هم الذين ءامنوا بالله – تعالى – وبلغوا في العلم درجات كبيرة في مختلف المجالات التي تنفع الناس.
الراسخون في العلم نجدهم في: الدين، الطب، الفلك، علوم البحار، الزراعة، وغيرها مما ينفع الناس.
لديهم من العلم ما مكنهم بإذن الله من استنباط المعاني في القرءان، وفي ملكوت السموات والأرض؛ فتبين لهم أنَّ القرءان هو كلام الله خالق كل شئ. هؤلاء هم من وصفهم اللهُ بقوله: ﴿ الراسخون في العلم ﴾.
من صفاتهم أنهم لا ينتظرون الدليل على صدق كل ءاية تأتيهم من عند الله؛ بل نراهم يقولون: ﴿ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ ﴾.
ثم يدعون الله بألَّا يزغ قلوبهم بعد أن هداهم إلى الحق.
ومن هم الذين في قلوبهم زيغ؟
هم النوع الآخر من الناس، وصفهم اللهُ بأنَّ في قلوبهم.
ذلك لأنَّهم يتبعون ما تشابه من القرءان ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله؛ قال اللهُ – تعالى – : ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِ﴾ من الآية (٧) آل عمران.
منهم من يتبع المتشابه ليوهم الناس بوجود اختلاف في القرءان، ومنهم من يتبع المتشابه من القرءان ليوهم الناس أنه يعلم تأويله!
وهذا يُخالف قول الحق: ﴿ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ ﴾ من الآية (٧) آل عمران.
فمن زعم أنه يعلم تأويل القرءان خالف الآية التي بينت أنَّ الله وحده الذي يعلم تأويل المتشابه من القرءان.
وليعلموا أنه هناك فرق بين التأويل، وبين البيان، والتفسير.
نحن نتدبر القرءان لنتبين، ونستنبط منه الحق كما هو في كتاب الله دون زيادة، أو نقصان.
إنَّ من يتبعون المتشابه من القرءان بين اللهُ مرادهم، وبين ما في قلوبهم.
لقد كان مرادهم من مخالفة الآية هو: ابتغاء تأويله، وابتغاء الفتنة.
لذلك وصفهم اللهُ بأنَّ في قلوبهم زيغ.
لأن الله يعلم أنَّهم يُريدون تغيير كلامه، والمراد من ءاياته بتغيير دلالات (معاني) الألفاظ إلى دلالات باطنة غير حقيقية من عند أنفسهم ليفتنوا الناس!
نعلم أنَّ تأويل المتشابه هو علم من عند الله يأتي يوم القيامة؛ إذًا من أين لهم بالوحي، وليس بيننا رسل من عند الله يُوحى إليهم من ربهم؟!
إنَّ من يُؤولون المتشابه من القرءان؛ ولو دون أن يدركوا قد أخرجوا المعاني البينة عن ظاهرها؛ فحرفوا بذلك الآيات البيِّنة عن مراد الله – تعالى -.
من أمثلة من يُؤولون القرءان ولو دون أن يدروا
من قال: (إنَّ لله وجه له عينان)!
فقد أوَّل بما ليس في الآيات بغير علم ءاتاه من عند الله؛ بل خالف ما في القرءان من حق.
لقد جسم، وشبه الخالق بمخلوقاته، وجعل له مثل فخالف قول الحق: ﴿ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ﴾ من الآية (١١) الشورى.
وقد بيِّنا من قبل (دون تأويل للمعنى الخاص بالوجه؛ بل بظاهر المعنى للفظ الوجه) أنَّ الوجه هو ما يواجه عمل الإنسان حين يتوجه به إلى الله – تعالى – قاصدًا به رضوان الله وحده، ولا يقصد به غيره، ولا يقصد به وجهًا له عينان.
بيِّنا ذلك بآيات عديدة منها قول الله – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ (٧٢) ﴾ آل عمران.
فلا يُعقل أن نأخذ المعنى من خلال التأويل فنقول: إنَّ النهار به عينان؟! ولكن هو من مواجهة النهار لهم حين يتوجه إليهم فصار للنهار وجهًا (معنوي) يواجههم حين يقبل عليهم.
