كما أوضحنا دليل على عدم جواز تأويل البشر لأمور الدين، والتي منها عدم جواز تأويل ءايات القرءان.

ذلك لأن التأويل هو المعنى الباطن، وليس البيان، أو التفسير.

إن تأويل المتشابه من القرءان لا يحتمل النسبية؛ بل لا بد أن يكون بينًا وقاطعًا، وهذا لله وحده.

أما تأويل الأمور النسبية في الحياة، مثل: تقدير ثمن سلعة، أو شيئًا قد يحدث نزاعًا بين الناس؛ فالأفضل أن يكون من خلال القرءان حتى يكون أحسن تأويلًا.

والله أعلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart