قال اللهُ – تعالى – : ﴿ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (٢) ﴾.
لماذا الحمد لله، وليس نحمد الله؟
لأن الحمد يكون لله وحده، ولا ينبغي لغيره؛ لا يحوي زمن؛ وذلك من بلاغة البيان في القرءان الكريم.
أما لو جاء لفظ: (نحمد الله) فإنه سيحوي زمنًا لأنه فعل، والفعل قد يدل على زمن مُحدد، أي أنهم يحمدون الله، ولكن ليس في كل الأزمنة.
وقد يعني (في الوقت ذاته) أنَّهم يحمدون (كذلك) غير الله، أو أنَّ حمدهم فيه نقص؛ أي ليس كما يليق بجلال الله.
لذلك ومن دقة البيان في كتاب الله؛ لم يأتِ فعل (نحمد) ولكن جاءت صفة (الحمد) ذاتها التي جعلت (كل الحمد) لله وحده.
ولأن صفة الحمد تخلو من الزمن؛ جعل ذلك الحمد لله في كل وقت (لا ينقطع أبدًا)؛ لأنَّ نعم الله علينا لا تنقطع أبدًا.
فسبحان من ذلك كلامه.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (٣) ﴾ الرحمن تعني أنَّ الله هو من يُدبر شئون ملكوت السموات والأرض: يرزق المؤمن، والكافر، هو من يُشفي المريض ولو كان كافرًا.
وكذلك الرحمن؛ هو من يُعاقب من يستحق العقاب.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ يَٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا (٤٥) ﴾ مريم.
أما صفة الرحيم؛ فإن أثرها يكون للمؤمن، وليس للكافر؛ سواء في الحياة الدنيا، أو في الآخرة.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ (٤) ﴾ الدين صفة من صفات اليوم الآخر.
ولا شك أنَّ ما يدين به الإنسان يخضع لحكم الله يوم الحساب، وهذا لا يكون إلَّا لله وحده؛ فهو – سبحانه وتعالى – الذي يُحاسب الناس على أعمالهم بعدله، وهو الذي يحكم على كل واحد منهم بما قدمت يداه.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ (٥) ﴾.
لو جاء القول: (نعبدك) فهي لن تنفي أنَّهم قد يُشركون بالله – تعالى – لأنَّها لا تدل على أنَّ كل عبادتهم لله وحده؛ أي (نعبدك) لا تنفي عبادتهم لغير الله.
لذلك كان التعبير البليغ في الآية بلفظ: ﴿ نَعۡبُدُ ﴾ وليس: (نعبدك) لأنَّ (نَعۡبُدُ) أبلغ، وأكثر بيانًا من (نعبدك)
لماذا؟
لفظ: (نعبد) جاء نكرة فجعل كل عبادتهم لله وحده؛ وبذلك هم لا يعبدون إلَّا الله.
كذلك الأمر مع (نستعين) الذي جاء نكرة ليبين لنا أنَّ الاستعانة لا تكون إلَّا بالله وحده، وهذا مما نتعلمه من سورة الفاتحة.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ (٦) ﴾ الصراط المستقيم تعني دين الله، الذي لا يحيد عن الحق أبدًا، إنه صراط مستقيم (لا عوج فيه).
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ (٧) ﴾ من أنعم اللهُ عليهم باتباع صراطه المستقيم.
﴿ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ ﴾ إنَّ الله إذا غضب على إنسان فلا يرضى عنه أبدًا.
أما ﴿ الضالين ﴾ الذين لم يهتدوا للحق ربما لأنهم لم يتبينوا سبيل الحق بعد.
ومنهم من ضل فلا يهتدي، ومنهم من ضل وقد يهتدي (بإذن الله).
ما الدليل على أن الضلال لا يعني تعمد الكفر؟
مثل من ضل الطريق دون إرادته فهو لا يستطيع أن يهتدي بعد.
ومن الأمثلة التي في القرءان؛ ما نتبينه من قول الله – تعالى – : ﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ (٧) ﴾ الضحى.
الضلال هنا لم يكن كفرًا بالله، أو شركًا به، أو ردًا للحق.
لأن النبي – عليه الصلاة والسلام – قبل أن يُنزَّل عليه القرءان كان يبحث عن الدين الحق، ولم يجده إلَّا بعد أن هداه اللهُ إلى الحق (هداه اللهُ – تعالى – إلى الصراط المستقيم).
والله أعلم.