الوجه هنا من المُتَوَجِه وهو: (النهار)، والوجهة (اتجاهه إليهم)، والمُتَجَه إليه هم: (المنافقون).
كل ذلك يتم عبر زمن (لأنَّ نشأت الوجه تقتضي وجود مُتَوَجِه، وحدوث توجه، ومرور زمن).
ما ينطبق على لفظ النهار وهو: أنَّ الوجه هنا لا يُقصد به وجه له عينان؛ لأنَّ ذلك لا يجوز ولا يُعقل؛ فمن الأولى ومن خلال ما بيناه؛ ألَّا يكون لله وجهًا له عينان (تعالى اللهُ عما يصفون).
ربما يسأل بعض الناس ما فائدة المتشابه من القرءان، ونحن لا نستطيع تأويله؟!
نقول لهم: إنَّ المتشابه من القرءان جاء لحكمة يعلمها اللهُ (واللهُ لا يُسأل عما يفعل).
وربما من هذه الحكمة: هو أنَّ المتشابه من القرءان يجعل الإنسان يتفكر ويستنبط دلالات الألفاظ، والمراد من الآيات المتشابهات، ويُعقل ليصل إلى الحق.
ولا شك أنَّ ذلك يتوافق مع إرادة الله بأن نتدبر القرءان، وأن يكون الإنسان مختلفًا عن باقي المخلوقات.
فالإنسان يتفكر، ويُعقل، ويصل بقدراته التي وهبها اللهُ – تعالى – له إلى علوم كثيرة، مثل: علوم صناعة الطائرات، والأجهزة الطبية كالتي تصور الجنين في رحم الأم، وغيرها مما تعجز باقي المخلوقات عن فعله.
كذلك من حكمة المتشابه من القرءان: هو أنَّه ينقل لنا أحداثًا ماضية، وأحداثًا قادمة نستخرج منها الموعظة، والعبرة فتنفعنا في حياتنا.
وجود المتشابه من القرءان لا يعني أنَّها ءايات لا معاني لها؛ بل ءايات يتم تبين، وتفسير ما بها من ألفاظ، وأحداث لنستنبط منها الحق.
ذلك من خلال التدبر، وليس من خلال التأويل.
لماذا؟
لأن التدبر يكون للقول البين ( الظاهر) أما التأويل فهو يأتي بمعاني باطنية ليست في الآيات، ولن تكون الحق؛ لأن الذي يعلم تأويل المتشابه من القرءان هو اللهُ وحده.
اللهُ – سبحانه وتعالى – أمرنا بتدبر القرءان، والآيات، وليس بتأويل القرءان.
هذا ما نتبينه من القرءان حين قال اللهُ – تعالى – عن التدبر:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢) ﴾ النساء.
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤) ﴾ محمد.
﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩) ﴾ ص.
وحين تكلم – عز وجل – عن التأويل قال: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) ﴾ آل عمران.
وأثبت أنَّ التأويل الذي يأتي بمعاني باطنة هو من عند الله: ﴿ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧) ﴾ يوسف.
سيدنا يوسف ينفي أن تأويله الرؤيا من نفسه ( اجتهاده) ولكن هو علم من عند الله أوحاه إليه ليكون له ءاية تثبت أنه رسول من عند الله.
تكرر ذلك من العبد الصالح: أنَّ التأويل ليس من نفسه، أو من اجتهاده، ولكن هو علم من عند الله – تعالى – : ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (٨٢) ﴾ الكهف.
تلك بلاغة البيان في القرءان، وتفصيل الآيات التي نتبينها بتدبر القرءان وءاياته.
فما يهمنا هو ظاهر الآية، وليس باطنها الذي لا يؤثر في حياة الناس.
من أدلة أنَّ تأويل المتشابه من القرءان هو علم من عند الله وحده يأتي يوم القيامة، وليس في الحياة الدنيا؛ قوله – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَلَقَدۡ جِئۡنَٰهُم بِكِتَٰبٖ فَصَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ (٥٢) هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ (٥٣) ﴾ الأعراف.
