لماذا قال الله ـ عز وجل ـ : ﴿ قُلۡ هُوَ أَذٗى ﴾ ولم يقل: (قل هو ضرر)؟
هل ذلك يعني أنَّ الأذى، ليس هو الضرر؟
ذلك ما سنتبيه بإذن الله خلال تدبر الآيات الكريمة، والذي سيُبين لنا دقة الوصف في القرءان؛ التي جعلت لكل شئ وصفًا بليغًا لا يُمكن للإنس والجن أن يأتوا بمثله..
تَبين لنا من قبل الفرق بين: (الضرر، والأذى)..
وقلنا: إنَّ الله نفى أن يضروه شيئًا؛ فعلمنا أنَّ الضرر يكون ماديًا، وليس بالقول (معنويًا) لأن الضرر الذي لا يكون إلَّا ماديًا لا يُمكن أن يكون في حق الله.
قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗا ﴾ من الآية (32) سورة محمد.
لا يضرون الله شيئًا، ولكن أثبت حدوث الأذى، كما قال الحق: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ ﴾ إذًا الأذى يكون في القول، ويستحيل أن يكون ماديًا؛ لأنه يستحيل أن يضروا الله (ماديًا).
دلالة الأذى من خلال بلاغة القرءان:
علمنا أنَّ الأذى لا يكون إلَّا في القول، أو يكون نفسيًا (مشاعر تُصيب نفس الإنسان).
وما الدليل على أنه يكون بالقول؟
من الأدلة على ذلك ما نتبينه من الآية الكريمة: ﴿ لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ﴾ من الآية رقم (186) سورة آل عمران.
لاحظوا دقة الألفاظ: ﴿ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ ﴾ لقد تم وصف ما سيسمعونه
ـ هنا ـ بأنه أذى.
ولأن الأذى يُسمع؛ إذًا هو من القول؛ لهذا وصفه الله ـ تعالى ـ بالأذى، وليس بالضرر.
هل من الناس من ضرَّ النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ؟
لقد أنبأنا الله ـ تعالى ـ في كتابه بأنه ليس من الناس من يُمكن أن يضر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ﴿ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ ﴾ لأنه لم يتمكن أي إنسان من قتل النبي، أو أن يضروه في بيته.
ولكن هناك من يسخر من الرسول، أو يفتري عليه الكذب؛ لذلك لم ينفِ الله الأذى عن الرسول ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا (57) ﴾ سورة الأحزاب.
كل ذلك يبين لنا أنَّ الأذى يكون بالقول، أو نفسيًا (يُؤثر في مشاعر الإنسان) ولا يكون ماديًا كالضرر..
هذا ما نتبينه من دقة الألفاظ في القرءان، وبلاغتها التي جعلت كل لفظ يأتي في موضعه.
ونعود إلى قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾ سورة البقرة.
بعد أن تبيَّن لنا أنَّ الضرر هو الشئ المادي: كالمرض العضوي الذي يُصيب جسم الإنسان، أو كنقص الثمرات، والأنفس، وأنَّ الأذى يكون بالقول، أو يكون نفسيًا (حيث يُصيب المشاعر) يُمكن أن نستنبط دقة البيان في قول الله ـ تعالى ـ :
﴿ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى ﴾.
لماذا قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ قُلۡ هُوَ أَذٗى ﴾ ولم يقل: (قل هو ضرر)؟
دون تدبر الآية، والتفريق بين لفظي: (أذى، ضرر) كما هي دلالة كل لفظ في القرءان؛ ستتداخل الأمور لدى بعض الناس؛ وسيظنون أنَّ الأذى هو ما يُعبر عن الأمراض المعدية التي قد تُصيب الزوجين خلال المحيض، أو على الأقل سيُصيب الزوج ـ أي الزوجة ـ بألم ـ لو مسها زوجها في المحيض ـ .
هم تحدثوا عن الأشياء المادية، ولكن هل تساءلوا كذلك عن الأمور النفسية التي يُمكن أن تُصيب الزوجين في المحيض؟
لأن القرءان هو كلام الله البالغ الدقة والكمال والتشريع، الذي لا يترك شيئًا إلَّا وبينه للناس جاء لفظ: ﴿ قُلۡ هُوَ أَذٗى ﴾وليس: (قل هو ضرر).
ولكي نستنبط تلك البلاغة من قول الحق: ﴿ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى ﴾ نطرح هذا السؤال:
لماذا اللهُ ـ تعالى ـ وصف المحيض بأنَّه: (أذى) ولم يصفه بأنَّه: (ضرر)؟
نعم، هذا السؤال بالغ الأهمية؛ لكي نستنبط مُراد الآية بدقة بالغة..
إنَّ الله أحكم آياته، وجعل كل لفظ في موضعه.. فحين قال الحق: ﴿ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى ﴾ وليس: (قل هو ضرر) يتبين لنا أنَّ لفظ: (أذى) جاء وفقًا لمُراد بلاغي، وتشريعي مُتكامل، والذي لا يتحقق بقول: (قل هو ضرر).
كيف ذلك؟
لأنه لو جاء: (قل هو ضرر) فإن ذلك يعني أنَّ القول ينهى عن الجماع فقط، ويحصر الأمر على ما يترتب عليه من أضرار مادية، كألم الجماع عند الزوجة، أو الأمراض المعدية التي يُمكن أن تُصيب الزوجين.. ولا ينهى عما قبله من الأمور التي تُسبب الأذى النفسي!
لكن من بلاغة القرءان، وتكامل التشريع في الآية؛ جاء القول:
﴿ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى ﴾ فالله ينهى ـ كذلك ـ في المحيض عن الأشياء التي لا تصل إلى حد الجماع؛ أي التي تسبقه، والتي ستُصيب الزوجين بالأذي (النفسي) نتيجة رؤية دم المحيض مثلًا.
ولأن الآية تنهى عما قبل الجماع ـ في المحيض ـ الذي يُسبب الأذى، تنهى كذلك عن الذي يليه؛ أي عن الجماع ـ في المحيض ـ الذي يُسبب الضرر (المادي).
ذلك من بلاغة الوصف في القرءان.
قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾.