هذا من الأدلة القاطعة على أنَّ الكتاب لا يتم تأويله من قبل البشر، ولكن تأويله يأتي من عند الله يوم القيامة.
ومن هنا نصل لسبب وصف الله من يتبعون ما تشابه من القرءان؛ بأنهم يبتغون الفتنة (أي فتنة الناس).
لأنَّهم بتأويله سيغيرون معانيه البينة دون علم أوحي إليهم من الله، وهم يعلمون أن تأويل المتشابه (وليس بيانه، وتفسيره) يأتي يوم القيامة.
إني أرى: أنَّ البيان، والتفسير بعيدان تمامًا عن التأويل؛ لأنَّ تأويل المتشابه من القرءان هو: الوصول لمعاني باطنة لا تظهر في الآيات، أو العلم بأسباب ما ما نقله لنا القرءان من أحداث.
مثل: لماذا مات فرعون غرقًا، وقوم صالح – عليه السلام – ماتوا بعد أن أخذتهم الرجفة؟
طريقة الموت اختلفت!
فهل من البشر من يزعم أنه عَلِمَ: لماذا اختلفت طريقة الموت؟!
ذلك تأويل المتشابه من حيث: لماذا تمت الأحداث هكذا؛ وهو من علم الله وحده لن نعلمه إلَّا يوم القيامة.
سأضرب عن ذلك مثلًا: قال اللهُ – تعالى – : ﴿ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقۡتَهَا لِتُغۡرِقَ أَهۡلَهَا لَقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـًٔا إِمۡرٗا (٧١) ﴾ الكهف.
هذا تأويل للحدث الذي لم يعلمه سيدنا موسى، ولم يعلمه أصحاب السفينة.
أي لم يعلموا سبب حدوث خرق السفينة الذي هو في علم الله؛ لماذا أراد اللهُ – تعالى – ذلك؟
وكان تأويل ذلك: أنَّ وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبًا؛ فأراد اللهُ ُأن تظل السفينة مع المساكين؛ فاقتضت حكمته؛ خرق السفينة عن طريق العبد الصالح؛ فلا يتمكن الملك من أخذها.
لأن في علم الله؛ لن يتوقف الملك لإصلاحها.
فكانت إرادة الله وحكمته هي: أنَّ إصلاح السفينة أيسر على أصحابها من فقدانها (لو كانوا يعلمون تأويل ما حدث) أي لو علموا الغيب فعلموا تأويل (سبب) ماحدث للسفينة.
حينها كانوا سيدركون أنَّ ما حدث للسفينة كان كان أهون من فقدانها؛ وأدركوا أنَّ ما حدث للسفينة كان خيرًا لهم، وليس شرًا لهم.
لماذا؟
لأن الأمر اقتصر فقط على إصلاح السفينة، ولم يمتد إلى فقدانها تمامًا.
ولكن البعض يتساءل: لماذا الملك لا يحدث له شئ يجعله لا يأخذ السفينة دون خرقها؟!
نقول لهم: إنَّ ذلك من علم الغيب الذي لا يعلمه إلَّا الله وحده.
ولأننا نؤمن بأنَّ الله إله عدل لا يظلم أحدًا، أحاط بكل شئ علمًا؛ فلا شك أنَّ ما حدث هو الخير الذي كان ولا يكون غيره؛ حين اقتضت حكمة الله – تعالى – وإرادته: خرق السفينة.
ربما كان ذلك: ابتلاءً لأصحاب، أو تكفيرًا لذنوبهم، أو رفع درجاتهم يوم القيامة..فاللهُ لا يظلم أحدًا.
وعودة إلى تأويل الآية حسب ما نتبينه من القرءان: ظن موسى – عليه السلام – أنَّ خرق السفينة (حسب المعنى الذي ظهر له) هو شر أُريد بأهلها من العبد الصالح؛ حيث بدى له أنَّ خرق السفينة تم بنية إغراق أهلها!
لحظة الحدث سيدنا موسى لم يستطع صبرًا؛ فقال له العبد الصالح: ﴿ قَالَ أَلَمۡ أَقُلۡ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِيعَ مَعِيَ صَبۡرٗا (٧٢) ﴾ الكهف.
ولأنَّ تأويل الأحداث يأتي من عند الله؛ لذلك فهو علم غيب يأتي عن طريق النبأ؛ وهذا دليل على أنَّ موسى – عليه السلام – لم يُؤول ما حدث (لم يعلم سببه الذي هو من علم الله وحده) ولم يتوقع سبب حدوثه.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا من الآية (٧٨) ﴾الكهف.
﴿ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَٰكِينَ يَعۡمَلُونَ فِي ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٞ يَأۡخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصۡبٗا (٧٩) ﴾ الكهف.
لقد تبيِّن له بعد التأويل عن طريق النبأ (بعلم من الله ءاتاه إلى العبد الصالح) أنَّ ما حدث من خرق السفينة كان خيرًا أُريد بأهلها، وليس شرًا.
إنَّ أسباب موت الغلام، وبناء الجدار، وخرق السفينة، التي جاءت في القرءان؛ هو ما يمكن أنَّ نسميه: (تأويل الأحداث) ويكون هذا التأويل من علم الله؛ لأنَّ الله وحده يعلم أسباب حدوث الأشياء.
قال اللهُ – تعالى – واصفًا كلام العبد الصالح لموسى – عليه السلام – : ﴿ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا ﴾ من الآية (٨٢) الكهف.
هذا يؤكد لنا أنَّ تأويل المعاني، أو الأحداث؛ هو من علم الله وحده أتى اللهُ – سبحانه وتعالى – بعضه لبعض عباده وحيًا يقينيًا؛ وليس مجرد ظن من قبل إنسان يقول: إنَّه يستطيع أن يُؤول القرءان!
وهذا التأويل ليس للناس بعد موت النبي – عليه الصلاة والسلام -.
مما سبق نتبين أنَّ الله – عز وجل – أراد أن يعلم نبيه موسى – عليه السلام – ويعلمنا؛ أنَّ ما نحسبه خيرًا لنا ربما يكون شرًا لنا، وما نحسبه شرًا لنا ربما يكون خيرًا لنا.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (٢١٦) ﴾ البقرة.
فمن الناس من يحكمون على الظاهر، ولا يدرون شيئًا عن المعاني الباطنة، أو أسباب ما حدث لهم.
لقد أخفاها اللهُ – سبحانه وتعالى – عنهم لحكمة يعلمها اللهُ وحده.
مثل
لماذا يموت طفل صغير، ولماذا يُولد إنسان أعمى، ولماذا يُصاب ءاخرون بالأمراض، أو يفقدون تجارتهم، أو يفقد إنسان وظيفته، أو يفقدون عزيزًا عليهم.
كثير هي الأحداث التي لا يعلم تأويلها (أي أسباب حدوثها) إلَّا اللهُ وحده.
قطعًا تأويل تلك الأحداث، لا يأتي في الحياة الدنيا من قبل البشر؛ فمن له بهذا العلم حتى يؤمن له الناس بصدق تأويله؟!
لكن تأويلها يأتينا يوم القيامة من عند الله – تعالى – عالم الغيب.
ولا شك أنَّ في تأويلها خير لأصحابها؛ فاللهُ لا يظلم مثقال ذرة، ولا أصغر من ذلك.
ومن الأدلة التي أطرحها لتُبين أنَّ تأويل المتشابه من القرءان لا يعلمه إلَّا اللهُ وحده، ولا يجوز لبشر أن يدعي أنَّه يعلم تأويله؛ لأنَّ تأويل المتشابه من القرءان هو علم لا يُحيطون به في الحياة الدنيا؛ قول الله – تعالى – : ﴿ بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ ﴾ من الآية (٣٩) يونس.
(ولمَّا) تدل على الزمن من الحياة الدنيا إلى يوم القيامة.
أي أنَّ تأويل المتشابه يكون يوم القيامة بشكل قاطع وبيِّن.
فعلينا ألَّا نخلط بين: بيان، وتفسير المتشابه من القرءان الذي نستنبطه بالتدبر، وبين تأويله الذي يعلمه اللهُ وحده، والذي سيعلمه الناس يوم القيامة حين يأتيهم من عند الله – تعالى -.
والله أعلم